فيما ينشط القيمون على ​القطاع المصرفي اللبناني​ في حصد التطمينات الدولية على سلامة وضع القطاع ، الى جانب الزيارات الدورية التي تنظمها جمعية المصارف إلى العواصم المالية في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية من أجل تقوية العلاقات مع المصارف المراسلة للمصارف اللبنانية، والتواصل مع السلطات النقدية والمالية الاجنبية يهمس  البعض عن سعي اخر وهو وراء الدمج  بين مصارف ذات رأس مال صغير مع أخرى كبيرة، لتكوين وحدات مصرفية قادرة على استيعاب أي هزات في السوق اللبنانيةرغم الصلابة التي يتميّز بها القطاع، بفضل المرشد الحكيم وصاحب الهندسات المالية المتفّوقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

الا انه قبل هذه المرحلة،لابد من الاشارة الى المعلومات المدونة، والتي تفيد انه فيما كانت وتيرة دمج المصارف تتسارع في الخارج  نتيجة الضغوطات المتمثّلة بالرسملة والملاءة والسيولة التي تفرضها السلطات النقدية في العالم، لاسيما بعد الازمة المالية العالمية، كانت السلطات في لبنان تحول دون ذلك مقابل منح رخص لإنشاء مصارف جديدة.

لماذا كان يمنع دمج المصارف ومن كان يقف وراء ذلك؟

العياش

الخبير المصرفي الدكتور غسان العياش يقول "للاقتصاد" من خلال متابعتي لمسار السياسات المصرفية منذ نهاية الحرب الأهلية، أودّ مخالفة الفرضيات التي استند إليها السؤال.

العكس هو الصحيح. مصرف لبنان لا يعطي منذ عقود رخص لمصارف تجارية جديدة. وهو، بوصفه القيّم على النشاط المصرفي، لم يمنع بأي شكل من الأشكال عمليات دمج المصارف بل قام بدور إيجابي لتسهيلها.

المصرف المركزي يدرس بالطبع كل حالة على حدة ويتعمق بخصوصياتها ويبدي الملاحظات والاعتراضات إذا كانت الظروف المحيطة بإحدى عمليات الدمج تقتضي ذلك. وخارج الحالات الخاصّة فهو يدعم عمليات الدمج.

إذ خرج القطاع المصرفي من فترة الحرب والفوضى التي رافقتها مثخنا بالجراح ويحمل على أكتافه أزمات نجمت عن ممارسات مصرفية غير سليمة، سرعان ما أصدر المجلس النيابي قانونا لدمج المصارف يحتوي على العديد من الحوافز، وبقي هذا القانون ساريا لفترة طويلة.

وبدون نصّ تشريعي تقوم سياسة مصرف لبنان الآن على تسهيل أي اندماج بين مصرفين أو أكثر. ولولا هذه السياسة لما أنجزت عمليات الدمج العديدة التي شهدها القطاع المصرفي اللبناني.

هذه القاعدة ليست مطلقة بالطبع، مصرف لبنان يساعد الدمج بين مصرف سليم وآخر متعثر، أو تناقصت ربحيته، أو يعاني من مشاكل في محفظة تسليفاته. لكن مصرف لبنان لن يرحّب بأي مشروع لدمج مصرفين كبيرين سليمين، خوفا من الاحتكار. فيكفي ما تشهده الساحة المصرفية من تمركز شديد في الموجودات والمطلوبات، ولا يجب الانتقال إلى نوع من الاحتكار الذي يتيح لمؤسّسة عملاقة التحكم بالسوق.

الاحتكار ام الفوضى والانفلاش

وعما اذا كان السوق اللبناني بحاجة الى العدد الموجود وهو يناهز ال 70مصرفاً يوضح ان  السوق المصرفية في لبنان تصبح مضرّة اقتصاديا واجتماعيا إذا اقتصرت على عدد قليل من المصارف التي تمارس الاحتكار، كما تتسبّب بالأضرار نفسها إذا كان هناك، بالعكس، انفلاش مصرفي وفوضى ناجمين عن وجود عدد كبير من المصارف.

