أكد مدير عام وزارة المالية ألآن بيفاني أن المكاسب التي حققها لبنان من مؤتمر لندن عديدة أبرزها  الإعتراف بالدور الكبير الذي يقوم به لبنان في مساعدة العالم في مسألة النزوح السوري موضحا -في مقابلة خاصة للـ"أقتصاد"-أجواء المانحين في مؤتمر لندن والمردود ألأقتصادي المتوقع للبنان بنظره خصوصا أنه شارك شخصيا ضمن الوفد اللبناني الرسمي للمؤتمر وتطرق حوارنا مع المدير العام  الى وضع المالية العامة للدولة في ضوء التصريح الاخير لوزير المالية علي حسن خليل حين دق جرس ألأنذار بالنسبة للوضع المالي للدولة ،سألنا بيفاني عن الحاجات التمويلية  والموازنات التي لم تقر  ،والضرائب وما تم أنجازه على صعيد الحسابات العامة وفي مديرية الدين العام ،وعن الجديد في مشروع أعادة توزيع الضرائب وصولا الى الوضع الاقتصادي في البلد عموما:

وهذه مجريات اللقاء بمدير عام وزارة المالية ألان بيفاني في مكتبه في وزارة المال:

- ما هي الأجواء التي رأيتها في مؤتمر لندن، وما هو المردود الإقتصادي للبنان بين المأمول والممكن من هذا المؤتمر؟

نحن كجمهورية لبنانية، قدمنا برنامج يتألف من 3 مستويات مختلفة: الأول على صعيد المساعدات الإنسانية للنازحين والناس المحليين (في المنطقة التي جرى النزوح اليها) حيث أن هناك مبلغ مهم مرصود لهذا المجال. المستوى الثاني، أكدنا أننا كلبنانيين نتكلف نفقات إضافية كبيرة بسبب النزوح في حين أن الإيرادات أقل بكثير، ولهذا المجال أيضا طلبت الحكومة الدعم للموازنة. وعلى المستوى الثالث، ضمن مبادرات البنك الدولي لتأمين قروض ميسرة جداً للبنان والأردن وتركيا لتمويل مشاريع أساسية في البلاد نحن أساساَ بحاجة اليها وازدادت هذه الحاجة مع مشكلة النزوح.

هذه العملية تقدر سنويا  بحوالي مليارين ونصف للشق الأول و420 مليون دولار للشق الثاني وحوالي مليار و200 مليون للشق الثالث، وهي أرقام منطقية جداً وليست خارجة عن المألوف. وبناءً على هذه الأرقام، اقتنع المجتمع الدولي ان لبنان لا يسعى الى استغلال المشكلة لتحقيق المكاسب، وكان هناك تجاوب. فمبلغ الـ11 مليار الذي تم الإعلان عنه هو للبلدان الثلاثة: لبنان، تركيا والأردن، وهنا لدينا العديد من الملاحظات: أولاً أن 6 مليار هي للعام 2016، و5 هي للأعوام 2017 و2018، هذه الأموال لاتزال وعود يمكن الوفاء بها ويمكن أن يكون هناك حاجة الى المتابعة. ثانياً، أن هذه المبالغ لم يتم توزيعها بعد على المشاريع ولم تحدد حصة كل دولة من الدول الثلاثة. كما أن هناك خطوات إضافية متممة لهذا المسار، كالإجتماع الذي دعا اليه البنك الدولي والمتمم لاجتماع عمان، الذي حضرته، وسيكون الآن هناك اجتماع أيضا في جدة لعرض الدول لمشاريعها. أما لناحية المكاسب فهي عديدة أبرزها الإعتراف بالدور الكبير الذي يقوم به لبنان في مساعدة العالم، في هذه القضية  نحن اليوم البلد الاول من حيث عدد اللاجئين، المكسب الثاني هو الإلتزامات تجاهنا لنتمكن من تأمين الحد الأدنى للإستمرار في هذا الوضع، أما المكسب الثالث فهو أننا عملياً سنبدأ برؤية مبادرات وإجراءات للدولة اللبنانية لتنظيم هذه العملية، وقد تقدم في مؤتمر لندن مبادرات عدة  منها لتنظيم قطاع التربية ومنها المتعلق بالشؤون الإجتماعية، البنى التحتية وسوق العمل،وما الى هنالك...  

- إذن حصتنا الرسمية لاتزال غير واضحة...

نعم حصتنا لاتزال غير واضحة، ما تم إيضاحه في المؤتمر هو حجم المساهمة العامة المقدمة للدول الثلاث: لبنان، الأردن وتركيا. وكما هي الحال في المؤتمرات المشابهة، دائماً ما يكون هناك وعود بالتمويل في البداية ثم تتم تخصيص مبالغ معينة لمشاريع معينة في أماكن معينة. واليوم علينا المتابعة للحصول على حصتنا وبشكلٍ سريع.

