غالباً ما كان المطلب الأساسي لدى الصناعيين أن يتم وضع سياسة صناعية قادرة على تقليص العوائق المتعلقة بتأمين الأسواق والمواد الخام إلى جانب حل بعض المشاكل الهيكلية المتصلة بتكاليف الإنتاج والتمويل.

ويعود غياب السياسة الصناعية في ​لبنان​ في فترة ما قبل إندلاع الحرب في لبنان عام 1975 وبشكل أساسي الى عدم وجود نموذج  صناعي  تطويري  قادر على إقناع صانعي القرار في لبنان. لذا كان التصنيع بمفهومه المترافق مع الإستثمارات الضخمة في الصناعات الثقيلة التقليدية، ذات هامش الربح الضئيل والبعيد المدى، غائباً عن دائرة الخيارات المطروحة. كما إن مفهوم إنشاء صناعات بديلة تهدف للإستغناء عن الإستيراد وفقاً للنموذج المتبع لدى الأنظمة الإشتراكية، لم يكن ليحظ بأي ترحيب ضمن إقتصاد يطمح لتصنيف نفسه كمحور تجاري في المنطقة.

في 26كانون الثاني الفائت، وكخطوة اولى من باب الاهتمام بالقطاع  جرى حفل اطلاق الدراسات الاولية للمناطق الصناعية.

وفي 12 نيسان ،أطلقت وزارة ​الصناعة​ المرحلة التنفيذية لوضع الدراسات الأولية لانشاء المناطق الصناعية الجديدة المقرّر انشاؤها في بعلبك وتربل وقوسايا في البقاع الاوسط ، والجليلية في الشوف.

يذكر أن الحكومة الايطالية منحت لبنان عبر مكتب التعاون الايطالي هبة بقيمة 500 الف يورو لتغطية تكلفة هذه الدراسات. وكذلك هناك (سوفت نون) بقيمة 7 ملايين يورو لبدء مشروع البنى التحتية للمناطق الصناعية المقترحة، بناء لقرار صدر بتاريخ 27 كانون الثاني.   وقد أجرت منظمة اليونيدو في مقرّها العام في جنيف مناقصة دولية لتلزيم هذا المشروع شاركت فيها 16 شركة استشارية وهندسية لبنانية واوروبية ودولية، فازت بنتيجتها شركة ماهندرا Mahindra الهندية. وتعهّد ممثلو الشركة بوضع التصوّر النهائي لاكلاف البنى التحتية والحاجات الضرورية لاقامة المناطق الصناعية الثلاث خلال ستة أشهر وتسليم الدراسات في تشرين الاول المقبل.

المناطق الصناعية هي حديثة قديمة،كما يقول وزير الصناعة حسين الحاج حسن.لقد كبرت منذ توسع النشاط الصناعي في لبنان منتصف القرن الماضي، فالمناطق الصناعية القائمة حاليا متناثرة ومبعثرة على مساحة الوطن، وهي عبارة عن أراض وملكيات خاصة مصنفة غالبا، محصورة بمالكيها حكما، مما يعني أن إنشاءها لا يخلق فرصا متساوية أمام عموم المستثمرين. كما يجعل الدولة عاجزة عن التحكّم بسعر الأراضي والمساحات الصناعية فيها، مما دفع بالدولة إلى التراخي أو التغاضي أو التهرب من تحمل مسؤولياتها تجاهها لناحية اقامة البنى التحتية وصيانة الطرق والانارة والصرف الصحي وتأمين الخدمات وغيرها من الواجبات.

ما هي مشكلة  انشاء المناطق الصناعية؟

بكداش

نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش قال "للاقتصاد " انه في كل دول العالم تحظى الصناعة باهتمام الدولة بحيث تساهم في انشاء مناطق صناعية على اراض تملكها  مع بنية تحتية مناسبة الى جانب تقديمها حوافز استثمارية مقبولة مما يسمح للصناعيينبشراء المعدات اللازمة وتطوير اعمالهم  بشكل يؤمن للصناعة الوطنية تحقيق المنافسة.

