شهد لبنان في منتصف الستينات حتى العام 1976 حركة إقتصادية ناشطة كان للجانب السوري دوراً بارزاً فيها، حينذاك نزحت عدداً من رؤوس الأموال السورية إلى بيروت، لأسباب سياسية بحتة كانت قائمة في سوريا  آنذاك، من بينها موضوع الوحدة العربية و التأميم الذي ضمّ سوريا  وإقتصادها وثرواتها إلى مصر، فهربت رؤوس الاموال السورية إلى بيروت.

في تلك القترة نعمت العاصمة بيروت بعدد من المشاريع فيها كان أصحابها سوريين، وتحديداً شارع الحمراء ومن بعده منطقة الأشرفية، هذا الإزدهار ساهم فيه رجال أعمال سوريين نقلوا معظم ممتلكاتهم المالية إلى العاصمة فأسسوا الفنادق والمطاعم ومحلات للألبسة حتى المصارف كان للمال السوري دوراً إيجابياً في تأسيسها.

نذكر على سبيل المثال لا الحصر  فندق ومسبح "السمرلاند" الذي كان قائماً في منطقة الروشة قبل أن يتحول إلى منتجع "الموفينبيك"، وكان صاحب السمرلاند المليونير السوري حامد الآتاسي وشقيقه.

ولا يزال شارع الحمرا منذ الستينات حتى يومنا هذا  موصوف بانه شارع السوريين، ليس لأن رواده بعد اللبنايين هم من الجالية السورية، ولكن لأن 60% من محلات ومتاجر وفنادق هذا الشارع يمتكلها سوريين حصلوا على الجنسية اللبنانية لاحقاً، أما الأشرفية فكانت النقطة الإقتصادية الثانية والبارزة بالنسبة للرأس المال السوري، وتظهر محلات تجارية شهيرة مثل "الزهار" ( وهي محلات متخصصة ببيع ملابس الأطفال والصغارولديها عدة فروع في لبنان) على لائحة أبرز محلات الأشرفية، كذلك مجوهرات "بونجا" التي يمتلكها السوري الأرمني إبن مدينة حلب روبير بونجا.

هذا عدا عن عقارات ومشاريع سكنية كبيرة في الأشرفية معظمها تعود لعائلات سورية منها عائلة "الصايغ"  ( وأصلهم من يبرود شرقي دمشق) و تمتلك العائلة خمس مشاريع سكنية في محيط وزارة الخارجية وشارع سرسق في الأشرفية، كما تمتلك العائلة  دار نشر كبير وعريق إسمه "مكتبة لبنان ناشرون" ولديهم خمس فروع ويعمل لديهم فوق الـ3 موظف في مؤسساتهم والتي تضم إلى جانب دار النشر وفروعه، مطعماً في الأشرفية وآخراً في برمانا ، وتبلغ ثروة العائلة ما يقارب المئتين مليون دولار أميركي. وهم لا يزالون يحملون الجنسية السورية إلى جانب الجنسية اللبنانية.

مئات المشاريع الإقتصادية التي لا يمكن سردها في تقرير واحد، حين نبحث عن أسماء أصحابها نكتشف أنهم سوريين نزحوا في الستينات لأسباب سياسية فقط، وفي عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد إزداد عدد الأموال القادمة إلى بيروت بإعتبار أن هذه العاصمة تكفل حرية الأعمال التجارية.

وفي هذا الصدد، أطلق على لبنان لقب "سويسرا الشرق" ليس لجمال لطبيعته أو لحرية المعتقد لدى مواطينه كما يظن البعض، لا بل كون لبنان كان البلد العربي الأول الذي كفل وأعطى حقوق "السرية المصرفية" ما جذب أنظار التجار ورجال الأعمال العرب لإستثمار اموالهم فيه.

