في اول شهر كانون الاول سأل المحلل الرسمي لـ"غولدمان ساكس" ريتشارد رامسدن الحاضرين خلال مؤتمر "غولدمان ساكس للخدمات المالية " عن توقعاتهم لأسهم البنك في العام المقبل. عدد كبير من الحاضرين اعتبر ان وضع اسهم المصرف تعتبر اكثر من جيدة، وفيما بعد كتب رامسدن ملاحظة ذكر فيها ان سبب تفائل العديد من الاشخاص يعود الى المنحى التصاعدي لاسهم البنوك.

ولكن ما كتبه رامسدن لم يتطابق مع ما حصل في الايام التي تلت...

فكان اداء اسهم البنوك في الاسواق المالية في بداية شهر كانون الاول الاسوأ، اذ ان المؤشر المصرفي " KBW" انخفض بنسبة 26% من أعلى مستوياته في شهر تموز من العام الماضي.

وكانت اسهم مصرف "أميركان اكسبرس" الاسوأ اداءاً ضمن  مؤشر " داو جونز الصناعي" الذي يضمّ 10 اسهم تابعة لمصارف اخرى، فتراجع سهم المصرف بنسبة 24%، اما اسهم اسهم "غولدمان ساكس"  فانخفضت بنسبة 28%. في التفاصيل بلغت نسبة التداول في سندات بعض الشركات المعروفة مثل "أميركان اكسبرس" و متاجر التجزئة" نيمان ماركوس" 30% من قيمتهم الأصلية.

وتشكل اسعار الفائدة مصدر القلق الاساسي للمستثمرين في البنوك، خاصة ان الفرق بين سندات الخزينة الطويلة والقصيرة الاجل بدأ بالتقارب، التي من شانها ان تؤثر سلباً على الارباح المحققة من القروض.

ولكن في الواقع ليس هذه هي المشكلة الاساسية التي قد تواجهها البنوك الكبيرة،  فرئيس قسم الأبحاث في "بوتيك المصرفية الاستثمارية" فرد كانون يقول أن معظم البنوك الكبيرة تحصل على أقل من 50% من عائداتها من إيرادات الفوائد. كما ان قروض الرهن العقاري، التي ترتبط بمعدلات الخزانة الطويلة الأجل، اصبحت أقل أهمية بالنسبة للبنوك الكبيرة مما كانت عليه من قبل.

من جهة اخرى، بات موضوع اقراض الشركات من ابرز الركائز الاقتصادية للبنوك هذه الايام، والبرهان على ذلك هو ان اكبر 6 بنوك خصصت ما يزيد عن 707 مليار دولار لإقراض الشركات ، وقد تزايد هذا الرقم على مدى السنوات الماضية بوتيرة اسرع من الرهون العقارية أو فئات الإقراض الأخرى. ولكن قيمة قروض الشركات التي ترتبط بالعوائد تراجعت في الآونة الأخيرة. وفي معدل متوسط يصل العائد المرتفع على  السندات الى حوالي الـ 86 سنتا لكل دولار، مما يعني انه من المتوقع ان تخسر القروض بنسبة 14%.

ولم تتعرض اسهم الشركات الكبيرة لأي ضغط حتى الآن، ولكن هذه الشركات في الاغلب عادة ما تقترض من سوق السندات. ومن جهة اخرى تعتبر البنوك في حالة اكثر خطورة لانها تعطي قروضاً للشركات المتعثرة و الصغيرة. وبحسب استنتاج كانون فان متوسط جودة الائتمان لمحفظة إقراض البنوك الكبرى ربما يقع في منتصف الطريق بين الديون ذات العائد المرتفع ودرجة الاستثمار.

وبالاستناد الى ذلك،  انخفض متوسط القروض المصرفية بنسبة 5%، ولكن نظراً لقانون الحسابات لا تحتاج البنوك لتسجيل هذا الانخفاض بل الانتظار على امل ان يتم تسديد الاموال التي تم اقراضها وفي هذه الحالة لن يواجه البنك اي خسارة. وبالنظر الى التداولات الحديثة يُقال ان 5% من الشركات المقترضة ستصل الى الإفلاس، ما يقدر بـ 35 مليار دولار. وفي حال تدهور الوضع الاقتصادي ستزيد الخسائر بشكل اكبر. ونضع في اعتبارنا أن هذه الخسائر المحتملة تأتي في الوقت الذي تخصص فيه البنوك فقط 1.4% من احتياطاتها من اجل تغطية محفظة قروضها.

وما يزيد الامر سوءاً هو ان 50% من ايرادات الشركات غير المصرفية تتراجع. اذ بلغت نسبة إصدار الديون 30% مقارنة بالعام الماضي، وتراجعت الاسهم 25%كما ان تم ايقاف الاكتتاب في الأساس، كذلك هبطت صفقات الاندماج والاستحواذ بنسبة 20%.

في حين لا تزال البنوك تراكم مستويات رؤوس أموالها من أجل الامتثال للقواعد الجديدة التي ستدخل حيز التنفيذ في 2019، ولكن البنوك الأكثر تضررا هي البنوك الاوروبية. فعلى سبيل المثال " دويتشه بنك" سيكون لديه 24 مليار دولار بعد الارباح وإعادة شراء على مدى السنوات الثلاث المقبلة لانه يأمل في تلبية معدل الاقراض الذي يتجسد بـ 5%.

ومن المرجّح ان المصرف يستثمر رأسماله بالطريقة الخاطئة في السنوات القليلة الماضية مما ادى الى خسائر  قُدرت بـ7 مليار دولار في العام الماضي. كما ان اسعار الفائدة السلبية في اوروبا تجعل من زيادة ارباح البنوك امراً صعباً .

وفي ظلّ كل هذه الظروف يبقى المستثمرون في السوق الاوروبية هم الاكثر توتراً بشكل خاص.

فانخفضت اسهم "دويتشه بنك" أكثر من 35% هذا العام، أي أقل من فترة الانخفاض التي حصلت خلال الأزمة المالية العالمية. وقد اعلن وزير المالية الالماني في الفترة الاخيرة ان " دويتشه" :"لا يعاني من اي مشاكل" ولكن بالطبع لا تأخذ هذه الشهادة بعين الإعتبار لأنه ليس من مصلحة الوزير الالماني ان يُقلق المستثمرين في البنوك الالمانية بشكل خاص.

ولكن المشاكل في الولايات المتحدة متواجدة ايضاً، ويعتقد المستثمرين انهم سيواجهون خسائر اكثر بكثير من ما هو متوقع حالياً.