رجل لبناني ذاع صيته في الخارج .. لم يكتف بأحلام روتينية صغيرة بل خلق وصنع مسيرة مهنية تختلف عن العاملين في مجاله..  في رصيده 22 اختراع مسجل بإسمه لغاية الآن..

ومن منا كان يتوقع ان صاحب محل اوبتيك نمر من جواره قد يملك كل هذه الطاقات والقدرات

هو محمود الحكيم .. الحائز على جائزة "Brilliant Lebanese Award 2015" من بنك "BLC" وصاحب متاجر Mahmoud Hakim Optical Center بفروعها الـ7 ومؤسس شركة " Eyedeas Smart Optics" العاملة في مجال اختراع تصميم وانتاج النظارات.

كان لـ"الإقتصاد" مقابلة خاصة مع حكيم شرح لنا فيها عن مسيرته المهنية الغنية بالخبرات المتنوعة والرحلات التكريمية الشيقة حول العالم..

-بدايةً اخبرنا اكثر عن طفولتك وكيف ساهمت في بلورة نجاحك اليوم؟

كنت من الطلاب المجتهدين في المدرسة، وكنت اطمح لدراسة الفيزياء النووية، أوالكمبيوتر وتم قبولي في جامعات عالمية خارج لبنان.

ولعائلتنا تاريخ عريق منذ أواخر العشرينات في مجال بيع النظارات، ورث والدي "المصلحة" عن والده  .. مع انه درس الصحافة..

لذا نصحني والدي بالتوجه الى دراسة اختصاص الـ"Optometry "-قياس النظر وصناعة الاجهزة البصرية- مع اني عندها لم اكن املك اي ميول لهذا المسار المهني.. وبعد التفكير المعمقّ قررت خوض هذا المجال.. مع الوقت لاحظت ان لدي العديد من الطاقات والطموح التي اسعى الى إطلاقها بجانب العمل الروتيني..

دراساتي العليا في دول عديدة كفرنسا، ايطاليا وانكلترا سمحت لي بالتعرف على حضارات وثقافات مختلفة ... 9 اعوام من التفاعل المباشر مع هذه الحضارات اضافت الى شخصيتي ومسيرتي المهنية العديد من الامور كالتعرف الى مدارس مختلفة ضمن مجال البصريات والعديد من الخبرات الاخرى..

وبعدها عدت الى لبنان واستكملت دروسي العليا، وفي العام 2000 قمت بإفتتاح اول متجر خاص بي Mahmoud Hakim Optical Center

ولم ادرك حينها اهمية نصيحة والدي بإفتتاح اوّل متجر لي في منطقة الحمراء شارع الجامعة الاميركية في بيروت بالتحديد، لانه كان يعلم ان احتكاكي بالزبائن خاصة الطلاب منهم كان امرا هاماً جداً للطرفين من ناحية سيلاحظ الطلاب ان هذا الشخص لم يرث "المصلحة" عن والده فحسب بل يتمتع بمعرفة واسعة وإطلاع عميق عن باقي المتاجر المماثلة .. اذ ان هذه المنطقة الصغيرة المؤلفة من 500 متر مربع تضم حوالي 12  أوبتيك .. المنافسة عالية بالطبع .. ولكني قبل بضعة ايام من الإفتتاح قمت بزيارة هذه المتاجر كل على حدى وعرّفتهم بنفسي..

-كيف استطعت تأسيس شركتك الخاصة بمفردك وما هي النصيحة التي تودّ توجيهها الى الشباب العازمين على تأسيس مشاريعهم الناشئة؟

في البداية اود التوضيح الى اني منذ صغري كنت اعاني هاجس تجميع اعلى الدرجات بهدف الحصول على منح دراسية، فلم يضطر اهلي من ايام المدرسة وحتى دراساتي العليا الخارجية الى دفع الاقساط... خلال دراستي العليا كنت اعمل بهدف تحصيل اموال إقامتي ومصاريفي الشخصية.. ففي سكوتلاندا على سبيل المثال كنت اعمل في مهنتين مختلفتين واحدة في مجال دراستي والاخرى في مجال آخر بعيد كل البُعد عن علم البصريات، وكان في شركة نفطية..