لم يتراجع الرأس مال السوري خلال الحرب:

وخلال الحرب "اللبنانية" وحتى بعدها لم تنضب حركة الإستثمار السوري في لبنان، وإنتلقت من بيروت إلى جونيه وجبيل وصيدا وبعض بلدات قضاء المتن منها برمانا وبيت مري وضهور شوير والرابية والزلقا وجل الديب، والدورة، فإذا دققنا بأسماء وهوية أصحاب بعض المرافق التجارية والسياحية في تلك المناطق نكتشف انهم في الأصل تجار سوريين من مدن : دمشق وحلب وحماه وحمص حصراً.

ومع نهاية الحرب  برزت مشاريع جديدة بأموال سورية مثل مجموعة أفران "شمسين" المنتشرة في أكثر من 8 مناطق لبنانية، وسلسلة مطاعم "المحطة" بفروعها الخمسة.

بعد إندلاع الأزمة في سوريا في آذار 2011، وبعد أشهر فقط عادت الاموال السورية تزّهر في بيروت ومناطق لبنانية أخرى، وهرباً من الوضع الأمني والسياسي والذي آثر سلباً على الوضع الإقتصادي، توجهت أنظار الأثرياء السوريين إلى لبنان لإقامة المشاريع فيه، ما ساهم بحسب الخبير الإقتصادي والمحاضر في عدد من الجامعات رالف عبيد، برفع النمو الإقتصادي  من الإقتصاد المحلي، في وقت أن عدد من المؤسسات اللبنانية أعلنت إفلاسها وأقفلت إلى جانب بعض الشركات سرّحت عدد من موظفيها، وفي وقت شهد شارع الحمراء ووسط بيروت التجاري إقفال لعشرات المحلات التي يمتلكها لبنانيون، هناك محلات جديدة يتم إفتتاحها  ( حالياً وسابقاً) في تلك المناطق بتوظيف مالي سوري.

عشرات المشاريع في لبنان في خلال سنوات من مال سوري

منذ نهاية العام 2011 حتى بداية العام 2016،  شهد شارع الحمراء لوحده إفتتاح 12 محل تجاري موزعين بين مطاعم ومحلات البسة ومقاهي.

مطعم "بيت حلب" لصاحبة مصعب الحاضري (من حلب)، تم تنفيذ المشروع في شارع البيكاديللي –الحمراء،  بقيمة إجمالية وصلت حد المليونين دولار أميركي، وهو عبارة عن مطعم مؤلف من طابقين، واحداً لتجهيز الأكل السريع، اما الطابق الثاني فهو صالة كبيرة للحفلات، بدأ المشروع في العام 2014 وبعد سنة ونصف فقط إفتتح صالة كبيرة له إلى جانب الفرع الرئيسي بعدما أقفل محلاً كبيراً لبيع الألبسة ، فإتفق الحاضري مع صاحب المحل على إستثماره لقاء ميلغ يدفع سنوياً وهو لا يقل عن 600 ألف دولار كما يقول لموقع "الإقتصاد".   واللافت في هذا المشروع انه يوظف السوريين فقط بإعتبار أنه يؤمن فرص عمل لشباب نازحين عن بلدهم ويجدون صعوبة للحصول على فرصة عمل في لبنان.

وفي هذا الإطار تبرز سلسلة مطاعم "الوسام"، واحداً منهم في آخر شارع الحمرا، وباقي الفروع في الروشة وعاليه وعلى طريق السعديات ( جنوب لبنان).

في البداية إفتتح رجل الأعمال السوري وسام قائدبيه، أول فرع له في الحمراء بعد إنتشار سلسلة مطاعمه المشهورة في كافة أرجاء سورية، وبميزانية تفوق المليون ونصف المليون دولار أميركي بدأ قائدبيه أول مشروع له في لبنان، وهو عبارة عن مطعم كبير يقدم الوجبات السورية المميزة، وبعد ذلك أصبح يقدم كافة الوجبات، وبعد النجاح الذي حققه إفتتح له فروعاً أخرى، فإستثمر حوالي 3 محلات جديدة كلفتهم الإجمالية تراوحت بين من  عقود إيجار سنوية إلى تجهيز المحلات من ديكور ومعدّات وغيرها عدا عن كلفة أجور العمال والموظفين، فقد وصلت ميزانية كل محل ما يقارب الـمليون إلى المليونين دولار حسب مساحة المحل. كما يقول في حديثه مع "الإقتصاد".