- وماذا بشأن خطة فرص عمل والتي أثارت ردود فعل واعتراضات؟

نعم هناك طلب من عدد من الدول المانحة ان يكون هناك استيعاب للقوى العاملة من النازحين، ولبنان كان موقفه واضح جداً، وهو أننا نريد عودتهم الى بلادهم في أقرب وقت طبعا حين تسمح الظروف الأمنية في سورية وهذا ما هو الأفضل لهم لكن في هذه الاثناء وطالما الأزمة مستمرة لا مانع   لدينا  من الإستفادة من هذه الطاقة البشرية بشكل منظّم من قبل الدولة اللبنانية وتحت أشرافها وفي أطر محددة.

المالية العامة تعاني من ضغط كبير علينا مراقبة  بنية ايراداتنا وكيفية ايجاد الحلول لتفاقم الإنفاق

- بالأنتقال الى الشق المالي عند الدولة اللبنانية أن وزير المالية علي حسن خليل دق جرس الإنذار بشأن الوضع المالي، وفي الوقت نفسه أكد أن ليس هناك انهيار. كيف توضح الأمر؟

أعتقد ان عرض وزير المالية كان دقيقا جداً، أما التوضيح فبخصوص بعض التفاصيل فقط. الإيرادات هذا العام تراجعت لأسباب عديدة :منها أننا في وضع اقتصادي غير سليم أبداً بسبب آثار الأزمة السورية وشبه انعدام النمو،و المضاربة في سوق العمل وبين المؤسسات التي أثرت على السوق، بالإضافة الى خروج الأموال من الأسواق التقليدية باتجاه الأسواق المتطورة، وتراجع التدفقات المالية باتجاه المنطقة جراء انخفاض أسعار البترول، وتراجع بعض القطاعات كقطاع الإتصالات مثلاً وتراجع  بعض الضرائب. وفيما خص الإنفاق، فالعملية تتطور بطريقة لا تتلاقى مع اجراءات تؤمن المداخيل، صحيح أننا قمنا بالتوفير في الفاتورة النفطة لكن الدولة لم تحصل أي شيء من الرسوم عند الإنخفاض، كما أن النزوح شكّل عبئاً على الكهرباء أيضاً باستهلاك إضافي وصل الى 40%، بالإضافة الى الفاتورة العسكرية ايضاً بسبب حالة التأهب الدائمة للقوى الأمنية نظراً للأوضاع الحالية، وفاتورة الشؤون الإجتماعية والصحة والتربية،.....كل هذه الأمور تحتم المزيد من العمل من أجل إقرار الموازنة لتكون عملية الإنفاق (على الأقل) في الإطار الصحيح. كما أننا شهدنا في العام 2015 ارتفاعا لخدمة الدين بسبب المديونية المرتفعة بشكل دائم والمترافقة مع استحقاقات مهمة. النتيجة كانت عجزا مرتفعا.

وعام 2016، كما أوضح الوزير، يتطلب أن نكون يقظين للتطورات، أولاً لأننا لا نزال في الموقع نفسه، ثانياً، لأن الكتل الإنفاقية التي تتألف أولاً من رواتب وأجور، يقع عليها ضغط للارتفاع ليس فقط بسبب سلسلة الرتب والرواتب بل من جراءالتوظيف أيضاً معظم التوظيفات في القوى العسكرية للأسباب التي ذكرتها، ثانياً من خدمة الدين وهي أيضاً مرشحة للارتفاع التدريجي اذا استمرت التحولات على الأسواق العالمية كما هي، وثالثاً من التحويلات لكهرباء لبنان، مع العلم أننا اليوم  بأفضل وضع ممكن بسبب انخفاض أسعار النفط، ولكن بقاء مستوى العجز لدينا على ما هو عليه يعني ويحتم  علينا اتخاذ اجراءات سريعة لمعالجة الأمر. إذاً، المالية العامة تعاني من ضغط كبير نتيجة كل هذه الأمور، وانطلاقاً من هنا يجب ان نراقب بنية ايراداتنا وكيفية ايجاد الحلول لتفاقم الإنفاق الذي لا يأتي بالمردود المتوقع.

- لماذا تلجأ حكومتنا الى فرض ضريبة على المواطن عند مواجهة أي أزمة، مع العلم ان اليوم لدينا وفر بسبب تراجع أسعار النفط يمكننا استخدامه؟

أولاً يجب أن أقول وأوضح انه ليس لدينا وفر فحالة العجز لدينا كبيرة لدرجة اننا لدى اي تراجع في الإنفاق لا نصل الى حالة وفر.