لذلك فإن السياسة الحكيمة المتبعة الآن هي حماية كل مؤسّسة سليمة تتميّز بتناسب موجوداتها ومطلوباتها، كفاية أموالها الخاصّة، التزامها بتعليمات مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف واحترامها بصورة خاصة لأخلاقيات العمل المصرفي والقواعد المقرّرة عالميا في هذا المجال.

طالما المصارف تتمتع بهذه الشروط فلا أهمّية لعدد المؤسّسات العاملة في السوق.

تقوية الرساميل

وحول التوجّه العالمي لتقوية رساميل المصارف الى جانب تكوين المزيد من المؤونات عندما تدخل المعايير الدولية لإعداد التقارير الماليةInternational Financial Reporting Standardsالمعروفة بالـ IFRS حيّز التنفيذ عام 2017.هل ان ملاءة المصارف اللبنانية جاهزة لتطبيق هذه القواعد؟

يجيب العياش انه منذ سنة 1991، ولبنان يواكب التطوّرات العالمية المتعلقة بالملاءة. ومصرف لبنان بالتعاون مع جمعية المصارف يفرض تطبيق قواعد الملاءة، منذ بازل واحد حتى الآن. وقد كان معدّل الملاءة دائما متناسبا مع المعايير الدولية، بل يتجاوزها بشكل عام. ولا أشك في أن القطاع المصرفي اللبناني، بإشراف مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، سوف يطبّق، وينجح في تطبيق، التعليمات الدولية الجديدة.

ويضيف:منذ بداية التسعينات ادركت السلطة النقدية بأن تواصل مصارفنا مع العالم يقتضي اقتباس وتطبيق التعلميات الدولية المتطوّرة في الصناعة المصرفية، وإلا انعزل لبنان ومصارفه عن النظام المالي الدولي. والمصارف تتجاوب مع هذه القاعدة الذهبية.

سياسة الفوائد

وفي غضون ذلك ، منذ فترة غيرقليلة تمَّ تمويل الاقتصاد والدولة بمعدّلات مدينة مرتفعة فاقت 10% منذ العام 1993  مما سمح للقطاع المصرفي بتكوين مؤونات مالية وتحقيق الارباح . واليوم البعض يتخوّف من ان يكون ان عهد الارباح السهلة قد انتهى . وعلى المصارف مراقبة قدرتها على تلبية المتطلبات الناتجة عن الخسائرالمحتملة في ظل الركود الاقتصادي الى جانب ضرورة تقيدها بالمعايير الدولية في مجال مكافحة تبييض الأموال.

ولكن هل ثمة ضرورة لاعادة النظر بسياسة الفوائد ؟

في هذا السياق يعتبر الدكتو العياش ان معدّلات الفائدة المرتفعة التي شهدتها السوق المالية على مدى العقود الماضية مضرّة للاقتصاد ولكنها مساعدة لتمويل الدين العام. بالتالي، فإن السياسة المتبعة غلّبت هدف تمويل الدولة على مصلحة القطاع الخاص والنموّ الاقتصادي. ويقول: بالطبع، كان هناك اضطرار الى اعتماد هذه السياسة بسبب حاجات تمويل دين الدولة، وإعادة تمويله عند كل استحقاق.

باختصار، مصلحة تمويل الدولة تسير، في مجال معدّلات الفوائد، بشكل يخالف تماما مصلحة الاقتصاد. ففي أوضاع الاقتصاد اللبناني الراهنة، وظروفه الصعبة، يفترض بالسياسة النقدية تخفيض معدلات الفائدة المدينة إلى أدنى حدّ، ألا تتجاوز مثلا 2%، لتشجيع استثمارات القطاع الخاص. لكن معدّل الفائدة المدينة حسب آخر تقرير لجمعية المصارف تبلغ 8.18% للتسليفات بالليرة اللبنانية وحوالي 7.3% بالدولار.

بالطبع، احتياجات تمويل الدولة هي التي تفرض هذا الواقع. وهذه السياسات. ويصعب التحرّر من اتجاهاتها الراهنة قبل تصحيح أوضاع المالية العامة جذريا.