أما سلسلة مقاهي "البندقجي" المنتشرة في عدد من المناطق  اللبنانية وداخل بعض المولات منها مول "بيروت سنتر" و "صيدا مول" فهي تعود لثري سوري إسمه عبدالله وشقيقه مصطفى، وهما مقيمان في لبنان منذ الثمانينات لكنهم حصلوا على الجنسية اللبنانية بموجب مرسوم خاص في العام 1994، إلا أن مشروعهم التجاري السياحي بدأ في العام 2010، حيث تم إستثمار أرض كانت موقف للسيارات في شارع السادات –الحمراء، وقد كلفهم المشروع 3 ملايين دولار بين بدل إستثمار سنوي من آل عيتاني، إلى تجهيز المحل من كافة المعدات والديكور والتراخيص وبعد سنتين حقق لهم هذا المحل أرباحاً كبيرة جداً، فقاما بإفتتاح فرعا لهم داخل "بيروت مول" ثم إنتقلا إلى "صيدا مول"، وفي العام 2014 إفتتحا فرعا لهما في سوق عاليه التجاري، لكن المشروع لم ينجح نظراً لتراجع عدد السياح في هذه المنطقة.

وتجدر الإشارة إلى ان أولاد عم البندقجي هم أيضاً من أثرياء مدينة حماه، وهم أيضاً أصحاب سلسلة مقاهي "الغراند كافيه" و"البيتي كافيه" في لبنان، وتفوق ثروتهم الحالية الـ150 مليون دولار أميركي بحسب مصادر مقربة من العائلة.

وفي مجال "البزنس والمال" وبعيداً عن عالم رجال الأعمال، فقد برزت بعض السيدات السوريات الثريات اللواتي إنتقلن إلى لبنان بسبب ظروف الحرب هناك، فقمن بعدد من المشاريع المهمة ولو كانت خارج العاصمة.

وفي هذا السياق، برز إسم السورية شذا ناصر، من مدينة حمص وهي إبنة صاحب أهم شركة أدوية في سوريا، وزوجة صاحب شركة ادوية أيضاً، ومع إزدياد حمى الحرب في حمص هربت وزوجها وعائلتها إلى طرابلس، فيما زوجها إنتقل إلى دبي لإدارة أعماله من هناك وإفتتاح مشاريع كبيرة هناك فضّلت شذا البقاء في مسقط رأس والدتها، ومن مدينة الفيحاء أطلقت مجموعة مشاريع متنوعة، منها إفتتاح مطعماً ضخماً في شارع الضم والفرز المشهور بمقاهيه ومطاعمه في طرابلس.

"بوابة حمص" هو إسم المطعم الذي كلّفها 900 ألف دولار أميركي، وإفتتحته في العام 2014، لتلحقه لفرع آخر في منطقة الميناء، ثم عادت وإفتتحت ملحمة كبيرة على إسم المطعم، وعن ذلك تقول شذا لموقع "الإقتصاد" إن "إختيار فكرة إفتتاح مطعم أو مقهى كمشروع تجاري هو أمر سليم وصائب، كون مثل تلك المشاريع تجد رواداً وإقبالاً يفوق التصور في لبنان".

وتضيف قائلة " إفتتحت مركزاً كبيراً في شارع المصارف بطرابلس ، وهو عبارة عن مركز لتعليم اللغات والموسيقى  إلى جانب طابق مخصص لأنشطة الأطفال، كما الحقت هذا المركز بحضانة أطفال  فخمة جداً على الطراز الأوروبي وجهزت المركز بأفخم الوسائل الحديثة إلى جانب الديكور الفاخر، وقد كلفني هذا المشروع حوالي المليون و300 ألف دولار أميركي، لكنه لم يحقق الإقبال كاللذي حققه بوابة حمص، فالناس لديهم قابلية على التسلية والأكل أكثر من أي فكرة أخرى".