منذ ثلاثة وأربعين عاماً (عام 1973) انضمت ​بريطانيا​ إلى ​الإتحاد الأوروبي​، الذي يجمع ثماني وعشرين دولة إقتصادياً وسياسياً. لطالما كانت بريطانيا إحدى الدول الأهم في الإتحاد إلى أن كشف استطلاع للرأي في أيلول 2015، أن أغلبية البريطانيين بنسبة 51% يفضلون الخروج من الاتحاد الأوروبي مقابل 49% يفضلون البقاء فيه. 

اليوم ينقسم البريطانيون إلى معسكرين: الأول يحشد لصالح الخروج من الإتحاد الذي بات يراه مختلفاً تماماً عن مقترح الجماعة الإقتصادية، وأنّه توسع نطاقه ليشمل الأبعاد الثقافية والقضائية، ويقوده المحافظ وعمدة لندن السابق بوريس جونسون ومئتان وخمسون من قادة الأعمال في المملكة.

ومعسكر آخر يرى أن المملكة المتحدة حققت مكاسب إقتصادية وأمنية، ونفوذاً عالمياً نتيجة عضويتها في هذا الإتحاد، ويقوده رئيس الوزراء ديفيد كاميرون ويدعمه الرئيس الأميركي باراك أوباما والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. 

مع الإشارة إلى تحذيرات صندوق النقد الدولي، ومجموعة السبع، ومنظمة التعاون الإقتصادي والتنمية من خيار الخروج، فأشارت كريستين لاغارد الىأن عضوية الإتحاد الأوروبي قد جلبت للبريطانيي نوظائف، وأدت إلى ارتفاعات في الدخل، وساعدت في جعل الدولة "اقتصاداً ديناميكياً وحيوياً"، مؤكدةً ان "التكامل الأوروبي قد عزز التجارة والإستثمار ورفع الإنتاجية والمداخيل".

والجدير ذكره أنه في حال قررت بريطانيا الإنفصال عن الإتحاد الأوروبي سيتعين على حكومة كاميرون إخطار المجلس الأوروبي بالقرار، ولن تصبح للمملكة أحقية في المشاركة باتخاذ القرار على أن تبدأ محادثات جديدة لتحديد علاقتها بالاتحاد. وستشمل المحادثات القضايا المتعلقة بالسوق الواحدة، والهجرة، والسياسات الزراعية، وهناك حد أقصى لإتمام هذه المحادثات وهو عامان. كما سيتعين إعادة التفاوض بشأن الإتفاقيات التجارية وقوانين الهجرة والعمل وأنظمة السفر والمعاملات المالية بجانب.

في ظل كل هذه الإيجابيات والسلبيات والآراء والتمنيات، ما هي أهم التوقعات لنتائج الاستفتاء الذي سيجري يوم الخميس في 23 حزيران؟ وما هو الخيار الأفضل لبريطانيا ؟ وما هي تأثيرات خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي على قيمة الجنيه الإسترليني واليورو؟ وهل من الوارد تحول بريطانيا إلى التعامل باليورو في حال بقيت في الإتحاد الأوروبي؟  كل هذه التساؤلات حملتها "الإقتصاد" إلى عدد من الخبراء للوقوف على آرائهم وتحصيل الإجابات عليها.

حاصباني: في حال الخروج من الأتحاد انخفاض الاسترليني مقابل اليورو سيكون أحد أكبر الآثار

توقع الخبير الإقتصادي ورئيس"Cedar Institute"للشؤون الاقتصادية والإجتماعية غسان حاصباني، بقاء بريطانيا في الإتحاد الأوروبي، "وذلك لأنه الخيار الأفضل بسبب تواجدهم في السوق الاوروبية الكبيرة".

أما عن رغبة جزء من البريطانيين بالخروج من الاتحاد فيشير حاصباني الى ان ذلك "يعود الى خوف "اليساريين" الى حد ما من قدوم مواطني أوروبا الشرقية للعمل في بريطانيا بالإضافة الى موضوع النازحين وتوطينهم، او دخول تركيا الى الاتحاد الأوروبي ما يؤدي الى هجوم أكبر على بريطانيا ما يلحق الضرر بالعمال البريطانيين".

وأضاف ان الأسباب التي تدفع الى البقاء في أوروبا فهي أكثر بكثير، أولاً السوق الأوروبي الكبير المفتوح لبريطانيا حيث ان 40"% من البضائع البريطانية تدخل اليه، والخروج سيؤدي الى فرض رسوم جمركية على هذه البضائع، وعملية وضع قانون جمركي الآن هو عملية معقدة. مع الإشارة الى مجالات التعاون الأخرى بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي ومنها التعاون الدفاعي".

وعن تأثيرات التصويت لصالح الخروج قال حاصباني: "ستشهد بريطانيا هبوطاً مدوياً لأسعار العقارات لأن سوقهم سيصبح محصوراً ولن تكون المعاملات بالسهولة التي كانت عليها، بالإضافة الى ان انخفاض الاسترليني مقابل اليورو سيكون أحد أكبر الآثار".