هذا الامر اضاف الى شخصيتي مزايا مختلفة لم اكن سأكتشفها لو لم أقرر الوصول الى اهدافي بجهودي الخاصة ومن دون الإعتماد على أحد .. لذا اكثر ما يزعجني اليوم هو سماع عبارات كـ"لست قادراً على ..لا استطيع .. ليس باليد حيلة.. "  فانا اؤمن ان "القناعة كنز يفنى" وهنا لا اقصد الطمع! انا ارضى بالوضع الذي انا فيه ولكني لست مقتنعاً به فطموحي لا يُحد .. طموحي دائماً هو سيد الموقف .... فالرضى بالقليل والعمل الى يوم الرحيل.. هدفي هو ان اترك بصمة طيبة بعد رحيلي ..

انا بدأت برأسمال صغير وقد صنّعت المتجر بنفسي .. وبدأت من بضعة نظارات الى ان وصلت الى ما انا عليه اليوم..  

-لم يتوقف طموحك عند افتتاح متجر صغير، هل لك ان تسرد لنا ظروف النقلة النوعية التي تمثلّت بالإنتقال من البيع الى تصنيع وتصميم النظارات؟

بدأت عملي في المحل كأي شخص عادي يستلم البضائع من الموردين الا ان بعد سنوات  قصدني شخص كُسرت نظارة ابنه الصغير مما ادى الى جرح جبينه  وطلب مني نظارة آمنة اكثر للأطفال، عندها توجهت الى موردي نظارات الاطفال لكني لم اجد طلبي فلجأت الى العلامات التجارية الكبيرة المعروفة ولم أنل مرادي ايضاً.. فقررت حينها إختراع وتصميم نظارة تمتص الصدمة مما يتطلب جمع مادتيين مختلفتيين – وانا حاصل على براءة اختراع في مزج المواد المختلفة في لبنان والعالم- يحتاج مزج هذه المواد الى آلة صناعية اضطررت الى اختراعها بنفسي، ومن بعد هذه العملية التي بدأت برسوم نموذجية بسيطة اسست معملي الخاص في الصين لحاجة السوق الى هذا النوع من النظارات، ومن فترة اسست مصنعا اخراً في اوروبا.

وانا اليوم أوّل لبناني يُصنع ويملك معملاً للنظارات عالميّاً...

تسجيلي لبراءة الاختراع في الصين بشكل خاص كان اكبر دليل على حاجة السوق العالمي الى هذا المنتج الذي اطلقت عليه اسم  "Specky".

ولأن "Specky" هو منتج خاص بالأطفال قررت ان احوله الى شخصية قريبة منهم تكون على شكل "الجزر" لانه مفيد للبصر، هدفي من خلق هذه الشخصية هو نشر الوعي بين الصغار في موضوع النظر والفحوصات لذا انا بصدد تكوين سلسلة قصص Specky"  " التي ستتناول مواضيع التوعية حول اهمية فحص العيون، كيفية استخدام الكمبيوتر والآيباد وغيرها بطريقة اقل ضررا على البصر، كما سيعطي "Specky" النصائح الضرورية حول كيفية حماية اعينهم عند ممارسة الانشطة الرياضية المختلفة، وسيتطرق الى موضوع العدسات اللاصقة الى ان يزور جدته في القرية ليتعرف عن سبب ارتداء كبار السن النظارات بطريقة معينة.

حلمي هو توزيع هذه الكتب في المدارس لأن التوعية منذ سنين الطفل الاولى هي بغاية الاهمية..

بعد خلق "Specky" اتضح لي اني املك العديد من الطاقات والمهارات التي اود العمل عليها واكتشفت شغفي في تصنيع النظارات لذا صنعت نظارة "Catalea" للنساء ومنتج آخر تحت اسم "Feder" وهنا ادركت حاجة وضع اسم للشركة كبير يضم هذه المنتجات وكوني املك العديد من الافكار التي اسعى الى تحقيقها والتي تتعلق في مجال العيون قررت ان اسمي الشركة  "Eyedeas".

-ما يُميز منتجاتك الخاصة عن تلك المتواجدة في الاسواق؟

كانت الاسواق العالمية بحاجة الى منتج كـ "Specky" لضمانة سلامة الأطفال، أما  نظارة "Catalea" بما انها مخصصة للنساء فإن مفصلاتها على سبيل المثال مصممة بطريقة تساعد المرأة على وضعها بدون المعاناة مع شعرها، كما انه قالبه لن يتسّع مع الوقت في حال تمّ وضعه على الرأس او الشعر بشكل ادقّ، بالإضافة الى ذلك تتضمن وردة "Catalea" وهي علامتها التجارية كريستال "Swarovski" و على عكس المنتجات الموجودة في الاسواق والماركات العالمية نحن لا نعمل على لصق الوردة التي تتضمن حبات الكريستال الامر الذي يحصل مع باقي النظارات وانما ندعمها بـ"براغي" ايضاً.

