في ظل الحديث عن ماليتنا العامة على مدار هذا الأسبوع وعن الحذر الذي يجب ان تتوخاه حكوماتنا تتزايد التساؤلات عن مصير هذا الإقتصاد الذي يزداد هشاشة يوماً تلو الآخر. أشار وزير المالية مؤخراً الى ان "انفاقنا يزداد بشكل تدريجي في مقابل ثبات الواردات وهذا ما يرفع حجم العجز ونحتاج في المرحلة الأولى لتحقيق حد أدنى من التوازن بتجميد الخلل في العجز ريثما نتمكن من تحقيق إصلاح حقيقي يؤمن زيادة الواردات في مقابل تخفيف حجم العجز". كما اعتبر أن استمرار التوظيف من دون تحسين الواردات سيؤدي الى مزيد من العجز نظراً الى الخلل بين الإنفاق المترتب على التوظيف وبين الواردات.

إذاً، بدأت أجراس الإنذار تقرع "وفقاً لما يقوله الوزير"، ولكن هل من خطوات تهدف الى الحل؟؟!

وضع المالية العامة في العام 2016 مأزوم في ظل غياب الموازنة، عدم اعتماد آليات انفاق مدروسة وعجز مستمرّ في مسار تصاعدي. كلام يبدو مألوفاً جداً لجميع اللبنانيين، فما الذي دفع وزير المالية لأن يقرع هذه الأجراس؟ هل أصبح الوضع خارجاً عن هذه السيطرة؟ للإجابة عن كل هذه الأسئلة كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع كبير الاقتصاديّين ورئيس قسم الأبحاث لدى "بنك عوده"، د.​مروان بركات​:

- ما هو رأيك بما يتم تداوله اليوم عن ان الوضع المالي للدولة على الحافة؟

لا شك بأن نسب الدين والعجز عاليتين بالمقارنات العالمية. نسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي وصلت الى 130% ونسبة العجز من الناتج المحلي الإجمالي هي 6.5%، هذه نسب من الأعلى في الأسواق الناشئة، لكن هذا لا يعني انه سيؤدي الى أزمة مالية في البلد لعدد من الإعتبارات:

1- نسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي منذ 10 سنوات (2006) كانت 185% ونسبة العجز كانت 15%، والبلد تمكن من المحافظة على استقراره المالي والنقدي. وفي تلك الفترة شهد لبنان ارتفاعاً بودائعه بنسبة 7%، تعزيزا لاحتياطات مصرف لبنان، فائضا بميزان المدفوعات نتيجة ارتفاع الأموال الوافدة. لم يكن لدينا مناخ للأزمة بالرغم من ان نسب المالية العامة كانت أسوأ بشكل لافت من النسب الحالية.

2- اليوم عندما نتكلم عن الثقة الائتمانية للدولة اللبنانية يجب الأخذ بعين الإعتبار انه لدينا احتياطات، ما بين عملة أجنبية وذهب، تشكل 47 مليار دولار، 37 مليار عملة أجنبية و10 مليار ذهب، ما يشكل مرتين حجم الدين بالعملات الأجنبية (28 مليار دولار). لذا، ليس لدينا قدرة ائتمانية سلبية.

3- اذا أخذنا كل دين الدولة اللبنانية بالليرة والدولار (70 مليار دولار)، موجودات الدولة ما بين ممتلكات واحتياطات وودائع (حسابات دائمة لدى المصارف ومصرف لبنان) تصل الى رقم يفوق الـ100 مليار دولار، أي ان لديها موجودات أكثر من المطلوبات رغم الزيادة باستدانتها خلال العقدين الماضيين.

4- بنية الدين اللبناني تتحسن ما بين الليرة والعملات الأجنبية، أي ان بنية الدين منذ 10 سنوات كانت لصالح العملات الأجنبية 52%، واليوم انخفضت هذه النسبة الى 38% ما يدل على ارتفاع حصة الليرة، علماً ان الدولة في هذه الحال لديها سيطرة أكبر على الإستدانة بالليرة اللبنانية لأنها ستكون قادرة على طباعة العملة أو خلق نقد وتنقيد التزاماتها بالليرة.

وأود الإشارة هنا الى انه على المدى البعيد، موضوع المالية العامة ستتم مواجهته بقدرات نفطية (الغاز والنفط) في البلد. بناءً على تقديرات متحفظة، مخزوننا من النفط والغاز يتعدى الثلاث مرات حجم الدين العام للبلاد، الأمر الذي سيؤدي الى الهبوط الآمن للمالية العامة. لكن المحزن في هذا الموضوع، ان نستمر في تأجيل مسألة مهمة كهذه. نحن بانتظار مرسومين من قبل مجلس الوزراء: الأول ترسيم البلوكات البحرية والثاني اتفاقية الإستكشاف والإنتاج بين الدولة والشركات النفطية. حتى الآن بات لدينا بيئة تنظيمية في ظل وجود قانون في البرلمان بهذا الخصوص وهيئة إدارة قطاع النفط ومناقصة تم اطلاقها لكنها بحاجة الى اقرار هذين المرسومين من قبل مجلس الوزراء ليتم اغلاقها والبدء بمرحلة الإستكشاف.

- على المدى القصير، ما هي الخطوات التي يجب على الحكومة ان تتخذها بهذا الخصوص؟

أولاً، تعزيز الإيرادات عن طريق تحصيل الضرائب التي لا يتم تحصيلها وليس بفرض ضرائب جديدة كضريبة البنزين التي تم اقتراحها في الوقت الذي نشهد فيه تباطؤاً اقتصادياً. ونحن في قسم الأبحاث في "بنك عوده" نقدّر هذه الضرائب (التي لا يتم تحصيلها وتتألف من ضرائب الدخل، الضرائب العقارية، الكهرباء وضرائب أخرى...) بـ3 مليارات دولار، في دولة عجزها الكلي يبلغ 3.5 مليار دولار. ثانياً، التقشف بقدر الإمكان على صعيد النفقات الجارية وليس الإستثمارية، بنسبة لا تقل عن نسبة الـ25%.

- هل صحيح ان المصارف تطالب برفع الفوائد على سندات الخزينة اللبنانية للإستمرار في تمويل الدولة؟ والى اي مدى قد تساعد هذه الخطوة في تحسين الوضع المالي؟

برأيي، لا مفر على المدى المتوسط من ان ترفع الدولة الفوائد تماشياً مع الإرتفاع الذي نشهده في الخارج. فمن المتوقع ان يرتفع "الليبور" بنسبة 3% على ثلاث سنوات متتالية. وبالتالي، الهامش الموجود بين لبنان والخارج سينخفض بشكل لافت، ولنتمكن من المحافظة على قدرة الدولة باستقطاب الأموال والإستثمارات بسندات الخزينة، لا مفر من رفع الفوائد.