بودي ديب هو مصمم أزياء لبناني، تربى على أسس الخياطة، وتوسع فضوله واهتمامه في عالم التصميم مع مرور الأيام. فدفعه شغفه في هذا المجال إلى اتباع خطى والده وجده.

بعد أن حصل على شهادة الماجستير في الاقتصاد عام 2000، سافر إلى عاصمة الموضة ميلانو، وتخصص في معهد "Istituto Secoli"، حيث ظهرت موهبته الفريدة. وبعد عودته الى لبنان، ساهم في تحسين مشغل والده، وأعطى بعدا جديدا للخياطة. أما في العام 2010، فأطلق علامته التجارية الخاصة "Boudi Dib Su Misura"، وافتتح مشغلا في منطقة انطلياس، وبدأ بتصميم وتنفيذ البدلات الرسمية، مع ترك توقيعه المميز والراقي في كل قطعة.

كان لـ"الاقتصاد" مقابلة خاصة مع ديب، للحديث عن مسيرته المهنية، وبداياته الصعبة، بالاضافة الى الصفات التي ساهمت في نجاحه.

- أين كانت البداية ومتى؟

بعد أن أنهيت مرحلة المدرسة الثانوية، تخصصت في الهندسة الميكانيكية في "الجامعة الأميركية في بيروت"، "AUB"، ومن ثم حصلت على اجازة في علم النفس من "الجامعة اللبنانية الأميركية"، "LAU". كما تخصصت بعدها في الاقتصاد، ونلت ماجستير في هذا المجال.

وفي ذلك الوقت لم أكن قد تعلمت مبادئ الخياطة، ولم أفكر حتى في هذه المهنة، لكن بعد فترة أقنعني والدي بمساعدته، لذلك توجهت الى ميلانو لتعلم تصميم الأزياء، وعدت بعدها الى لبنان.

لم أحب هذه المهنة في البداية، وكنت أتهرب منها دوما، لكن عندما تعلمت في ايطاليا شعرت أنني أتمتع بطاقة كبيرة، وبالتالي افتتحت مشغلا لتصميم وتنفيذ الأزياء الراقية (haute couture) في منطقة انطلياس.

ولا بد من الاشارة الى أن الناس يعلمون أن والدي يعمل في مجال الخياطة، وبالتالي يعتقدون أنه أورثني هذه المهنة، لكنني في الواقع لم أرث منه سوى حبي للمهنة.

- كيف انطلقت في عالم تصميم الأزياء؟

عندما قررت خوض هذه المغامرة، كنت أمتلك مبلغ 1000 دولار فقط، وكان والدي يدير معمل الخياطة الخاص به، لذلك كنت أساعده مجانا، أي دون الحصول على أي مدخول منه، بسبب سوء الأوضاع.

وكان بعض الأصدقاء يطلبون مني خياطة بدلات لهم، وبسبب عملي في المعمل، كنت أًنصع مجانا وأقبض منهم. لكنني شعرت بعد فترة أنني لا أستطيع الاستمرار على هذا النحو، لذلك استأجرت متجرا في شارع مونو في بيروت عام 2010، وقمت ببيع سيارتي، واستدنت مبلغا من المال لدفع بدل الايجار. وبعد الافتتاح بدأ الزبائن بالتوافد، وكنت أخيط البدلات مجانا في مشغل والدي وأبيع القطع في المتجر، حتى تمكنت من تجميع بعض الأموال، واستئجار مشغلي الحالي في انطلياس، وتأسيس علامتي التجارية الخاصة "Boudi Dib Su Misura".

- كيف تمكنت من فرض اسمك في عالم تصميم البدلات الرسمية الراقية في لبنان؟

بالتواضع والكرم، فلوم لم أتمتع بهاتين الصفتين، لكنت لا أزال الى حد اليوم أرواح مكاني. كما يجب أن يكون الانسان صادقا مع زبائنه لكي يثقوا به ويستمروا في زيارته.

