في خضم الفوضى المستبدة بكل المرافق العامة مقابل استمرار المحاصصة ووصولها الى ذروتها تتوقف اوساط مراقبة عما يدور داخل مؤسسة ​كهرباء لبنان​ العاجزة عن الخروج من الفلك السياسي الفاسد رغم  قضائه على ابرز اقسامها الادارية والمالية والانتاجية والتقنية.

فالمحسوبيات السياسية  والطائفية  التي ادخلت  الى كادر المؤسسة فئات جديدة  ابعدت شريحة ذات كفاءة رغم الشغور الكبير في الفروع طبقاً لمقولة " هؤلاء ابناء ست وهؤلاء ابناء جارية".

وآخر المعلومات الواردة تشكيلات اجرتها الادارة على مستوى المدراء العامين، تحت ستار: "بناء لدواعي العمل تتخذ التدابير التالية" لم تتم فيها مراعاة الفئات والرتب والاقدمية مما يجعل منها معرّقلاً اساسياً  لتسيير هذا المرفق الخدماتي وتأمين ديمومة العمل في المديريات والمصالح والدوائر.

وعلم انه من ضمن سلة التعيينات التي انجزتها الادارة العامة : تعيين احد مدراء معامل  الانتاج في مديرية توزيع بيروت وجبل لبنان رغم جهله بأمور التوزيع الذي يتطلب خبرة معيّنة بالشبكة المعقدة ؛ من الانتاج الى التوزيع نقلة هيستيرية وليست نوعية .

وابعد من ذلك، تعيين رئيس دائرة مديراً على رئيسه. وايضاً  اعطاء منصب مدير لموظف سيحال الى التقاعد لبلوغه السن القانونية بعد زهاء الشهر. وفي موازاة ذلك،  يتم استبعاد المدراء الفاعلين عن المراكز الاساسية والحّساسة.

ولايغيب عن بال المراقبين التأخير الحاصل في تسيير وانجاز المعاملات الادارية مع تراكم اكثر من 15الف  معاملة لدى احدى شركات مقدمي الخدمات ، الى جانب حوالي 4آلاف طلب غير منجز في "الكيل " . ولاتسلم ايضاً عملية جباية الفواتير من هذا التأخير مما سيحتّم دون شك الاستسلام في نهاية المطاف الى الاحتساب عاى قاعدة الشطر الأعلى للاستهلاك ، مما يعني تضخيم فواتير المستهلكين. وكل ذلك مع غياب شبه كامل للشركة المشرفة على اعمال شركات مقدمي الخدمات وغيبوبة مستمرة للمؤسسة.

وفي سياق التململ الحاصل داخل المؤسسة من اداء شركات مقدمي الخدمات التي جرى التمديد لها حتى 29 آب المقبل بحكم الامر الواقع ، وبحجة ان الاعتصامات والاضرابات التي نفذها عمال ومستخدمو المؤسسة قد انعكست تأخيرا على ما يمكن ان تنجزه من اشغال وخدمات ، وجه المراقب العام بالانابة المهندس عامر الطفيلي كتاباً الى كافة المديريات والوحدات في المؤسسة تتضمن بعض المقترحات.

وقد طلب فيه الاطلاع واخذ العلم بشأن الخلل الحاصل واللامبالاة من قبل المعنيين في شركة  NEU (وهي احدى الشركات الثلاث) لاسيما لجهة الطريقة التي تم بموجبها صرف الشيك المنظم لأمر مؤسسة كهرباء لبنان دون اسناده الى اي فاتورة او الى اي معاملة او ما شابه ذلك من المهام المنوطة بالشركة المذكورة ، الامر الذي كان بامكانه ان يرتب على المؤسسة وعلى شركة NEU مسؤوليات واشكاليات كبيرة فيما لو تم الادعاء من قبل شركة سولاركو.

كما طلب بوضع ضوابط واتخاذ الاجراءات اللازمة بحق شركة NEU من خلال التنسيق مع المديريات المعنية سيما وان مشروع مقدمي خدمات التوزيع قد شارف على نهايته.

وابعد من ذلك، فان مختلف المديريات في المؤسسة اصبحت على اقتناع بوجوب التحضير لاستعادة  ما عهد الى شركات مقدمي الخدمات خصوصاً وانها لم تثبت انها كانت على مستوى المسؤوليات التي اعطت لها.

ومن المعلوم ان نهاية العقد المبرم  بين هذه  الشركات ومؤسسة كهرباء لبنان، ومدته اربع سنوات بقيمة 785 مليوناً و462 ألفاً و727 دولاراً، لإدارة شبكات التوزيع وصيانتها والجباية كانت في آذار قبل ان يتم التمديد له الى نهاية آب.

ونقل ان المؤسسة أوكلت أمر دراسة الملف الى الاستشاري فايز الحاج شاهين، لإبداء الرأي لما بعد آب.

بعض المراقبين يعزواسباب اخفاق  شركات مقدمي الخدمات في انجاز المطلوب منها، رغم محاولاتها الحثيثة لانجاح المشروع الى الشركة الاستشارية المشرفة NEEDS التي وضعت دفتر الشروط واستدرجت المناقصات، وأتت بالشركات التي تنفذ المشروع.

