عندما تقرأ عن مسيرته وخبراته المهنية، ستيقن بأن الفشل هو عدوّه اللّدود!

رجل دؤوب، يرى في كل مهمّة تحدًّ عليه أن يكسبه. يضع هدفه نصب أعينه ويخطو خطى واثقة نحو تحقيقه....

عمل في 15 دولة، يفخر بمسيرته المشرِّفة الحافلة التي بدأت من مطبخ الفندق حتى وصلت إلى ما هو عليه اليوم.

نائب الرئيس الإقليمي والمديرالعام في فندق فور سيزونز بيروت هو..رامي السايس.

كان لـ"الإقتصاد" مقابلة خاصة مع السايس، شرح لنا فيها عن خبرته التي اكتسبها حول العالم وصولًا إلى عودته للبنان وتسلّمه منصبه الجديد في بيروت.

-بداية، كيف تختصر مسيرتك الأكاديمية وصولًا إلى حياتك المهنية اليوم؟

بعد أن أنهيت دراستي الثانوية في لبنان، سافرت إلى سويسرا حيث إلتحقت بواحدة من أهم الجامعات الفندقية في العالم"مدرسة ليه روش الدولية للضيافة وإدارة الفنادق" ومنها حصلت على ديبلوم في إدارة الفنادق. بعدها، انتقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث حصلت على شهادتي في إدارة الضيافة وبرنامج المدراء العامين من جامعة "كورنيل إيثاكا"، نيويورك.

وكما هو متعارف عليه أن فترة العمل التدريبي هي جزء أساسي من المنهج الجامعي، وقد أتممت هذا الجزء ما بين ألمانيا وسويسرا،وكان اختياري لألمانيا تحديدًا هدفه اكتساب وتعلم لغة جديدة.

بدأت العمل كمتدرّب في المطبخ ومن ثم كنادل، بعدها استلمت منصب مدقق الحسابات ومنه انتقلت إلى قسم الغرف، صالة الإستقبال، التدبير المنزلي بالإضافة إلى قسم التنظيفات وصولًا إلى الحجوزات.

اختبرت جميع هذه المراحل ما بين فندق أنتركونتيننتال جنيف، فندق نوغا هيلتون جنيف، فندق "أنتركونتيننتال دوسلدورف"-ألمانيا وفندق "كراون بلازا" جنيف.

ففي مجال الفنادق على المرء أن يتدرّج ويبدأ من الصفر ليصل إلى حيث يطمح. والفنادق بالنسبة لي كالدول المصغّرة، لكل منها انقساماتها المعينة، البروتوكولات والقوانين الخاصة بها، لذا لا بدّ على المرء أن يعيش ويعايش جميع هذه المراحل ليصبح مدير فندق ناجح. كما أذكر جيّدًا نصيحة والدي لي في هذا الخصوص:"الفندقية ليست فقط اختصاص وشهادة، بل هي خبرة وتمرّس"، وأنا اليوم وبعد سنوات من الخبرة أؤكد على نصيحته وأهميّتها.

بقيت في سويسرا حوالي 5 أعوام، بعدها انتقلت إلى لندن وعملت في فندق "أنتركونتيننتال" لمدة سنتين حيث شغلت منصب المدير المناوب.

وعن طريق الصدفة انتقلت إلى دبي، إذ كنت في زيارة إلى أستراليا وكان عليّ الهبوط في دبي،لذا اغتنمت الفرصة لزيارة أحد أحدث الفنادق في الإمارة، حينها إلتقيت صدفة بالمدير العام للفندق الذي عرض عليّ فرصة عمل في الفندق، وفي نهاية المطاف لم أتابع زيارتي إلى أستراليا كما كان مقرّرًا. وقد عملت في قسم المبيعات والتسويق الذي شكّل لي إضافة في خبرتي ومسيرتي المهنية.

وبعد 3 أعوام في دبي، سنحت لي الفرصة أن أتجه إلى جزرموريشيوس عملت كمدير للغرف في فندق ومنتجع "لوفيكتوريا".

بعدها أتيحت لي فرصة استلام منصب مساعد المدير العام  في الفندق وكنت آنذاك في الـ26 من عمري، إلّا أنني لم أستطع الإستفادة من هذه الفرصة فقد اضطررت للعودة إلى لندن لاستلام بعض الأوراق الرسمية.