نحن نسعى الى تلبية متطلبات الزبائن وحاجاتهم بشكل خاص قبل الاهتمام بإصدار منتجات فقط لغاية التصنيع والانتاج. اهتمامنا بتلبية حاجات الزبون مثلاً دفعنا الى دراسة شكل الوجه والانف للأشخاص في منطقة البحر الأبيض المتوسط الذي يؤثر على وضعية النظارة، تصميمها وشكلها.. بالفعل نحن نلاحق ونرصد اصغر وادق التفاصيل.

-اهتمامك بالجودة العالية يقابله تكاليف انتاج عالية، ما هو الفرق بين اسعار منتجاتكم الخاصة وسعر السوق؟

لا شك ان تكاليف الانتاج مرتفعة الى ان اسعارنا بالنسبة الى النوعية تُعتبر جيدة  كسعر المنتج الايطالي الذي يتمتع بجودة عالية. كما اننا نصنع بعص التصاميم التي تناسب الميزانيات المتواضعة.

-كيف طوّر محمود الحكيم نفسه ليصل الى العالمية؟

تطور عملي عبر اختراع آلاتي الخاصة والعمل عليها لضمان النوعية والجودة المطلوبة، فعملية التصنيع توفر ايضاً من تكاليف الانتاج.

اما وصولي الى خارج لبنان فكان عبر المعارض العالمية التي حضرتها، اذكر جيداً اول معرض لي في ايطاليا الذي كان من شبه المستحيل الانضمام اليه لوجود علامات تجارية كبيرة فيه مثل "توم فورد " ،"فيرزاشي "،"جورجيو ارماني" وغيرها الكثير.. ولكن بعد اطلاعهم على اعمالي سٌمح لي بالمشاركة كأول شخص لبناني وعربي يصنّع و يقدّم نظاراته الخاصة  وفي المعرض حصلت على جائزة افضل نظارة ومن بعدها بت اُدعى للمشاركة في المعارض العالمية.

ومن ثم اتجهت الى معرض ألمانيا الذي ربحت فيه ايضاً جائزة افضل نظارة، ومن ثم حصلت على نفس الجائزة في معرض فرنسا. وقد تم ترشيحي لجائزة "Best Kids Eye Wear  " في دبي لسنتين متتاليتين 2014 و 2015..

اما المحطة التالية فكانت معرض اليابان الذي اختلف تماما عن كل المعارض السابقة، حضره حشد ضخم من كبار مصنعي النظارات والعاملين في هذه المهنة بالإضافة الى وزراء اقتصاد وتجارة. خلال هذا المعرض حصلت على جائزة الـ"Eye Wear of the Year 2015"، وتضمن المعرض Eye of the Year Reception Party"" حيث يقوم وزير الاقتصاد الياباني بإختيار افضل نظارة، افضل آلة تصنيع وافضل زجاج ويرتدي الوزير النظارة الجديدة وكانت المفاجأة ان تصميم النظارة الذي اختاره الوزير كان من تصميمي.

ومن بعد ارتدائه نظارتي اتجه عدد كبير الى القسم المخصص لي في المعرض وسجّلت طلبات حول العالم.

-ما هي ابرز العراقيل التي واجهتها وكيف تخطيتها؟

من ابرز العراقيل التي واجهت مسيرتي المهنية كان الحصول على التمويل،وتخطيت هذه العقبة من خلال خلق الفرص بذاتي، بالطبع اقترضت من البنوك، وبعض مدراء البنوك آمنوا بقدرتي على التسديد من انجازاتي الخاصة. 

-برأيك ايهما اهم الخبرة ام رأس المال المادي؟

انا اعتبر ان الخبرة هي العنصر الأهم لأنها قادرة على تحصيل رأس المال والعكس غير صحيح، فإن لم يتم استغلال رأس المال بالطريقة الصحيحة اما سيخسره الشخص ان كان ملكه وان لم يكن كذلك عندها يكون قد ورّط الآخرين في فشله، على الشخص ان يتحلى بخبرة عالية..

