وفق تعريف خبراء الاقتصاد ان الموازنة العامة هي "برنامج ورؤية اقتصادية واجتماعية" تقدمها الحكومات لعملها خلال عام. الا انه رغم ذلك يبقى الاقتصاد اللبناني بدون موازنة منذ العام 2005.

في 11 شباط الفائت، ناقش مجلس الوزراء في جلسته الاستثنائية، الوضع المالي للدولة، واستمع الى مداخلة وزير المالية علي حسن خليل الذي أكد على ضرورة موازنة الواردات مع النفقات لوقف العجز. وشدد على انه لا مخرج ولا حل للازمة المالية الا باقرار الموازنة العامة للسنة الحالية، وهو ما اتفق عليه جميع اعضاء مجلس الوزراء، على امل ان يتم لاحقا البحث في الموازنة.

وإذ يقلّل الوزير الخليل من حجم أزمة الدولة المالية حيث يقول: "اننا لسنا امام انهيار في الوضع المالي وأن الأمور ما زالت تحت السيطرة"، الا ان بعض المراقبين المحليين والدوليين يتخوّفون من تداعيات وضع الدولة المالي على غير صعيد، لا سيما على مستوى تصنيف لبنان الائتماني، وتالياً على تصنيف المصارف اللبنانية التي تحمل الجزء الأكبر من مديونية الدولة بالعملات الأجنبية.

وفي احد التقارير السابقة، أبقت وكالة التصنيف الدولية "موديز"، للتصنيفات الائتمانية، على نظرة مستقبلية سلبية للنظام المصرفي اللبناني، وعزت ذلك إلى مستوى المخاطر العالية بعدم القدرة على سداد الديون، وضغوط في جودة الأصول من جراء النمو الاقتصادي الضعيف. وتوقعت "موديز" ارتفاع عجز الميزانية مع اعتماد الحكومة على البنوك المحلية لتمويل نفقاتها. كما حذر تقرير مؤسسة شراكة الموازنة المفتوحة "IBP" العالمية، من تدني نسبة الشفافية في الموازنة اللبنانية التي تسجل 30%، بسبب "غياب الرقابة الرسمية المتمثلة في مجلس النواب وديوان المحاسبة، والرقابة المجتمعية التي يُفترض بالمواطنين ممارستها".

الى اي مدى يؤثر عدم اقرار الموازنات العامة على التصنيف الائتماني في لبنان؟

قرم

وزير المال السابق الدكتور جورج قرم قال "للاقتصاد"ان المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين يغضّان النظر عن موضوع عدم اقرار الموازنات المتتالية في لبنان منذ 11سنة. وهما ينظران الى مؤشرات اخرى. فالسكوت التام عن موضوع الموازنة هو سيّد الموقف. لقد صدر مؤخراً تقرير عن صندوق النقد حول لبنان وفيه تجاهل شبه تام  عن الموازنات غير المقرّة. وربما ان ثمة اجماعاً اوتحالفاً حول ان لبنان لديه الكثير من المشاكل مما يفرض عدم الخوض في هذا الموضوع او عدم المس بالناحية الاقتصادية.  

وعن المخرج القانوني لسلسلة الموازنات غير المقرّة منذ العام 2005، يرى الدكتور قرم بوجوب انتظام المالية العامة عن طريق احترام الدستور وقانون المحاسبة العمومية. ويقول: فمجلس النواب لا يحترم الدستور ولا يتحمّل المسؤوليات . الحكومات المتعاقبة تحضّر الموازنات بغض النظر على اي اساس وتبقى بدون مناقشة واقرار لتعلن بعد فترة وجيزة نفاد الاعتمادات لديها.

التجاذبات السياسية تخيّم على كل المرافق الاقتصادية والخدماتية.

القاعدة الاثني عشرية مخالفة دستورية

وعن اعتماد القاعدة الاثني عشرية يقول انها مرحلية ولا يجوز تطبيقها الا لفترة شهرين او 4 اشهر على الاقل.انها مخالفة دستورية.والمخرج واضح ويقضي باحترام الدستور وقانون المحاسبة العمومية. واليوم حتى لاقرار موازنة ال2016 تأخرنا اذ اصبحنا في الشهر الرابع. وطالما لا يوجد تغيير في المجلس النيابي وفي الحكومة لا نتوقع حدوث اي تغيير.

واعتبر الدكتور قرم انه ليس هناك من سابقة في العالم بعدم اقرار الموازنات العامة في اي دولة،قد يكون هناك بعض التأخير ولكن لا يتجاوز ال 9 اشهر على الاكثر.

مبادىء الموازنة

ومن المعلوم انه  تتطابق السنة المالية للموازنة في لبنان مع السنة المدنية فهي تبدأ في الاول من كانون الثاني وتنتهي في 31 كانون الاول وتلغى الاعتمادات التي لم تعقد حتى 31 كانون الاول من السنة.