وعند عودتي إلى لندن عملت في مجموعة فنادق "ماندارين أورينتل"، حيث استلمت مهمة إدارة المبيعات والعمليات لحوالي العام والنصف، وهو المنصب والقسم الذي تم تأسيسه خصيصًا لي بناءً على خبرتي في المبيعات والعمليات.

بعدها حصلت على ترقية واستلمت منصب المديرالإقليمي للمبيعات في جميع فنادق "ماندارين أورينتل" حول العالم.

وبعد 3 أعوام ونصف، انتقلت الى البحرين لأكون واحدًا من مدراء فندق "لو رويال مريديان"، وكان المنصب الرفيع الأول الذي أتولّاه وأنا في الـ31 من عمري.

علمًا أنني لا أعتقد بأن المناصب تقاس بالأعمار إنما بالخبرة فقط!

بعدها عُرضَ عليّ العودة إلى بيروت عام 2002 لافتتاح  فندق "موڤنبيك" بيروت وتولّي منصب مدير الفندق. بعد 3 أعوام ونصف وبعد إغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، غادرنا وعدنا الى الكويت، وعملت كمدير عام فندق "موڤنبيك" الكويت.

ومن الكويت إلى الأردن حيث عملت في فندق  "فور سيزونز" لعامين، ثم انتقلت إلى فور سيزونز الرياض كمدير عام لمدة 4 أعوام تخللها تطورات ملحوظة في أداء الفندق.بعدها استلمت مركز نائبا لرئيس الإقليمي من مقرّ بانكوك في تايلاند التي أمضيت فيها حوالي العامين والنصف .

بعدها قررت الإنتقال إلى قطر في العام 2013  وشغرت منصب نائب الرئيس الإقليمي ومديرعام فندق "فور سيزونز " الدوحة، وكان دوري الإشراف على العديد من الفنادق في المنطقة.

وأخيرًا عدت إلى بيروت، وتسلمت الشهر الماضي منصب مديرعام فندق "فور سيزونز "بيروت مع متابعة مهامي في منصب نائب الرئيس الإقليمي حيث أشرف على عدد من فنادق ومنتجعات "فور سيزونز" في الشرق الأوسط. .

-بعد هذه الرحلة الغنية بالخبرات والمناصب يمكننا القول بأن الخبرة كانت الداعم الأساسي في مسيرتك المهنية أم أنك ترجّح أسبابًا أخرى؟

تمّثل الشهادة الجامعية الأساس لأي خطوة سنخوضها في مسيرتنا المهنية، فمثلًا عند بناء برج ما علينا التركيز على الأساسات والجذور، فكلما كانت الجذور أمتن كلما دعمت البنية في صلابتها، هذا لا يعني أن على المرء الإتجاه إلى جامعات معيّنة بل الخبرة هي التي تُغني مسيرته وتدفعه نحو التطوّر.فعوامل النجاح تتجسد بهذين العاملين المترابطين.

في مجال عملنا على وجه الخصوص يلعب التنقّل والسفر الدائم والتعرّف على حضارات ولغات مختلفة دورًا مهمًا في إغناء وإثقال خبرتنا، بالإضافة إلى عملنا مع أشخاص من جنسيات متعددة، فعلى سبيل المثال عملت في الفندق الأخير مع 64 جنسية مختلفة.

-يتميّز الشاب اللبناني على وجه الخصوص بطموحه اللامتناهي الذي قد يتجاوز الواقعيةأحيانًا، فيتطلع الشاب اليوم إلى استلام مناصب إدارية مباشرة بعد تخرجه، ما هو رأيكبهذا المبدأ استنادًا إلى تجربتك الخاصة؟

عندما بدأت العمل في المطبخ أو كنادل في الفندق كان الأمر مضحكًا بالنسبة لبعض الأصدقاء، إلا أنني كنت سعيدًا وفخورًا بما كنت أقوم به وبأنني أعمل جاهدًا لتحقيق هدفي بمفردي.

