خبراء عقاريون لـ"الإقتصاد": الكلام  غير صحيح

عانت القطاعات الاقتصادية ال​لبنان​ية في السنوات الاخيرة من صدمات وازمات متتالية سببتها الحرب السورية وتداعياتها على لبنان ، إلا ان القطاع المصرفي حائز على مرتبة "النمو" بمعدلات مقبولة بالمقارنة مع الاوضاع المحيطة، في حين تصدر ​القطاع العقاري​ مرتبة "الصمود" من بين القطاعات الاقتصادية الاخرى.

الا انه بعد بداية العام 2016 تغيرت الامور حيث كشفت إحصاءات المديريّة العامّة للشؤون العقاريّة عن التراجع الكبير في أداء القطاع العقاري في لبنان خلال شھر كانون الثاني من هذا العام  بحيث تراجع عدد المعاملات العقاريّة إلى 4295 معاملة، من 6749 معاملة في شھر كانون الأوّل   2015. ويأتي ھذا الإنكماش بالأخصّ فيرسوم التسجيل في العام القادم.

وفي التفاصيل اوضحت المديرية ان عدد المعاملات العقارية السنوية  ارتفع بنسبة 20.95% من 3551 معاملة في شھر كانون الثاني 2015، ولكن قيمة المعاملات العقاريّة في شھر كانون الثاني 2016 تراجعت  إلى 524.81 مليون دولار، من 899.12 مليون دولار في شھر كانون الأوّل 2015.

في المقابل، بقيت قيمة معاملات المبيع العقاريّة مستقرّة نسبيّاً على صعيد سنويّ. في ھذا الإطار، تراجع متوسّط قيمة المعاملة العقاريّة الواحدة إلى 122192 دولار في شھر كانون الثاني 2016، مقابل 147797 دولار في شھر كانون الثاني 2015، مع العلم أنّ حصّة الأجانب من عمليّات المبيع العقاريّة قد تراجعت إلى 1.77%، مقارنةً بنسبة 2.20% في نھاية العام 2015.

كل هذه الارقام والنسب اتت قبل التوترات الخليجية اللبنانية فما بالك اليوم بالمستويات التي قد يصل اليها القطاع العقاري اللبناني خاصة بعد تصريح امين سر مجلس العمل والاستثمار في السعودية ربيع الامين الذي كشف ان الاستثمارات والمشاريع الخليجية في لبنان باتت تٌعد على أصابع اليد، وان املاك وعقارات السعوديين في بيروت وجبل لبنان لها تأثيرها الاقتصادي واكثرها اليوم معروضٌ للبيع.

هل هذه التصاريح والتهويلات السياسية مجرد حملة إعلامية تهدف الى تخويف المستثمرين ام فعلا الانسحاب العقاري الخليجي والسعودي بشكل خاص، ملموس في الساحة العقارية اللبنانية.

إشاعات غرضها التهويل

- فارس: لا أحد يبيع الا ليربح

كان لـ"الإقتصاد" مقابلات مع خبراء عقاريين نقلوا فيها وضع السوق العقاري اللبناني قبل التوترات الخليجية اللبنانية واسباب حالة الركود العقاري منذ 3 أعوام حتى الآن، ورأيهم بالموقف الخليجي ومدى صحة تطبيقه على ارض الواقع بعيدا عن التهويلات الساسية. 

ولدراسة الوضع العقاري اللبناني كان لا بد لنا من الاتجاه الى تقييم اداءه بالسنوات الـ3 الماضية،  حيث اوضح رئيس نقابة وسطاء الاستشاريين العقاريين في لبنان مسعد فارس ان السوق العقاري اللبناني على مدى الاعوام الـ3 الماضية كان ولا يزال يمر بمرحلة "تصحيح ذاتي للسوق" ولا يعتبرها مرحلة ركود.

ويرى فارس ان اسباب هذا الوضع مرتبطة بتداعيات الازمة السورية والإقتصاد العالمي الذي ادى الى تراجع الطلب في جميع القطاعات.