- هل كان والدك الداعم الأساسي في مسيرتك المهنية؟

والدي غير رأيي، ولو لم يفعل ذلك لكنت اليوم مهندسا أو طبيبا مثلا.

- ما هي برأيك مقومات النجاح؟

يجب أن يحب الانسان المهنة التي يمارسها، مهما كان نوعها، ولا يقوم بها بالاكراه أو بالوراثة. ولكن اذا ورث مهنة ما، وكان شغوفا بها، سيحصل بذلك على رصيد اضافي يساعده على الانطلاق.

انما اذا مارس الانسان مهنة لا يحبها، لن يعيش بسلام، حتى ولو كانت تدر عليه بأرباح كبيرة.

- ما هي الصفات التي ساهمت في تقدمك ونجاحك في مجال تصميم البدلات الرسمية؟

في مجال الخياطة، على الانسان أن يبقى متواضعا، لأنه سيتعامل مع النواب، والوزراء، والممثلين، والفنانين لذلك قد يشعر أحيانا ببعض الغرور. ويجب أن يقتنع أن هناك أشخاص أهم وأقوى منه، مهما كان قويا في المهنة.

كما عليه أن يتحلى بالكرم، لأن هذا المجال يتطلب أن يكون الشخص مشهورا ومعروفا، والشهرة مكلفة، ولا أحد سيصبح معروفا مجانا. وبالتالي فإن صفة الكرم ستتيح للشخص معرفة المكان الصحيح لتوظيف مهنته وخبرته.

وفي النهاية لا بد من القول أن طريق النجاح طويل، لذلك لا بد من المثابرة للوصول الى أبعد الحدود.

- ما هي الصعوبات التي تواجهك خلال العمل في هذا المجال في لبنان؟

غالبية الرجال في لبنان لا يعرفون كيفية ارتداء الملابس ولا يتمتعون بثقافة الأزياء، وبالتالي يعاملون البدلة الرسمية مثل الملابس الرياضية. لذلك أعمل دوما على تنمية هذه الثقافة بطريقة تخصصية، ولكن بأسعار معقولة؛ اذ يجب أن تكون البدلة ممتازة لأنها واجهة الانسان؛ فجسمه وملابسه يشكلان الواجهة لذوقه وروحه.

وبالتالي يجب أن يعرف ماذا يلبس، ففي أكثرية الأوقات نستورد الموضة من الخارج، ولا نفكر بما يليق بنا، في حين أن الخياطة تتيح للانسان أن يرتدي القصات التي تناسبه... فعندما نتكلم عن الخياطة، يفكر الناس أن الخياط سيكون مسنا، وخدماته مرتفعة الثمن؛ لكنني في المقابل خياط شاب وأسعاري في متناول الجميع.

- كيف تواجه المنافسة الكبيرة الموجودة في هذا المجال؟

كلما زادت المنافسة كلما عمل الانسان أكثر على تحدي نفسه، ومن دون المنافسة سيبقى في مكانه، لأنها تشكل حافزا للتقدم.

- ما هي مشاريعك المستقبلية؟

أطلقت مؤخرا مجموعة من الملابس الجاهزة (prêt a porter) للنساء، وهي عبارة عن بدلات للمرأة العاملة وسيدة الأعمال، التي تحتاج الى ملابس رسمية، ولكن في الوقت نفسه أنيقة، وليست قديمة الطراز.

- ما هي نصيحة بودي ديب الى جيل الشباب؟

أنصح الشباب أن يقتنعوا بعدم وجود أمور جميلة ومريحة في الحياة؛ اذا لا توجد سيارة جميلة ومريحة وسريعة، أو امرأة جميلة ومريحة وذكية، أو بدلة جميلة ومريحة ودائمة. لذلك يجب أن يبحث الانسان دوما عن "الحل الوسط".

كما عليهم أن يقوموا بما يحبونه لو مهما كان، فلا شيء ممتاز في المطلق، وعندما يقدم كل شخص القليل من نفسه، ويعرف ماذا يريد، سوف يحدد متطلباته، ويعيش سعيدا.