أقول لشباب اليوم "عليكم المشي قبل البدء بالجري"، إذ لا يمكن تسلّق السُلم واختصار 3 خطوات بهدف الوصول أسرع! خاصة في المسيرة المهنية التي لا يمكن أن تُبنى وتُكتسب إلا بالجهود الفردية.على الفرد أن يستمتع بالرحلة في كل مراحلها.

بالطبع يجب أن لا ننسى دور "الواسطة"، وهنا أود الإشارة إلى أنها ليست موجودة في لبنان فحسب، ولكنني من الأشخاص الذين قرروا تحقيق أهدافهم بقدراتهم وجهودهم الشخصية.

وكنت قد واجهت موقفًا يتعلق بموضوع "الواسطة" عندما عرضَ عليّ والدي أن يؤمِّن لي وظيفة عن طريق معارفه وعلاقاته،إلّا أنني طلبت منه الإنتظار لأختبر إن كانت قدراتي كفيلة بايصالي إلى المهنة بجدارتي وجهودي، وهذا ما حصل فعلًا! ولدي القناعة التامة بأن من يجتهد ويعمل بجدّ سيحقق أهدافه لا محالة.

وإذا ما أمعنا النظر في قطاعنا بشكل خاص نرى أن هدفنا مبني على إسعاد الآخرين، وبالتالي ينعكس هذا الجو الإيجابي على الموظف بحيث يمكنه الاستمتاع بوقته بينما هو يؤدي مهامه الوظيفية.

وفي هذا السياق أنصح الشباب أن ينصبوا كامل اهتمامهم على منصبهم وليس على المناصب الآخرى، هذا لا يعني ألا يطمحوا ويتطلعوا للتقدم، بل أن يعطوا مركزهم حقّه وأكثر،الأمر الذي سيساهم في دعمهم تلقائيًا للوصول إلى المراكز العليا.

وبهدف التقدّم والتطور في مجال العمل على الفرد أن يحظى بدعم فريق العمل بأكمله وليس مديره فقط، وهذا ما يميّز الروّاد والقادة في عملهم.

كثر هم من يرددون عبارة "Team Work" العمل الجماعي، إلا أن قلة فقط تدرك مغزاها الحقيقي، فكلمة "TEAM" باللغة الانكليزية تعني "Together Everyone Achieves More" أي معًا الجميع يحقق أكثر، فالعمل الجماعي هو القدرة على العمل معًا برؤية مشتركة وموحّدة كما يمنحنا القدرة على توجيه الإنجازات الفردية .

-ما هي أبرز العقبات التي واجهت مسيرتك المهنية وكيف واجهتها؟

للأسف، شكّل لي الحصول على وظيفة في الخارج بجواز سفر اللبناني عقبة صغيرة، رغم أن الإعتراف بهذا الأمر يزعجني إلا انه الواقع الذي نعيشه، خاصة في مجال السياحة والفنادق الذي يتطلب في كثير من الأحيان التنقل من بلد إلى آخر. ولكن بالنسبة لمن يرغب بالبقاء في لبنان فهذا أمر جيد، فأنا أعتبرأن بلدي هو وجهة رائعة قادرة على تقديم خدمات بجودة عالية تفوق تلك المُقدمة حاليًا، لذا نشدد على حاجة هذا القطاع  إلى الشباب بشكل خاص للإرتقاء بهذا القطاع إلى المراحل التالية الأكثر تقدمًا.

ومما لا شكّ فيه أن الأوضاع الأمنية والإقليمية هي عوامل خارجة عن إرادة الفرد، لكن لا يمكن لكل الخريجين اليوم أن يهاجروا، فقد يواجهون معوقات عديدة سواء كانت بتعدد اللغات، التعايش مع الحضارات المختلفة، تقبّل طرق العيش والتفكير المتنوعة، علمًا أن هذه الأمور هي أجمل ما قد يكتسبها العامل في مجال السياحة والفنادق وهي التي تغني وتكوّن خبرته. لكن في نهاية المطاف على كل مهاجر العودة إلى وطنه على الأقل لردّ الجميل...

وبالحديث عن الإختلاف، أود أن أشير إلى أن لا أحد يختار فريق عمله أو مديره، فإن لم يكن مديرك قائد فعّال فستتعلم منه النقاط التي عليك تجنبها، وإن كان جيدًا فسيغني رصيدك بخبرات من تجاربه السابقة.