ثانياً، هناك 3 طرق لخلق المداخيل، الأولى هي الضرائب، الثانية هي المداخيل النفطية الأولية الإستخراجية كالبترول والغاز والفحم والذهب ومن هذه الناحية لبنان قادر على التقدم لكن لأسباب عديدة لم يتمكن من ذلك بعد، والطريقة الثالثة هي مردود الأعمال الإستثمارية للدولة من نتفيذ مشاريع لديها مردود على الإقتصاد، وفي لبنان لا نرى اي مشروع يتم تنفيذه بالكامل أو من المؤسسات العامة التي من المفترض ان تأتي بالمردود للدولة، وفي لبنان ما تأتي به مؤسساتنا من مردود لا يعتبر شيئاً حتى قطاع الإتصالات مردوده بمعظمه ضرائب وهذه المؤسسات كلها بحاجة الى مساهمات من الدولة.

- ومتى سيتم إقرار الموازنة؟

سؤال يصعب الإجابة عنه من قبل وزارة المالية، ما يمكننا قوله نحن هو أننا ننجز الموازنة كل عام ضمن المهل الدستورية أي قبل نهاية شهر آب من كل عام. وبخصوص الإقرار نحن لا نعلم ما هو مصير الموازنة لتنوع السيناريوهات التي مررنا بها العام الماضي.

الحسابات العامة أصبحت على وشك الإنجاز الكامل

- أين وصلتم بورشة الحسابات العامة؟

الحسابات العامة أصبحت على وشك الإنجاز الكامل، أنجزنا 7 حسابات كلياً من أصل 10 مع موازين دخول صحيحة منذ 1/1/1993 بمعظمها، وبالرغم من فقدان عدد لا بأس به من المستندات والقيود "العدد المكتبي" لبعض السندات (قبل العام 1997)، أي اننا عندما ننجز الثلاث حسابات المتبقية والتي من ضمنها الحوالات (بالملايين) حسابات العير (بالملايين أيضاً) وحساب القيود (معظم المستندات ليست لدينا وهو سبب التأخير)، نكون أنجزنا عمل أكثر من 21 عاماً، وهذا عمل تأسيسي مهم جداً للمالية العامة.

- وحدة الدين العام هي التي تقوم بهذا العمل؟

كلا، هذا العمل تقوم به فرق 10  متخصصة في وزارة المالية تشكلت منذ أكثر من 3 سنوات، 7 أنجزت عملها في هذا الملف وعادت الى عملها الطبيعي و3 مستمرة بالعمل على هذا الملف.

- وكيف يسير العمل في وحدة الدين العام؟

وحدة الدين العام التي أصبحت مديرية اليوم لإدارة أكبر انفاق موجود بالموازنة، العمل فيها جيد جداً، لأنها ومنذ انشائها حققت انجازات كبيرة منها: أولاً، أنها تمكنت وضع الخطة الأولى والثانية والآن تعمل على الثالثة لاستراتيجية ادارة الدين العام على المدى المتوسط وبسرعة كبيرة، الأمر الذي لم يتمكن أي أحد من قبل من اعطائه للدولة اللبنانية، ثانياً هؤلاء الشباب استطاعوا الحفاظ على مسوى فوائد متدن جداً كما استطاعوا بناء علاقة ثقة قوية جداً مع القطاع المصرفي ومصرف لبنان كما استطاعوا ان "يمدوا" آجال محفظة الدين العام بشكل مهم جداً واستطعنا في آخر إصدار مثلاً تحقيق سندات خزينة للدولة اللبنانية بالدولار لـ20 عاماً، والآن نعمل على اصدارات طويلة الأمد بالليرة اللبنانية وكل هذا يحصل بفضل العمل الجيد لهؤلاء الشباب "موظفي الدولة"، الذين يشكلون فريق من أقل من 10 أشخاص يكسرون الصورة النمطية عن الموظفين الذين يعملون في الإدارات العامة. وهذا العمل يساهم في تخفيض الكلفة على المكلفين اللبنانيين وعلى الأجيال الصاعدة بعشرات لا بل مئات المليارات.

- كنت تعمل على إعادة توزيع الضرائب.

قسم كبير من عملية اعادة توزيع الضرائب قدمه الوزير الى مجلس الوزراء والنواب ضمن اطار تقييم المداخيل لسلسلة الرتب والرواتب، بعد ان كان هناك الكثير من الثغرات في النظام الضريبي والتي تم استدراكها واقتراح الحلول لها. وعملياً هذه الإجراءات تمت مناقشتها في مجلس النواب ووافق النواب عليها، انما صدور القانون كان خلف قانون سلسلة الرتب والرواتب ليتم اقرارهما بشكل متزامن. ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم لم يحصل اي تشريع ضريبي لكن المشاريع موجودة.

