لاشك ان الاوضاع الحالية تتسم بإنكشاف متزايد للاقتصاد اللبناني على الخارج.

فبموازاة الظروف السياسية المتشنجّة داخلياً تخّيم الاوضاع الامنية المتلبدّة في المنطقة على اي توقع لمستقبل قريب. ولا شك ان الاوكسيجين الاساسي في حياة الاقتصاد اللبناني يبقى مصدره تحويلات المغتربين اللبنانيين من الخارج . وان العجز في الميزان التجاري تحدّ من تفاقم ارقامه قيمة هذه الاموال الوافدة والتي لولاها لكان شكل ما يوازي ما بين 15و17%من الناتج المحلي الاجمالي  للعام 2015.

وهنا يبدي بعض المراقبين قلقه  تجاه هذه النسب طبقاً  للمقاييس العالمية. كما ان صندوق النقد الدولي لفت  إليها، وحدد وجه الخطورة فيها لان العجز  مرتبط بصعوبة تأمين تمويل سليم من خلال استثمارات وإيداعات غير المقيمين الصافية لدى الجهاز المصرفي. واليوم تشير كل المعطيات المتوافرة إلى تراجع وتيرة التدفقات النقدية بشكل عام والاستثمارات بشكل خاص باتجاه لبنان نتيجة الأوضاع السياسية والأمنية المحيطة بلبنان من جهة ومع الدول العربية.

ومن المعلوم ان  حجم تحويلات المغتربين الى لبنان  قدرت عام 2015 ب7،5 مليار دولار ومعظمها مصدره  الخليج والسعودية بنسبة 70 بالمئة .

ويعتبر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة "ان تحويلات المغتربين اللبنانيين تعد من أكبر التحويلات في العالم اذا أخذنا في الاعتبار عدد السكان في لبنان.

وكما هو معروف فإن معظم هذه التحويلات تأتي من دول الخليج العربي، لذلك عندما تشهد هذه الدول أية أزمة داخلية ينعكس الأمر مباشرة على لبنان وعلى قطاعاته الانتاجية ،خصوصاً ان هذه التحويلات تتوزع الى ثلاثة أقسام: الأول مخصص للاستهلاك، والثاني للاستثمارات المالية كشراء أسهم وسندات خزينة وشهادات ودائع، أما القسم الثالث فيستخدم لشراء منازل او عقارات".

في الفصل الاول من العام الجاري رغم تحسّن تدفّقات الرساميل الوافدة باتّجاه الاقتصاد الوطني بنسبة تفوق 20 في المئة في الفترة ذاتها مقارنةً مع التدفّقات المسجّلة في الشهرَين الأوّلَين من العام الماضي لايزال هناك تخوف من ان يشهد هذا التدّفق بعض التراجع بسبب انخفاض اسعار النفط العالمية الذي يؤثر سلباً على البلدان المصدرة للنفط، لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي. الا انه مع ذلك فان حتى تاريخه لم تعاني هذه الدول من اي ركود اقتصادي لافت لينسحب  الى صرف العاملين فيها او تقليص مردودهم ، اذ ان نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي في هذه الدول والذي بلغ نسبة 3،4%في العام 2014 وفق صندوق النقد الدولي من قد بلغ نسبة 3،3%في العام 2015. ومن المتوقع ان يسجّل نسبة 2،8% في العام 2016.

هل فعلاً لم تتأثر قيمة هذه الاموال الوافدة الى لبنان من المغتربين رغم كل هذه الظروف المستجدة ولاسيما منها تراجع اسعار برميل النفط وبعض التوترات السياسية؟

وزني

الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور غازي وزني قال "للاقتصاد" ان تحويلات المغتربين الى الداخل لن تشهد اي تراجع ملموس قبل نهاية العام 2016 وفي العام 2017. وهذا بالطبع سيكون من تداعيات تراجع المداخيل النفطية في بلدان مجلس تعاون الخليج وافريقيا ، وبالتالي انعكاس ذلك على القطاعات الخاصة.