ويعتبر ان وضع مقدمي الخدمات كان سيكون أفضل بنسبة 50 في المئة دون الشركة الاستشارية التي تم التعاقد معها بمبلغ يصل الى 10 ملايين دولار.

ولكن السؤال الاساسي يبقى ما هو دور مؤسسة كهرباء لبنان؟

يلحظ بعض الارقام المدوّنة أن قطاع الكهرباء كلّف الدولة أكثر من 32 مليار دولار وهو يستنزف الخزينة بحدود ملياري دولار أميركي سنويا ما يساوي 28% من واردات الدولة.وهذا الواقع هو المصدر الرئيسي لخسائر القطاع الصناعي التي  قدَّرها البنك الدولي بـ400 مليون دولار،سيما وان  تقنين الكهرباء  يمثّل عائقاً يواجه النمو الاقتصادي وأحد أسباب الضعف السياحي الذي يحرم الخزينة اللبنانية بأكثر من 340 مليون دولار. كما أن تقنين الكهرباء يزيد العجز في ميزانية المواطنين الذين يضطرون إلى دفع فاتورتي كهرباء بكلفة باهظة.هذا الى جانب الضغط الحاصل على  المؤسسات التجارية والتي بعضها في طريق الإفلاس أو الإقفال في ظل تراجع الحركة التجارية والقدرة الشرائية لدى المواطنين الذين يعانونمن الظروف الحياتية واليومية الصعبة. ولا يغيب عن البال ان ثمة  ما يناهز  750 ميغاواط تنتج من المولدات الخاصة في لبنان وهذه فاتورة إضافية على المواطنين وخسارة لخزينة الدولة.

ينتج لبنان حوالي 72% من حاجتهورغم هذا التدني  استناداً الى المقاييس العالمية للتنمية، فان  مؤسسة كهرباء لبنان تخسر  45% من هذه الطاقة المُنتجة عن طريق الهدر. ولبنان الاول بين الدول العربية في هذه الناحية ، يليه اليمن بنسبة هدر 28,3%، بينما لا يتعدى الهدر في المملكة العربية السعودية ال16%، رغم المسافات الطويلة لخطوط النقل الهوائية فيها والتي تعتبر المُسبب الرئيسي للهدر الفني للطاقة. ولكن لبنان لا يعاني من الهدر الفني للطاقة التي تقدر ب 15% فقط، بل من الهدر الناتج عن سرقة 25% من الطاقة المُنتجة، وعدم تحصيل 5% من الفواتير الصادرة، برغم تلزيم  او خصخصة  الصيانة والجباية التي قامت بها مؤسسة كهرباء لبنان للشركات الخاصة الثلاثبدءا من العام 2010.

اهداف العقد

والجدير ذكره ان  عقد كهرباء لبنان معشركات مقدمي الخدمات  يهدف الى التالي:

- تحسين الجباية وخفض الهدر الفني وغير الفني (السرقة) الحاصل والبالغ 30-40 في المئة، والذي يشكل مصدراً أساسياً للنزيف المادي، وتراكم الديون في القطاع، مقارنة مع المعدل العالمي، والذي هو بحدود 12 في المئة.

- زيادة إيرادات المؤسسة بمعدل سنوي يصل الى 300 مليون دولار، إضافة الى زيادة في الأصول تزيدقيمتها عن 380 مليون دولار في نهاية المشروع.

- المساواة بين اللبنانيين والمناطق في الجباية ومنع التعدّي من خلال النظام الذكي.

- تأمين المرونة في أنظمة الدفع والتعريفات الليلية المخفضة، مما يوفر كثيراً في المصاريف الإستثمارية لإنتاج ونقل الكهرباء وكلفتها على المواطن اللبناني.

- التحكم بالشبكة ومراقبتها وإمكان الحدّ من الاستعمال الكهربائي، وترشيد إستهلاك الطاقة تأميناً لتغذية أكبر للمناطق خاصةً في أوقات الذروة.

- إصلاح قطاع التوزيع ورفع قيمته المادية وأصوله الجديدة مع تأهيل وصيانة الأصول القائمة.

- تطوير شبكات التوزيع وتوسعة قدراتها بما يتناسب وزيادة الطلب على أسس علمية وهندسية.

- إستعمال أساليب متطورة في إدارة الصيانة والتعامل مع الحالات الطارئة وسرعة إعادة التغذية.

- تحديد مواقع الأعطال واستنتاج أسبابها واقتراح الحلول المناسبة استنادا» إلى مكالمات الزبائن الواردة على الخط الساخن لخدمة الزبائن.

- تحديث التعامل مع خدمات الزبائن وحاجات المواطنين وفق معايير الجودة المعتمدة عالمياً عبر مكننة معاملات الزبائن، مثل معاملات التغذية والاشتراكات.

- إصلاح أوضاع العاملين والمساهمة في إيجاد الحلول العادلة لعمال غب الطلب والجباية وفقاً لعقود عمل خاضعة لقانون العمل اللبناني تلبي تطلعاتهم المستقبلية.

في الخلاصة، تقصير وتململ وهدر و... الى متى سينسجب هذا الواقع ولماذا تستبعد الحلول عن هذا القطاع الحيوي ؟ ومن هي الجهة المسؤولة فعلياً عن هذا التردي المتفاقم؟