اما حول موضوع الانسحاب الخليجي العقاري من لبنان كشف فارس ان النقابة التي تُشرف على  60% الى 70% من العمليات العقارية في لبنان لم تشهد اي من حالات التزعزع المذكورة ولم يلمس مسعد نية الخليجيين والسعوديين بشكل خاص لبيع عقاراتهم في لبنان.

وتعليقاً عن الاخبار المتداولة حول الانسحاب الخليجي من السوق العقاري اللبناني يقول فارس: " كل ما يتم تداوله مؤخراً هو "حَكي سياسية". موضحا ان  السياسة لن تتغلب على التجارة اوالمحبة المتبادلة بين العرب، مستندا الى السنوات الماضية يوضح فارس ان لبنان شهد ظروف و ضغوطات مماثلة ولكن بعد فترة عادت الامور الى مجاريها.

واضاف " لا احد يبيع الا ليربح... انا شخصيا  لم ارى خليجي او لبناني او حتى طائفة تهجُر عقاراتها وتبيعها فقط للخروج من السوق!!"

ويصف فارس القطاع العقاري اللبناني بـ"المتين" ولو لم يكن كذلك لدمرته الازمة السورية والاقتصاد العالمي المتدهور مؤخرا كما يعتبر المجال العقاري اللبناني يتميّز عن ذويه لأنه مبني على "نُدرة" العقار لصغر مساحة البلد.

وفي سياق متصل حول علاقة العرض والطلب في السوق يكشف فارس ان الطلب على الشقق الكبيرة ذات الاسعار المرتفعة انخفض لانها اصبحت من "الكماليات"، اما الطلب على الشقق المتوسطة -للأسر الجديدة بشكل خاص- فالسوق في حالة تتحدد كل يوم بحسب الظروف اليومية المتغيرة.

- سنيورة: القطاع بحالة من الجمود

ومن جهته اعتبر الخبير العقاري ايمن سنيورة ان اسباب تراجع الحركة العقارية بالاعوام المنصرمة في لبنان يعود الى قلّة السيولة المحلية اولاً، وتراجع مستوياتها في الخليج اثر الازمات المتراكمة.

موضحاً ان للسوق العقاري اللبناني 3 جهات رئيسية: الجهة المحلية وهو اللبناني الذي يشتري بهدف السكن، اللبناني المستثمر او الذي يشتري العقار لإعادة بيعه لاحقا، واخيرا الجهة الاجنبية التي بدأت بالانسحاب من السوق العقاري في الاعوام الـ3 الماضية، وتراجع اهتمامها بالمجال العقاري اللبناني.

واكد ان الركود العقاري الحاصل في لبنان يعود الى  تجميد الاموال في السوق العقاري من 3 4 اعوام وعدم قدرة المطوّر على استعادة رأسماله اليوم.

ويعتبر السنيورة ان الازمة السورية اثرت على الداخل اللبناني من حيث الحذر والخوف من الانفاق، تجميد الاموال او استثمارها، لا شك ان الفرد اليوم يُفضل الإحتفاظ بالمال النقدي عوضاً عن تجميده في العقار، ولكن البعض الآخر يعتبر ان هذه المرحلة تعتبر الافضل لشراء العقارات لأن القطاع بحالةٍ من الجمود.

وفي سؤالنا عن تعليقه على تصريحات الامين اسِفَ السنيورة لإمكانية حصول هذا الامر واوضح ان القطاع العقاري حريص على ايجاد مستثمرين عرب واجانب مهتمين بالسوق العقاري اللبناني.

ولم يلمس السنيورة اي تأثير مباشر في القطاع لتركيز اعماله محلياً، وتمنى ان يكون هذا الموضوع "غيمة صيف" وان تمر بسلام عن لبنان.

وعن توقعاته للسوق إعتبر انه من الصعب اليوم ان تتراجع الاسعار اكثر  لأن السوق لا يشهد اي من بوادر تراجع في اسعار الاراضي بشكل خاص، وهذا الامر قد يحصل في حالة واحدة وهي حاجة المطور العقاري للسيولة بغية تسهيل عملية الشراء. 

