"سد جنة"... ملف جديد يختلف عليه اللبنانيون بين مؤيد ومعارض، ولعله اليوم من أكثر المشاريع التي تُطرح علامات الاستفهام حولها، خاصة مع صدور تقارير ودراسات متباينة حول التأثيرات البيئية للسد من جهة، والفوائد الناتجة عن تنفيذه من جهة أخرى.

فهل أن ايجابيات انشاء هذا السد تطغى على سلبياته أم العكس؟ وما هي الأضرار البيئية التي قد تنتج عنه؟ وما خلفية الاعتراضات الحاصلة حوله؟

بعيدا عن الحسابات السياسية والتجاذبات الطائفية والحزبية، كان لـ"الاقتصاد" حديث خاص مع الخبير البيئي ورئيس "الحركة البيئية اللبنانية"، ​بول أبي راشد​، أشار خلاله الى أنه في الماضي، كان الخبراء يشيدون بالطاقة الكهربائية الآتية من السدود، كونها طاقة نظيفة، في حين أن اليوم برهنت كل الدراسات أنها غير بيئية، لأنها تدمر المساحات الخضراء، وتوقف الترسبات التي تصل الى البحر لتغذي السمك وتبني الشواطئ؛ كما حدث في السد العالي في مصر، وكما يحصل في كل السدود في العالم.

وأضاف أن الانسان استفاق اليوم على هذا الخطأ، لكننا في المقابل نتجه اليه، وهنا لا بد من القول "ما متت ما شفت مين مات". لافتا الى أن ايجابيات السد هي أقل بكثير من سلبياته، لأنه مكلف، وغير مجد، وخطر، ومؤذ ومدمر للبيئة. اذ أن هذا السد خطير للغاية، وأرضه غير مستقرة، وسوف يؤدي الى تسرب في المياه، وسيقع، لأن الصخور الموجودة على الجوانب ليست قاسية وبالتالي ستتكسر بسهولة. كما أنه اذا تم جمع المياه، أو في حال حصول هزة أرضية، سيقع السد وسيدمر كل القرى الموجودة تحته. بالاضافة الى أن ضغط المياه على فالقين يمران تحته، سيؤدي حتما الى احداث زلزال. وأيضا من سلبيات بناء السد، أنه سيؤدي الى تجفيف الينابيع الموجودة تحته، وخاصة هناك احتمال كبير بأن يتأثر نبع جعيتا من حيث كميات المياه الوجودة فيه.

ولفت الى أن موقع سد جنة يحتوي على درجة عالية من التكسرات والانزلاقات والالتواءات الصخرية الحادة الناتجة عن نشاط بركاني في نهاية عصر الجوراسيك، أدى الى صعود الصهارة البازالتية عبر الشقوق والتفسخات.

وقال "شددنا على هذه المعلومات في دراسة قام بها البروفيسور ويلسون رزق للحركة البيئية منذ سنتين، وبالتالي فإن هذا الكلام ليس بجديد. لذلك اتجهنا الى القضاء، وقدمنا شكوى بحق وزارة الطاقة في مجلس شورى الدولة، لأننا حصلنا على تقارير تؤكد أن هناك خطرا على السلامة العامة.

كما أوضح أبي راشد أن لجنة البيئة في التيار الوطني الحر غير موافقة على هذا السد، لكن هناك مصالح لمجموعة معينة، مثل مستشار وزير الطاقة الحالي ، والذي كان يشغل منصب مدير الشركة المتعهدة بناء السد؛ وبالتالي فإن الدافع وراء بناء سد جنة استثماري وليس بيئي وطني.

وأضاف "هناك أشخاص يدافعون عن السد، كانوا قد اشتروا الأراضي الموجودة من حوله بأسعار مخفضة جدا، والآن يسعون الى بيعها للعرب بأسعار خيالية".

ولفت الى أن الأعمال مستمرة، لكن يجب سجن الفاعلين، لأنه على الرغم من كل القرارات الصادرة حول ايقاف الأعمال، والتي تبرهن أن السد غير مفيد، عمدوا الى تدمير الوادي لكي يضعونا أمام الأمر الواقع، وهذا الأمر يجب أن يؤدي حتما الى السجن.

من ناحية أخرى، أشار أبي راشد الى أن البدائل كثيرة، خاصة مع تخصيص مبلغ مليار دولار لبناء السد، مضيفا "نحن لا نرفض السدود بشكل عام، بل نرفض السدود العشوائية، اذ من الممكن بناء سد مثلا على نهر العاصي، وذلك بعد دراسة طبيعة الأرض، وبالتالي هناك بعض الأماكن المحددة والتي تسمح بنيتها أن يتم بناء سدود فيها، ولكن منطقة جبل لبنان، وبسري، وبقعاتا، وجنة غير مؤاتية لبناء السدود، بسبب طبيعة الأرض الكارستية.

كما شدد "نحن لسنا ضد التيار الوطني الحر، وأنا شخصيا أؤيد هذا التيار، لذلك ما نقوم به اليوم في ما يختص بسد جنة لا يتعلق بالمناكفات، بل نحن نمثل حركة بيئية تتضمن أشخاص من مختلف الطوائف والمناطق، وبالتالي ندافع عن بيئة لبنان التي لا تعوض. وبالتالي فإن قضية سد جنة ليست سياسية طائفية، بل تقنية بيئية. فتخيلوا أن يتم بناء سد في وادي قاديشا مثلا، بسبب حاجة بعض المدن الى المياه، الأمر الذي سيؤدي الى تدمير الوادي والمغاور الموجودة فيه، في حين أن الأراضي لا تخزن المياه، مما يعني أنه لا توجد أي جدوى منه".

وختم قائلا "تكمن ثروة لبنان الحقيقية في المياه الجوفية التي تقدر بثلاثة أضعاف المياه السطحية، اذ لدينا مليار متر مكعب من المياه السطحية، وفي المقابل 3 مليار متر مكعب من المياه الجوفية المتجددة سنويا".