اما في لبنان، فالواقع مختلف تماماً اذ ان معظم المصانع موجود على اراض اسعار الاستثمار فيها مرتفعة ، ويصح القول انه خيار" ابغض الحلال". وابعد من ذلك، فان كل البلديات تخاف من من اعطاء الصناعات المساحات اللازمة لاستخدامها بحجة التلوّث الممكن ان يصدر عن المعامل ،علما ان هذا الاعتقاد هو خاطئ لان المصانع تستبق ذلك.

وسأل بكداش اذا تم انشاء منطقة صناعية في بعلبك  كيف يمكن الوصول اليها ؟ وهل المنطقة آمنة؟ هل ان التسهيلات على صعيد النقل  للمو ظفين وللبضائع مؤمنة؟

ولفت الى وجود 4 اراض مقدمة لانشاء المناطق الصناعية منها : 2 في الجنوب واحدة  في البقاع وواحدة في بعلبك.

يذكر ان وزير الصناعةيعتبر "إن إقامة مناطق صناعية جديدة تحقق تفادي الوقوع في المشاكل الموجودة حاليا في المناطق الصناعية القائمة، والتي يصعب ايجاد الحلول العملية لها في بعض الأحيان. كما تحقق أهدافا ايجابية عدة منها: قدرة وزارة الصناعة على ادارة هذه المناطق وفق القانون، نمو الاقتصاد الوطني، تنظيم القطاع الصناعي، تأمين مساحات جديدة للاستثمار الصناعي بأسعار مخفضة، تأمين مستلزمات الانتاج كالطاقة الكهربائية مثلا بأسعار متدنية مع الاعتماد على الطاقة المتجددة والبديلة - الطاقة الشمسية، تنمية الريف والمناطق النائية وتثبيت اللبنانيين فيها من خلال توفير آلاف فرص العمل".

أما رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين فادي الجميل فيلفت  الى ان الصادرات الصناعية قد تضاعفت ثلاث مرات خلال السنوات العشر الاخيرة رغم الاوضاع غير المؤاتية التي نعيشها، ومن منظار صناعي محض، يلاحظ ان النمو الذي حققته الصناعة خلال هذه السنوات، لم يترافق مع اي تحسين او تطوير في البنى التحتية التي تشهد تراجعا وتآكلا.

ويشدد على أن "إنشاء مدن صناعية في مناطق مناسبة، سيعزز الحضور الاقتصادي لهذه المناطق من خلال توفير فرص عمل لابنائها بالاضافة الى امكانية انشاء معاهد فنية وتقنية تواكب حاجة المصانع ليد عاملة فنية وماهرة وانشاء مرافق سياحية من مطاعم ومتنزهات ومراكز استشفائية ومساكن، فوجود مدينة صناعية يساهم في نهضة عمرانية واقتصادية بموازاته".

وقال: "لأننا نؤمن بإيجابيات هذا المشروع وفوائده المباشرة، نتمنى أن ترافقه تحفيزات مباشرة للصناعات القائمه وإعطاءها الاولوية عند الإستفادة من هذه المناطق، وتوجيه الاستثمارات الجديدة نحو صناعات جديدة، لتفادي إغراق الأسواق المثقلة بفوائض إنتاجية بمزيد من الكميات المستحدثة. وأود ان ألفت الى الدور الاستراتيجي للطاقات الاغترابية في الاستثمار في مثل هذه المشاريع التي تستهويهم وهم المنتشرون في دول الاغتراب".

زيادة الاستثمارات

اما بعد،  فان التوزيع الجغرافي  او خارطة المناطق الصناعية  هو اكثر من حاجة ملحّة الى دور الدولة في تسهيل الاستثمار .كما تتعددالاجراءات الهادفة الى زيادة الاستثمارات في القطاع الصناعي بحسب مصادر مطلعة ومنها:

* تفعيل دور مصارف الاعمال وانشاء صناديق استثمار صناعية

* اعطاء حوافز لتحويل الودائع المالية الى استثمارات في القطاع الصناعي

* انشاء آلية تسمح بضمان الاستثمارات الصناعية الاجنبية في لبنان

* تفعيل سبل مساهمة الاغتراب اللبناني في الاستثمار الصناعي

* زيادة معدل استهلاك المعدات الصناعية لتشجيع الاستثمارات

* رفع سقف القروض الممنوحة من مؤسسة كفالات.