وفي سياقٍ آخر، أوضح حاصباني أنه لا يرى تحولاً بريطانيا الى اليورو في حال بقيت ضمن الاتحاد الأوروبي "بل ستبقى على الاسترليني، وأريد ان أشير هنا الى ان مسألة الخروج أو البقاء ليست بالأهمية التي تراها الدول الأخرى. بريطانيا ليست مرتبطة بالإتحاد بدرجة عالية، فهي لديها العملة الخاصة بها كما أنها لم تدخل بنظام الشنغين، وحافظت على شبه استقلالية لها.

وقال: "نعم بريطانيا تسهم في الاتحاد الأوروبي مالياً ولكنها تستفيد اقتصادياً...ومع اغتيال النائبة البريطانية جو كوكس الداعمة للبقاء، أعتقد ان الداعين للخروج سيتراجعون قليلاً عن موقفهم". 

كما أشار حاصباني الى النزعة الاستقلالية الموجودة لدى الشعوب دائماً وخاصة عند الأزمات الإقتصادية، "وأنا شخصياً أرى هذا الاستفتاء كأحد وسائل الضغط على الاتحاد الأوروبي للحصول على بعض التنازلات بخصوص التعامل معها".

رياشي: لبريطانيا مصالح مشتركة محدودة لتكون ضمن أي تحالف

أما أمين عام المؤتمر الدائم للفيدرالية ورئيس التجمع الإقتصادي الإجتماعي من أجل لبنان د. ألفرد رياشي، فعلق على نزعة البريطانيين الاستقلالية عن محيطهم الأوروبي، ورأى في ذلك رغبة عند عدد من الدول كفرنسا وألمانيا بالسيطرة على قرارات هذه الكونفدرالية الأوروبية ما أسهم بتعزيز حذر المملكة المتحدة التي كانت تعتبر نفسها قوة عظمى ومعظم البريطانيين كانوا مع البقاء في الإتحاد... وهذه النزعة لم تتغير اليوم لاعتبارات أخرى اقتصادية، كون لبريطانيا مصالح مشتركة محدودة لتكون ضمن أي تحالف. وكما نعلم ان بريطانيا لديها امتداد سياسي واقتصادي بشكل أكبر مع دولة أنغلوساكسونية كبرى أخرى: الولايات المتحدة".

وأوضح رياشي: "في بريطانيا اليوم هناك رأي مع البقاء في الإتحاد، ومن الواضح انه الرأي الطاغي لأنه يرى ان البقاء يشكل قوة، لكن اذا أردنا ان نكون واقعيين (غير الواقع التاريخي والسوسيولوجي لبريطانيا)، جغرافياً ليس هناك من حدود مشتركة لتقوية العلاقة بين هذه الدول".

ومن الناحية الإقتصادية أشار الى انه "لطالما كانت بريطانيا معروفة بأنها دولة مصنّعة، ثم قامت بإعادة هيكلة لاقتصادها لتصبح دولة تعتمد على قطاع الخدمات فتم بيع "جاغوار" الى شركة هندية والأمر نفسه حصل مع "لاند روفر". وبالتالي، فإن قطاع الخدمات لا يستدعي اتفاقيات مع حلف اقتصادي معين. فالكثير من المحللين الذين هم مع الخروج من السوق الأوروبية يرون ان هذا الطرح فعال يجعلهم قادرين على اخذ قراراتهم الخاصة من دون ان يكونوا تابعين لأي كونفدرالية".

وعن امكانية تحول المملكة المتحدة للتعامل باليورو في حال بقائها في الاتحاد الأوروبي قال رياشي "في حال بقيت، من المنطقي أن تأخذ القرار على المدى البعيد وتتحول للتعامل باليورو، لكن اذا عدنا الى سبب عدم تعاملها باليورو منذ البداية فهي ان قيمة الجنيه الاسترليني أكبر من قيمة اليورو... كعملة تداول هناك تداولات بالمعاملات التجارية والمصرفية وغيرها بالدولار وهو أمر أكثر من كافٍ بالنسبة للحكومة البريطانية، لذا أستبعد خيار تبني اليورو".

ولا شك أن تداعيات هذا الإنفصال سيكون لها تأثيراتها على غير دول الإتحاد الأوروبي، وتحديدا على عدد من الإقتصادات الآسيوية، منها الصين التي تملك أكبر اقتصاد في المنطقة، وفقاً لما جاء في مذكرة "كابيتال إيكونوميكس" البريطانية.

وأشارت المذكرة إلى أن خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي سيتسبب في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.2% في آسيا، وأن قليلاً من الإقتصادات الآسيوية ستتأثر بشكل ملحوظ، ومنها كمبوديا وفيتنام،وهونكونغبشكل خاص نظراً لعلاقتها التجارية القوية مع المملكة.

وأعدت الشركة بواسطة المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعيةاستنتاجاتها بناء على أسوأ السيناريوهات المتوقعة ، ولم يبق سوى الإنتظار حتى يوم الخميس القادم لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور.