اقر البرلمان ال​لبنان​ي في تشرين الثاني من العام الماضي قوانين مالية تتصل بإلتزامات لبنان تجاه المؤسسات الدولية أهمها ما يتعلق بالتصريح عن نقل الأموال عبر الحدود وتبادل المعلومات الضريبية ومكافحة غسل الاموال وتجفيف منابع الإرهاب.

وعلى الرغم من إقرار تلك القوانين كشفت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن 3 بلدان، من بينها لبنان، مهددة بأن تكون ضمن اللائحة السوداء المقبلة للجنات الضريبية غير المتعاونة التي ستصدرها "منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية" (OECD) في تموز المقبل بناءً على طلب مجموعة العشرين.

وبحسب معلومات الصحيفة، فإن لبنان، إضافة إلى كل من بنما وفانواتو، هي الدول الوحيدة التي لم تلتزم حتى اليوم بالمعايير الثلاثة الكبرى المعتمدة من قبل "منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية" من أجل تقييم طبيعة التعاون المالي العالمي. ومن بين هذه المعايير ما هو مرتبط بطبيعة المعلومات التي تقبل هذه الدول بتبادلها بناء على طلب السلطات أو القضاء في دولة أجنبية.

وقد ينظر خبراء المنظمة ومجموعة الدول العشرين والاتحاد الأوروبي في إمكان وضع لائحة رمادية تضم الدول المصنفة ضعيفة في مجالين على الأقل، وفي هذا الإطار تبرز تسع دول إضافية، وهي جزر ساموا، انتيغا وباربودا، ليبريا، الناورو، البحرين، سلطنة بروناي، الدومينيك، ترينيداد وتوباغو، والإمارات العربية المتحدة.

فهل لبنان فعلا جنّة ضرائبية؟ وما الذي يمنعنا من تطبيق معايير "منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية"؟ هل من دور لمصرف لبنان؟ ولماذا تتمسك المصارف بالسرية المصرفية؟

عجاقة: لا يمكن الجزم إذا ما كان لبنان جنة ضرائبية .. والقوانين المالية التي تم إقرارها غير كافية

في هذا السياق يشير الخبير الإقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة في حديث خاص لـ"الإقتصاد" أن "وثائق بنما المسربة والتي تتخطى الـ11.5 مليون وثيقة، تحتوي على أسماء 462 شركة لبنانية إضافة الى مئات الشخصيات الإقتصادية والسياسية المحلية، وبالتالي فإن لبنان له نصيبه من هذه الوثائق .. أما بالنسبة للسؤال عما إذا كان لبنان جنة ضريبية بحد ذاته أم لا، فلا يمكن الإجابة عنه بدقة، ولكن مجرد وجود السرية المصرفية في القطاع المصرفي اللبناني فإن هذا يعني أن المصارف اللبنانية قد تكون طريق لعبور الأموال الى الجنات الضريبية بالحد الأدنى".

وأضاف "ما تبين من خلال وثائق بنما أن شركات الـ (Offshore) هي الأساس في عملية تحويل الأموال، وهناك عدد من تلك الشركات الموجودة في لبنان وتم ذكر أسماءها ضمن الوثائق".

ولفت عجاقة الى أنه "عندما تقوم أي شركة بتحويل أموال الى مصرف لبناني، فإن المصرف يسألها فقط عن مصدر هذه الأموال ويطلب وثائق تثبت صحة ما تقول تلك الشركة وأن الأموال مصدرها نشاط إقتصادي سليم ... وبالتالي فإن المصرف لا يمكنه رفض الأموال كما أنه لن يتمكن من التأكد بنسبة 100% من صدق تلك الشركة... ومن هنا تأتي أهمية ما تدعو إليه (OECD) لتبادل المعلومات، حيث يمكن الوصول الى الحقيقة عبر تبادل المعلومات بين الدول بطريقة سريعة".

وأشار عجاقة الى أن "لبنان يتبع نظام معين في تبادل المعلومات يعتمد فيه على السرية المصرفية، لذلك فإن عملية تبادل المعلومات مشروطة وتمر بدائرة طويلة قبل الموافقة على إرسالها، ويستند قرار إرسال المعلومات من عدمه الى مدى أهمية القضية المطروحة".