مبدأ وحدة الموازنة: يعني هذا المبدأ ان تكون للدولة موازنة واحدة في وثيقة واحدة تجمع جميع نفقاتها ووارداتها، الا ان قانون المحاسبة العمومية وضع الاستثناء على هذا المبدأ في مادته السادسة التي تنص على ان "تتألف موازنة الدولة من الموازنة العامة وموازنات ملحقة وموازنات استثنائية".

مبدأ شمول الموازنة: ان مبدأ شمول الموازنة هو شديد القرب من مبدأ وحدة الموازنة. فالثاني يتعلق بشكل الموازنة ويقضي بأن تكون جميع النفقات وجميع الواردات في مستند واحد. اما الاول فيتعلق بمضمون الموازنة ويقضي بأن تكون النفقات مفصولة عن الواردات وان تظهر بكامل مبالغها دون اقتطاع او انقاص.

مبدأ الشيوع في الموازنة: مبدأ الشيوع في الموازنة ويسمى ايضا مبداء عدم تخصيص الواردات هو مكمل لمبدأ الشمول ويعني عدم تخصيص واردات عينة لتغطية نفقات معينة. مبدأ التوازن في الموازنة: يقضي هذا المبدأ بأن يكون مجموع النفقات العامة مساويا لمجموع الايرادات العادية من غير القروض والوسائل النقدية.

اعداد الموازنة

اما بالنسبة للتحضير فلدى الادارات: يبدأ عمل الوزارات عادة بناء على تعميم يصدر عن وزارة المالية في النصف الاول من شهر نيسان، تذكر فيه الوزارات بوجوب المباشرة باعداد موازنة السنة التالية والرؤية الاقتصادية والاصلاحية للدولة، والمؤشرات الماكرو- اقتصادية وتحديد سقف النفقات وخصوصاً الالزامية منها كالرواتب والاجور وملحقاتها... واستنادا الى حاجات كل دوائر الوزارة توضع جداول بالنفقات مرفقة بالمستندات والوثائق.

يقدم الوزير موازنة وزارته الى وزارة المالية مع المستندات الثبوتية مع تقرير يشرح فيه الفروقات الحاصلة بين مشروع الموازنة وموازنة السنة الجارية. يجب ان تستلم وزارة المالية هذا المشروع قبل نهاية شهر ايار من السنة الجارية.

التحضير لدى وزارة المالية: تضع تقديرات للسنة التالية وبذلك تتميز عن سائر الوزارات التي تضع تقديرات نفقاتها فقط. تتولى ادارة الموازنة في وزارة المالية التدقيق في طلبات الاعتمادات الواردة من الوزارات وتناقشها في ضوء المستندات المرفقة بغية تأمين التعادل بين النفقات والواردات.

وترفع ادارة الموازنة المشروع الى وزير المالية مع تقرير مفصل. واذا كان التوازن مفقودا يضطر الوزير الى عقد اجتماعات مع زملائه لتخفيض طلبات الاعتمادات واذا تعذر ذلك عليه ان يقترح فرض ضرائب جديدة او اللجوء الى القروض.

تحيل وزارة المالية مشروع الموازنة في صيغته النهائية الى مجلس الوزراء قبل الاول من ايلول، وبعد ذلك يضع وزير المالية خطاب الموازنة او الفذلكة التفسيرية وهي عبارة عن تقرير مفصل عن الحالة الاقتصادية والمالية في البلاد، وعن المبادىء التي اعتمدتها الحكومة في مشروع الموازنة.

التحضير لدى مجلس الوزراء

يضع السياسة العامة للموازنة كأن يقر اعطاء الاولوية لاحد وجوه الانفاق دون الآخر (تعزيز التربية- التخفيف من نفقات الدفاع..) ويبت في الخلافات التي تنشأ بين وزير المالية وسائر الوزراء الذين لا يقبلون بوجهة نظر وزير المالية ويتمسكون بالاعتمادات التي يطلبونها. يوافق مجلس الوزراء على مشروع الموازنة كما ورد او يعدله ثم يرسله الى مجلس النواب مرفقا بالفذلكة بحد اقصاه آخر شهر ايلول.

اما الحال اليوم فهو مختلف ، شارف الشهر الرابع من 2016 على الانتهاء ولم يأت احد من المسؤولين على ذكر موضوع الموازنة. الدولة اللبنانية وما تبقى منها تنفق بدون موازنة قانونية ! التغاضي المتعمّد قد يكون احد الاسباب ولكن الثابت ان الصرف اوالانفاق بدون اي تشريع هو المتحكّم باموال الدولة بدون اي حسيب ورقيب وسط صمت رهيب!