ففي مناطق كسوليدير انخفضت الاسعار بين الـ20% و25% اما في المناطق الاخرى فلم تنخفض الاسعار اكثر من 10 الى 15%. واعتبر السنيورة ان القطاع العقاري اثبت مع الوقت انه قطاع الملاذات الآمنة للمواطنين وتمنى ان تعود العلاقات اللبنانية الخليجية الى مجاريها.

- ديب: مشكلة السوق تكمن في أسعار الاراضي المرتفعة

ومن منظور آخر عزا الخبير العقاري سامر ديب اسباب تراجع المعاملات العقارية 2454 معاملة من كانون الاول 2015 وحتى كانون الثاني 2016 الى الزيادة في نسبة البناء التي كانت مبنية على الطلب الكبير، فتوجه الجميع للعمل في السوق العقاري مما ادى الى ارتفاع اسعار الاراضي وبدورها ارتفعت اسعار الشقق، في حين ان القدرة الشرائية للمواطنين لا تزال على حالها فلم تشهد البلاد أي زيادة في الرواتب .. لذا نواجه اليوم في السوق حالة من تراجع الطلب على الشقق.

وبمعادلة منطقية شبّه ديب السوق العقاري بالشبكة العنكبوتية فإذا ازدهر السوق العقاري في بيروت، اي نقطة الإرتكاز، تتمدد هذه الشبكة الى خارج بيروت، وعندما يُشل مركز الشبكة تتأثر المناطق الاخرى ولكن بوتيرة ابطأ.

واعتبر ان الاوضاع الامنية في لبنان لا تؤثر على القطاع العقاري ففي العام 2006 وفي ظل الحرب كانت حركة البناء افضل بكثير ، ونلاحظ اليوم ان المشاريع التي  تنشأ تعتبر كبيرة بين الـ10 والـ15 مبنى. ويقول" وهذا يُبيّن ان اللبناني الاقتصادي يتحدى السياسة".

وردا على سؤال نسبة تضرر المطور اليوم من ارتفاع وتيرة البناء وانخفاض نسبة المبيعات كشف ديب ان الاسعار تنخفض فسعر طن الحديد 360 دولار مثلاً واوضح ان المنافسة قويّة لأن كلفة البناء باتت اوفر من العام 2010 مثلا.

وشدد ان مشكلة السوق الاساسية تكمن في اسعار الاراضي المرتفعة ويقول " يخاف صاحب الارض من البيع ، فلبنان ليس بالبلد الصناعي او الزراعي او غيره ... القطاع العقاري يعتبر المجال الوحيد للإستثمار في بلد كلبنان!"

وفيما يخص التوترات اللبنانية الخليجية، يُبين ديب انه حتى الآن لم يشهد اي خليجي يسعى الى بيع عقاراته اللبنانية.

ويضيف "إذا عدنا الى الحرب اللبنانية لم يقم الخليجي والسعودي بشكل خاص ببيع عقاراته حينها ..فهم يحبون لبنان".

ويشاركنا ديب حالة ليوضّح اكثرعن العلاقة الخليجية اللبنانية في المجال العقاري ففي منطقة العبادية على سبيل المثال كان سعر المتر الواحد 150 دولار وبعد الوجود الخليجي ارتفع السعر الى 800 دولار، اي وجوده يؤدي الى زيادة قيمة الارض حتى لو غادر من بعدها ويسترسل " لوجودهم بصمة تُغني الارض وتفيد اصحابها".

وعن توقعاته ورأيه بالسوق العقاري المحلي يعتبر ديب ان الدولة لا تواكب نشاط المطورين ويشدد "نمونا سريع وقوانيننا بطيئة!" ويضيف "كيف لنا ان نستمر في ظل وجود دولة مشلولة لا تدعمنا.. فمصرف الاسكان مثلاً يقدم قروض لذوي الدخل المحدود بقيمة 160 الف دولار تقريبا ..والقدرة الشرائية لا تزال على حالها!!".

وبعد جولتنا مع الخبراء العقاريين اتضح الانسحاب العقاري الخليجي من لبنان ليس الإ إشاعات .. على الاقل حتى الآن ... فمن المستفيد من هذه الحملة الإعلامية؟ ومن يريد شلّ البلاد اكثر وإستدراجها الى المجهول ..