وأكد أن "القوانين المالية التي أقرها لبنان في العام الماضي جيدة ولكنها ليست كافية لنصبح ملتزمين بالمعايير التي أقرتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وبالتالي فإن لبنان ليس أفضل من سويسرا التي ألغت السرية المصرفية لديها، وعدلت من طريقة تعاملها مع تبادل المعلومات بين الدول".

يشوعي: لبنان ليس جنة ضرائبية ... وملتزم بالمعايير الدولية الى حد كبير

بدوره أشار الخبير الإقتصادي د.إيلي يشوعي الى أنه "قبل الخوض فيما إذا كان لبنان جنة ضرائبية أم لا، علينا تعريف الجنة الضرائبية... فالجنات الضرائبية هي عبارة عن دول أو جزر تغض فيها السلطات النظر عن ما يسمى الـ (Shell Companies) أو (Offshore Companies)، وهي شركات معلن عنها ولكن مصادر أموالها مجهولة ولا تدفع ضرائب".

وأضاف "تقوم الـ(Shell Companies) بعمليات تبييض الأموال بالطريقة التالية: تُشحن الأموال السوداء الناتجة عن عمليات الإتجار بالممنوعات وغيرها الى هذه الشركات نقداً (Cash)، ويتم وضعها في مستودعات... بعد ذلك تقوم الشركة بإصدار سندات بإسمها بقيمة معينة - 10000 دولار مثلا – وتبيع هذا السند بـ 6000 دولار فقط، وتعطي وعدا لصاحب السند بأنه يمكنه إعادة السند الى الشركة وأخذ 10000 دولار نقدا متى أراد، وبذلك تبدل الشركة الأموال وتبيّضها..  حيث تعطي أصحاب السندات الأموال السوداء وتأخذ منهم أموالاً معروفة المصدر".

ورأى يشوعي أن هذه العملية لا تتم في لبنان وبالتالي لا يمكن القول بأن لبنان جنة ضرائبية لافتا الى أن "هناك عمليات لتبييض الأموال تتم في لبنان عبر شركات معروفة وقائمة، ولكن ليست بالمستوى الموجود في الجنات الضرائبية".

وأكد أن "لبنان ملتزم الى حد كبير بالمعايير والقوانين الدولية بهذا المجال، والقوانين المالية التي أقرت في مجلس النواب العام الماضي والمتعلقة بنقل الأموال عبر الحدود وتبادل المعلومات الضريبية ومكافحة غسل الاموال وتجفيف منابع الإرهاب، خير دليل على ذلك".

رياشي: لا أنصح بإلغاء السرية المصرفية ... ولبنان ليس جنة ضرائبية

من جهته قال الخبير الإقتصادي د. ألفرد رياشي "لا يمكن إعتبار لبنان جنة ضرائبية، حيث أن الشركات الموجودة بمعظمها تدفع ضرائب بنسب مقبولة للدولة، فالشركات المساهمة اللبنانية مثلا تدفع حوالي 23.5% من أرباحها كضرائب في حال توزيع الأرباح على المساهمين، وهذه النسبة تعتبر مقبولة على الرغم من أنها تبقى قليلة مقارنة مع نسب الضرائب الموجودة في الدول الإسكندنافية مثلا (45% تقريبا)".

وأضاف "شركات الـ (Offshore Companies) زادت في الفترة الأخيرة في لبنان، ولكن هذا النوع من الشركات موجود في الكثير من دول العالم ولا يمكن حصرها فقط في عدد قليل من الدول، وبالتالي لا يمكن إدراج لبنان ضمن اللائحة بمجرد وجود عدد من شركات الـOffshore".

وفي موضوع السرية المصرفية الموجودة في لبنان قال رياشي أن "معايير السرية المصرفية لم تعد كما كانت في السابق خصوصا بعد إتفاقات بازل 1 و 2 و 3، ولكن لا يجب أن ننسى بان الإقتصاد اللبناني يعتمد على قطاعه المصرفي كأساس، وبالتالي لا يمكن إلغاء السرية المصرفية كليا لاننا سنخسر الكثير من المودعين، وسيخسر القطاع المصرفي أحد مقوماته الأساسية لإستجلاب الإستثمارات".

وختم "لا نشجع على إلغاء السرية المصرفية، إلا في حالات معينة... ولبنان إلتزم بالقرارات والقوانين الدولية ومنها (قانون فاتكا)، وبالتالي لا يمكن إستهدافنا بتلك الطريقة في حين يتم غض البصر عن الكثير من الدول الأخرى التي لا تلتزم بالقوانين الدولية بقدر ما يفعل لبنان".