قبل بضع سنوات ، بدا أن كل الأعمال التجارية تروج للاتجاه نحو الخيارات "الخضراء"، وتسوق استخداماتها للطاقة المتجددة، ولعمليات التصنيع غير الملوِثة، ومعززين مدى استرشادهم في استخدام الطاقة. ولازالت بعض الشركات تفعل ذلك، لكن لم نعد نرى ذاك القدر من التسويق لاتجاه الشركات نحو الخيارات الخضراء كما في السابق. وقد فتح هذا الباب أمام للتساؤل عما إذا كان الأمر كله مجرد بدعة وقد انقضى وقتها.

بالطبع لا. فاذا أمعنا النظر سنرى أن الشركات الكبرى لا تزال تصب تركيزها على التوجهات الخضراء. اذ تتفاخر مطاعم مثل "شبوتل" و"ستاربكس" على استخدام سلع مستدامة ومكونات عضوية، في حين أن أكثر الشركات قيمة في العالم، نقصد "أبل"، خصصت ما يقرب مليار دولار  للطاقة الشمسية.  ولا ننسى كذلك "ايلون موسك" بأي شيء تقوم لانتاجه تقريباً، سواء كان ذلك الطاقة الشمسية، أو السيارات الكهربائية، أو بطاريات التخزين.واذا ما أردت الحديث بتفاخر حول التوجهات الخضراء، فقد يبدو الامر تافهاً أو غير مجد، إذا لم تلقي الضوء على سيرة هذه الشركات البارزة. وفي نهاية المطاف، فقد تبنت مثل هذه الشركات العديد من الممارسات الصديقة للبيئة لأسباب عديدة.

1- توفر المال على المدى الطويل

إصلاح الممارسات التقليدية، التي تعد صديقة أقل للبيئة، تكلف بعض المال في البداية. لا أحد ينكر ذلك. لكن على المدى الطويل، يمكن أن يكون حجم الاموال الموفرة هائلاً. على سبيل المثال، أضواء LED لا تزال تكلف أكثر من المصابيح المتوهجة (incandescent bulbs). اذ أن أضواء LED تستمرفي ​العمل​ لفترة أطول 40 مرة مستهلكةً 10% من الطاقة فحسب. عندما تفكر في التوفير في فاتورة الطاقة الخاصة بك وفي عدد الأضواء الأقل التي ستستبدلها، فان أضواء LED ستكون بلا شك للخيار الأقل كلفة على مدى عدة سنوات.

الأمر نفسه ينطبق على استخدام الطاقة المتجددة، فالمصادر البديلة مثل طاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية تعد غالية الثمن في الوقت الحالي، لكنها تتجه لتصبح أقل كلفة مع تقدم التكنولوجيا. فيما انخفضت أسعار الوقود الأحفوري (خاصة النفط) على مدى الأشهر القليلة الماضية، ولكن من المتوقع أن ترتفع أسعارها على المدى الطويل. وبات سعر الطاقة الشمسية اليوم قادر على المنافسة مع الوقود الأحفوري، وستصبح الطاقة الشمسية أقل كلفة من الفحم في السنوات القادمة. والالتزام بالطاقة المتجددة اليوم سيساعد على تقليل الفاتورة غدا.

2- المستهلكون يتعرفون على الشركات ذات السياسات "الخضراء"

من الآثار الجانبية لارتفاع عدد الشركات، التي تعمل على تعزيز السياسات "الخضراء"، قبل بضع سنوات، كانت أن المستهلكين أحيانا يشككون في صحة هذه السياسات. ما يفسر جزئيا لماذا هناك تسويق أقل بما يخص الجهود البيئية في هذه الأيام. هي ببساطة لم تعد فعالة. بدلا من ذلك، تعلم المستهلكون إلى حد ما كيفية تقييم مدى صحة الجهود "الخضراء" لدى شركة ما، من تلقاء انفسهم.

نحن نعيش في عصر المعلومات، بحيث يمكن للمستهلكين اللجوء الى الانترنت والتعرف على كيفية استخدام الطاقة، والانبعاثات الناتجة من كل شركة بسهولة نوعاً ما. فالاستطلاعات تظهر باستمرار أن أكثر من نصف المستهلكين يفضلون الشراء من الشركات الصديقة للبيئة. وتشير شفافية العالم الحديث، الى وجود حافز قوي لدى الشركات للذهاب حقاً للخيارات الخضراء، لا أن يبدو عليها ذلك فحسب.

3- اللجوء الى السياسات "الخضراء" يحفز الابتكار

على كل شركة أن تحارب الركود من وقت لآخر. من السهل الوقوع في تكرار الاعمال نفسها دون أن نسأل  ما إذا كان بقاء سير العمل كما هو عليه هو الحل الأكثر فعالية أو كفاءة لركود. واحدى احدى الفوائد التي يستهان بها للجوء الى السياسات "الخضراء"  هو أنه يجبرك على تقييم كل جانب من جوانب عملك وتحديد وسائل جديدة أكثر كفاءة الإنتاج. ويمكن أن يتحول الامر الى ادمان على ايجاد ابتكارات لتوفير الأموال.

واللجوء الى السياسات "الخضراء"  لا يعني فقط استخدام الطاقة المتجددة أو المصابيح الكهربائية الأكثر كفاءة، اذ  يمكن للشركات خفض استهلاك الطاقة والانبعاثات بشكل كبير من خلال أمور بسيطة مثل تحسين طرق التسليم، وتبسيط عملية التصنيع، واستخدام أقل لمواد التعبئة والتغليف. والمراجعة الكاملة لاستهلاك الطاقة وللانبعاثات يمكن أن تكشف عن هذه الفرص لخفض التكاليف والعمل بكفاءة أكبر.

4- مساعدة البيئة

هذه النقطة واضحة، ولكن يجدر التذكير أنه وراء الأسباب الاقتصادية الحصيفة للجوء الى السياسات "الخضراء"، هناك سبب أكثر أهمية وهو الحفاظ على الأرض على المدى الطويل، وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى للتقليل من تأثير تغير المناخ العالمي (97 % من العلماء تؤكد أنها من صنع الإنسان)، في حين أن تقليص استخدام الورق وغيرها من المواد في التعبئة والتغليف يمكن أن تساعد في حماية موارد طبيعية هامة.

وهذه ليست سوى بعض من الأسباب الرئيسية التي تجعل الكثير من الشركات تتبنى مفهوم السياسات "الخضراء". وهي ليست جيدة فقط للجيب؛ انما أيضاً للأرض. وهو ما قد يجعل المساهمين سعداء وراضين لضمائرهم.