بالطبع واجهت مسيرتي المهنية العديد من الاخطاء ولكني دائما كنت استدرك الامور واحاول تصحيحها، ربما في البدايات حماسي  الزائد وجهني الى قرارات متسرعة كإنتاج كميات كبيرة لا يمكننا تصريفها بالكامل مثلاً.. ولكن مع الوقت يتعلم الانسان العديد من الامور من تجاربه السابقة.

-ما هو حلم محمود الحكيم اليوم؟

اتطلع الى ان تكون شركة "Eyedeas" شركة معروفة ليس في حياتي وانما في جيل اولادي أو احفادي، فانا متأكد انه منذ 20 عاما على سبيل المثال لم يعرف الناس جورجيو ارماني كالآن.. فإذاً المسألة هي مسألة وقت بالإضافة الى احترام النوعية.

-لماذا لم تقرر الاستقرار في الخارج خاصة بعد تكريمك عالمياً؟

في الواقع، شركتي معروفة في الخارج اكثر من ما هي مشهورة في بلدي، ولكني اسعى اليوم الى تأسيس مصنع في لبنان.. اعلم ان هذا الأمر قد يبدو غريباً في ظل الأوضاع غير المستقرة وفي ظل إقفال العديد من المصانع بسبب تعرثها الناتج عن الفساد الذي يؤدي الى زيادة التكاليف كدفع فاتورة الكهرباء الرسمية وفاتورة اخرى لمولدات طاقة.. بدون التطرق الى ذكر الاوضاع الامنية السيئة.. ولكني أؤمن بوطني فكما توسعت في الخارج من الواجب عليّ ان اوسّع اعمالي في لبنان رغم ان كانت كمية الاستهلاك قليلة والضرائب مرتفعة.. ولكن هذا الأمر لا يزال قيد الدراسة لحين التوصل الى المكان الجغرافي المناسب والحصول على التمويل الكافي.

-ما هي مشاريعك المستقبلية التي تتطلع الى إنجازها على المدى القريب؟

اسعى الى ان تكون متاجري محلات  "Franchise"، فإنا اليوم قادر على تزويد "اوبتيك" كامل بمنتجاتي فقط  ابتداءاً من نظارات الاطفال وصولا الى النظارات الشمسية..

أما حلمي الاكبر فهو ان تكون  "Eyedeas" شركة متواجدة بفروعها حول العالم وفي جميع المطارات الدولية، ونقطة البداية كانت عبر تصنيعي في معملي الاوروبي التي اسعى من خلالها الى منافسة السعر الصيني بجودة الافضل.

-كيف تصف تجربتك في مسابقة Brilliant Lebanese Award" " والى اي مدى تعتبر انها اضافت الى مسيرتك المهنية ؟

مسابقة Brilliant Lebanese Award" " كانت منعطفا هاما جداً في حياتي، اذ كانت اضافة معنوية لي خاصة انها الاولى من نوعها في بلدي بعد سلسلة تكريمات في العالم.

بصراحة كنت اشعر بالإحباط جراءعدم تقدير وطني الام للجهود التي كنت ابذلها خاصة بعد توجهي الى عدد من المسؤولين الذين لم ألقَ منهم إلا دعماً شفهياً في حين اني في الوقت نفسه كنت اشهد التسيهلات المشجعة التي حصلت عليها بهدف المثابرة وانتاج اكبر عدد وافضل نوعية من منتجات يحتاجها السوق.. 

وقبل انضمامي الى المسابقة قررت نقابة المهن البصرية تكريمي لأني فزت بـ"Eyewear of the Year" في اليابان ولفوزي ايضاً في جائزة معرض دبي العالمي، ولكن الحضور كان عبارة عن اهلي وبعض الاشخاص العاملين في هذا المجال فقط!! حتى ان الحفل لم يُغطى إعلامياً .. لذلك Brilliant Lebanese Award" " كانت محطة فارقة في حياتي مردودها المعنوي كان اسمى من اي مردود..

كما ان مشاركتي في المسابقة حصلت بالصدفة بعد توجهي الى بنك "BLC" لفتح حساب جديد.. حينها لاحظت الموظفة اني اتحلى بالإمكانيات المطلوبة وعرضت عليّ الإنضمام الى"Brilliant Lebanese Award"  - المسابقة التي ينظمها البنك سنوياً-   وبالفعل هذا ما حصل .. فوزي في المسابقة من بين 194 شركة ساهم في دعمي معنوياً وساعدني على الإنتشار اكثر في لبنان من خلال الوسائل الإعلامية والاعلانية ..