نأمل بتحقيق نسبة نمو بين 1.5 و2%

- اليوم نشهد تراجع لكافة القطاعات، عدا القطاع المصرفي، هل سنستمر في حالة التراجع طالما الأزمة السورية مستمرة هل هو قدرنا ؟ وما هي توقعاتك لنسبة النمو؟

بدايةً، لا أحد يمكن ان يتحكم بشيء ، مهما كانت الأزمات يجب علينا ان نستنبط ما يمكّننا من تخفيف  ضررها على الأقل وتحقيق النمو. المشكلة طبعاً هو ان هذا يتطلب ان تكون الدولة اللبنانية بكامل مؤسساتها قادرة على ترجمة نظرة موحدة للوضع القائم عبر اجراءات على الأرض. من الواضح ان المجتمع اللبناني تمكن من استيعاب أعباء الأزمة السورية ولكن هذا لا يعني أن هذا ما علينا فعله فقط، لا بل ان الأمر يتطلب ردة فعل طبعاً، خاصةً مع انعقاد المؤتمرات الشبيهة لمؤتمر لندن في الوقت الذي تمكنت فيه دول أخرى من تأمين مداخيل جيدة لمواجهة الأزمة. بالإضافة الى امكانية تمرير اصلاحات ضرورية يصعب تمريرها في ايام البحبوحة، مثلاً في الدول النفطية اليوم، ومع تراجع اسعار النفط، يفكرون في ادخال اصلاحات لم يفكروا بها في الأيام التي كانت الأسعار مرتفعة فيها.

وردا على الشق الثاني من السؤال عن نسب النمو المتوقعة، أعتقد ان هذه النسب في لبنان أصبحت مرتبطة أكثر بأمور آنية، ونحن لدينا أمل بأن نحقق بين 1.5 و2% ولكن هذا لا يعني انه ليس لدينا فرصة بتحقيق أكثر، وأيضاً هذا لا يعني أننا سنصل الى هذه النسب بالتأكيد. في الوقت الحاضر، السيناريو الموجود يجعلنا نتوقع نسبة الـ1.5%.

- وماذا عن التضخم؟

التضخم ليس مرتفعاً، مع انخفاض الفاتورة النفطية وارتفاع اسعار المواد الغذائية بشكل معقول، كلفة النقل قليلة، كلفة الإيجارات وغيرها مستقرة أو تتراجع.

- هل هناك اصدارات يوروبوندز جديدة؟

بالتأكيد لدينا لكننا لا نعلن عن التواريخ الآن، لدينا حاجات مالية من العملات الأجنبية بالتأكيد علينا تأمينها. عادة في الأعوام العادية، نلجأ الى السوق مرتين أو ثلاثة. ولا شيء خارج عن المألوف هذا العام لذا سيكون هناك اصدارات نعم، لكن لا يمكننا الإعلان عنها الآن.

الضريبة على البنزين لم تعد مطروحة

- هل هناك نية بفرض ضريبة على البنزين؟

ما أعرفه عن الموضوع ان الضريبة لم تعد  مطروحة اليوم ، كان هناك حديث عن هذا الموضوع  نظراً لوضع العجز الذي نعاني منه وهذا طبعاً يتطلب اصلاحات من الحكومة لناحية الانفاق لأنه لا يمكنها فرض ضرائب على المواطنين من دون ان تقوم بدورها. لو اقترنت عملية فرض الضريبة بعملية تصحيح كان يمكننا الإستفادة ولو بنسبة صغيرة من هذا الإنخفاض بأسعار النفط.

ليس هناك اي دولة في العالم لا يكون فيها للسلع الأساسية حداً للارتفاع وحدّاً للانخفاض.

وفي النهاية الوفر للمواطن مع استمرار العجز في الدولة لا يفيده بشيء، لأنه اذا ارتفع عجز الدولة سيرتد الامر على المواطن.

- ماذا عن  الفساد والهدر وآخرها ما تم تداوله عن الصفقات في ملف النفايات؟

نحن كوزارة المالية، المطلوب منا في ملف النفايات هو تأمين الأموال ولكن ما يحكى عن العقود وغيرها ليس لدي رأي كمسؤول. ولكن عن تخفيف الهدر عموماً نحن في مديريتنا مثلاً نتخذ الكثير من الخطوات مثلا لمجرد ان بدأنا بالضرائب الإلكترونية وخدمات المكلّفين ارتفعت مداخيل الدولة بشكل ملحوظ. بالتأكيد كلما توفرت الشفافية في آلية الإنفاق والتعاطي بسلاسة كلما أمنّا مداخيل اضافية، وهنا ندعو الناس للاطلاع على تفاصيل الإنفاق. عندما تعمل المالية العام بشكل صحيح تلزم المديريات العامة بالعمل بشكل صحيح أيضاً. نحن بعيدون جداً عن الوضع المثالي لكن في هذا الإطار هناك معيار واحد هو العمل الدائم لنتقدّم.