-برأيك ما هي الصفات التي يتميّز بها الرجل الناجح؟

على الإنسان أن يدرك تمامًا ويحدد ما هو مبتغاه وأن يعمل جاهدًا للوصول إليه رغم كل التحديات والصعوبات التي قد تواجهه، بالإضافة إلى تطلعاته المستقبلية الواضحة ودوره الفعّال ضمن فريق العمل الواحد.

فأنا مثلًا وإن كنت المدير العام للفندق لا يمكنني النجاح بمفردي من دون فريق عمل واحد متماسك.

-تتحدث كثيرا عن أهمية الفرد في فريق العمل الواحد، ما هي الأساليب التي تتبعها لتكون مقربًا لهم؟

أولًا التعامل بفوقية مع الموظف هو من أسوء الممارسات التي قد يقوم بها المدير، فأنا شخصيًا بدأت مسيرتي في الفندق كهذا الشاب العامل في المطبخ. وما يميّزنا في فور سيزونزهو أننا نعامل الآخرين كما نحب أن نُعامل.

لا يمكنني اليوم التجريح بموظف ما وأنتظر منه بالمقابل أن يكون مبتسمًا أمام الزبون في العلن. عملنا يعتمد على بناء علاقات متينة مع الموظف، فعندما يكون العامل مرتاحًا بعمله سينعكس هذا الأمر إيجابًا على أداءه وبالتالي سيشعر به الزبون.

موظفو "فور سيزونز" هم الأساس، لذا نعمل دائمًا على توفير أفضل الخدمات لهم.

-ما هي التحديّات التي تنتظرك في منصبك الجديد اليوم؟

يرافق كل منصب أو مركزتحدٍّ جديد، مع العلم أنني تسلّمت هذا المنصب في فنادق وبلاد أخرى ولكن يبقى لكل تجربة رونقها ومميزاتها الخاصة. ففي كل مكان ومركز جديد نتعامل مع أشخاص جدد، ثقافات متنوعة وأصحاب فنادق بتطلعات مختلفة بحسب مشاريعهم.

وكما ذكرت فإن عملنا مبنيّ على الأشخاص: العميل، الموظف ومالك الفندق. من هنا تنطلق سياستي في العمل "أدعم الموظف الذي بدوره سيعتني بالعميل، عندها يشعر العميل بالراحة فيعود ويكرر تجربته لدينا، الأمر الذي سيرضي مالك الفندق وينعكس رضاه إيجابًا على الموظف.. إذًا هي دورة عمل متكاملة، تبدأ من الموظف وتنتهي عنده".

-ما هي تطلعاتك المستقبلية؟

أعمل حاليًا على التعرّف على كافّة موظفي الفندق ودراسة قدراتهم، فمهامي تنقسم إلى شقيّن: الإهتمام بالفندق من جهة والعمل على تطويرطاقات وقدرات كل العاملين فيه من جهة اخرى، فهم قادة الغدّ.

يعمل في الفندق اليوم 250 موظف. عندما كنت في قطر كان عدد الموظفين 752 موظف وحتى الآن مازلت أتذكرهم وبإمكاني تسمية 70 إلى 80% منهم.

-ما هي الرسالة التي تود ايصالها للشباب اللبناني العاملفي هذا القطاع بشكل خاص؟

يتغنى لبنان على مرّ الزمان بكرم الضيافة والإستقبال، وهذا الأمر لن يتغير رغم كل موجات اللااستقرار التي نمر بها، وسيبقى وطننا لبنان الوجهة الأمثل للعديد من المسافرين حول العالم.

ونحن كجزء من هذا القطاع من واجبنا بعد تكوين الخبرة اللازمة، أن نعود إلى وطننا لنعمل ونستلم مناصب تردّ الجميل ليس فقط للمنشأة التي نعمل فيها بل للوجهة اللبنانية ككل.

هدفنا هو أن يكون لبنان الوجهة الأولى والخيار الأول لدى المسافرين.

لقد كنت بعيدًا عن وطني لأعوام عديدة، عملت في 15 دولة وأنا ممتن لكل تجربة خضتها في هذا المجال.. وها أنا اليوم في بيتي الأكبر .. لبنان.