شهدت أسعار الصرف هدوءاً شديداً خلال الأيام وحتى الأسابيع الماضية في ظل تخبط المستثمرين في بحثهم عن الحافز الجديد للسوق. ويبدو أن حكاية تباين السياسة – أي قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع الأسعار بينما تستمر باقي البنوك المركزية الأخرى في وضع الثبات –باتت جزءاً من الماضي بعد الليونة الواضحة التي أبداها الاحتياطي الفيدرالي في اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في شهر اذار.

فمنذ بداية العام، هوت الأصول ذات المخاطر العالية من مرتفع عالٍ ثم عادت وتسلقت نفس ذلك المرتفع بعد الموقف اللين الذي تبناه الاحتياطي. إلا أن الأحداث الدرامية في أسواق العملات كانت أقل بروزاً حيث تم تداول الدولار الأميركي بشكل أضعف بينما سجلت عملات أخرى ذات مخاطرة أعلى حضوراً أقوى بالرغم من تعثر أحدها خلال الأسابيع الأخيرة.

ولربما كان المساهم الأهم في الهدوء الأخير الذي ساد السوق هو الصين، حيث أن سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الرنميمبي الصيني كان ثابتاً خلال الأسابيع الأخيرة بعد أن كادت الصين تفجر الأسواق العالمية مرتان خلال الاثني عشر شهراً الماضية إثر توجهاتها لتحويل نظام صرف العملة لديها وإضعاف عملتها. إلا أن الصين قامت بخفض قيمة عملتها بشكل خفي أمام شركائها غير المتداولين بالدولار الأميركي خلال هذا العام.

إلا أننا لا يجب أن ننخدع بهذا الهدوء – فسوف تأتي الأشهر الستة إلى السبعة القادمة بمحركات جديدة وقوية لأسعار الصرف. ففي 23 حزيران، ستواجه المملكة المتحدة وأوروبا إمتحاناً تاريخياً مع التصويت لانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وهو حدث لن يحرك الأسواق الأوروبية فحسب، بل سيحرك الأسواق العالمية في حال صوتت المملكة المتحدة على الانسحاب. وفي أعقاب مثل هذا القرار بالانسحاب، سيجد اليورو نفسه فجأة في مأزق، كما سيواجه البنك المركزي الأوروبي صعوبة في مواكبة السوق والقوى السياسية حيث سينظر السوق في جدوى مشروع الاتحاد الأوروبي. فإذا صوتت المملكة المتحدة على الانسحاب، فسوف يشهد الجنيه الإسترليني فترة قليلة من الازدهار.

وفي نفس الوقت، يبقى الين الياباني في الجانب القوي من نطاق التداول الأخير مع توقعات بقيام بنك اليابان بالإعلان عن عدم رضاه عن قوة الين في اجتماعه الأسبوع المقبل. فإذا كان بنك اليابان راغباً بحشد زخم فعلي فيما يتعلق بالسياسة، فلن يقحم نفسه في المزيد من تخفيضات الأسعار ولا شراء الأصول، بل سيتوجه نحو فرض سياسات جديدة وجريئة، قد تصل حتى إلى إصدار عملات ورقية جديدة – على الرغم من أنه قد يتم تأجيل ذلك إلى الصيف. إلا أن ما يثير الاهتمام أكثر مع اقتراب الاجتماع القادم لبنك اليابان هو أن توقعات ارتفاع الين قد وصلت إلى معدلات غير مسبوقة.

إلا أن اليورو والين ليسا الحدث الرئيسي في الساحة العالمية التي تحتلها عملتان رئيسيتان وهما الدولار الأمريكي والرينميمبي الصيني. فالضغط مستمر على الرينميمبي بالانخفاض على الرغم من أن الصين تملك القوة الكافية للصمود خلال الفترة المقبلة، حتى لو كان ثمن ذلك غالياً في النهاية. أما بالنسبة للدولار الأمريكي، فإما أن يستمر بالانتعاش ويضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى استدراك ما فاته في نهاية المطاف، أو تتدهور التوقعات وتجر الولايات المتحدة باقي العالم معها إلى القاع.وكلا الخياران يشيران إلى دولار أمريكي أقوى. فالسيناريو الحالي بانتعاش الدولار الأمريكي بدون تضخم وقيام الاحتياطي الفيدرالي برفع الأسعار مرة واحدة في السنة إثر ذلك ليس إلا سراب. ولا ننسى أن الانتخابات الأمريكية باتت وشيكة في نوفمبر المقبل وقد تشهد مواجهة ما بين ساندرز المنادي بالاشتراكية وترامب المحرض للشعب؛ فماذا عساه سيحدث؟