في الفصل الاول لم نلمس ذلك الانخفاض لان الدول مصدر هذه التحويلات استطاعت تغطية عجوزاتها بالانفاق عن طريق الاستدانة من الاسواق العالمية والاحتياطات التي تملكها فيها.وهي سياسة حصر انفاق بالمقارنة مع السابق. والجدير ذكره ان مداخيل القطاع الخاص في هذه الدول تعتمد على مداخيل الدولة.

وقدّر وزني تراجع هذه التحويلات بنسبة  تناهز  10% ولو بشكل غير رسمي .

ولفت الى انعكاس ذلك في لبنان على:

- القطاع المصرفي المرتبط وضعه بالاموال الوافدة والودائع . وهي عنصر هام في زيادة الحسابات المصرفية.

- المستوى المعيشي  للعائلات والافراد الذين يعتمدون في انفاقهم على هذه الاموال . وهذا يرتد سلباً على الحركة الاقتصادية.

- قطاع الاستثمارات وخصوصا ً العقارات حيث يستأثر هذا القطاع الاخيربجذب القسم الكبير من المصادر المالية الوافدة نظراّ للمردود المحقق.

ولفت وزني الى ان تراجع التحويلات مرتبط بشكل اساسي باستمرار تراجع سعر برميل النفط الى اكثر من 50دولاراً. اما اذا استقر السعرعلى  ما بين 50 و60دولاراً فان الانخفاض في التحويلات  لن يكون اكثر من 10%.

واستبعد احتمال تراجع اسعار النفط الى مادون ال 30دولارا للبرميل .كما حصل في السابق.

باب للنمو

وعما اذا كان هناك من باب آخر يدعم النمو في لبنان قال وزني : من الصعب في ظل الانكماش الاقتصادي الحالي، والسياحة المهتزة والقلقة ، وحركة التجارة المرتبطة بعدة عوامل ايجاد باب آخر غير تلك التحويلات كعنصر رئيسي للنمو .

الاجراءت والعقوبات الجديدة

وعن انعكاس الالتزام بمعايير الصناعة المصرفية العالمية بما فيها العقوبات على حجم تدفق التحويلات الى الداخل يقول وزني : بالمبدأ العام لن تؤثر كثيراً هذه العقوبات والتدابير لان المصارف العالمية تتعامل باكثر صرامة وشدة عما هو مطبق في لبنان مع اي حساب .

والشروط المصرفية تطبّق بشكل متواضع في لبنان، فيما انه قبل فتح اي حساب مصرفي جديد في اوروبا  ثمة سلسلة تدابير تعجيزية . وفي المقابل المصارف اللبنانية تلتزم بالقوانين المعمول بها مع الرقابة المشددة واللازمة.

هذا الى جانب كون الفوائد التي يوّفرها القطاع المصرفي اللبناني على الودائع هي مرتفعة بين 4و5% فيما ان هذه الحوافز غير موجودة في المصارف العالمية.

على امل ان لا تصطدم هذه الاموال الوافدة الى لبنان باي عراقيل، وان يبقى القطاع المصرفي البيئة الحاضنة للاموال الوافدة والتحويلات من الخارج ،  لا بد من الاشارة الى ان  تقرير البنك الدولي  قدّر حجم تحويلات المغتربين إلى لبنان بـما بين 7.2  و7.5 مليارات دولار في العام 2015 ليحلّ بذلك في المركز الثاني إقليميّاً من حيث حجم التحويلات الوافدة، مسبوقاً من مصر (19.7 مليار دولار) ومتفوّقاً على المغرب (6.4 مليارات دولار) والأردن (3.8 مليارات دولار) على سبيل المثال لا الحصر.

وقد تبوّأ لبنان أيضاً المركز الثاني على صعيد المنطقة من حيث نسبة تحويلات المغتربين من الناتج المحلّي الإجمالي للعام 2014، والتي بلغت 16.20%، مسبوقاً من فلسطين (17.10%) ومتفوّقاً على كلٍّ من الأردن (10.40%) واليمن (9.30) ومصر (6.80%) وسائر  بلدان المنطقة.