مع بداية العام 2016 يكاد معظم بلدان العالم يئن سواء تحت وطأة حروب عسكرية مدّمرة  واما ازمات اقتصادية خطيرة ، لا يستطيع احد ترّقب نتائجها وسط عملية  صعبة في خلط الاوراق السياسية والجغرافية  في المنطقة التي تشتّتت فيها  البراكين.

لطالما كانت السياسة ترسم خريطة الاقتصاد، ولكن اليوم الاقتصاد بدأ يغيّر السياسة ويرسم السناريوهات المرّكبة على اسس يدخل في صلبها  قطاع النفط، والمواد الاولية وصولاً الى الغذاء وما يواكب ذلك  من عالم شاسع من الاعمال .

العام 2015 شهد سلسلة تطورات اقتصادية ؛ السلبية منها طغت على الايجابية .

وبعض المحللين يؤكدون أن المشاكل الاقتصادية في العالم العربي ستواصل تزايدها في عام 2016 بدلاً من تحسن الأوضاع.  ويتصدر هذه العوامل انخفاض أسعار النفط، والفشل المتواصل في تنويع مصادر الاقتصاد، واستمرار الحروب الأهلية وتأثيراتها الممتدة، وتدني مستوى الفرص التعليمية.

أما أبرز التحديات التي تواجهها بعض دول المنطقة، فيتمثل في قضية اللاجئين التي ستشكل مزيداً من الضغوط الاقتصادية على دول مثل لبنان والأردن وكردستان وإمكانية توسعها لتشمل تونس ومصر وتركيا وإيران.

اما في لبنان فالترّقب سيّد الموقف في السياسة كما في الاقتصاد.

واذا كانت السياسة الداخلية رهينة التجاذبات الاقليمية والدولية كيف سيكون الاقتصاد هذا العام من منظار قطاع الاعمال؟

فؤاد زمكحل

رئيس تجمع رجال الاعمال اللبنانيين الدكتور فؤاد زمكحل يقول "للاقتصاد":

قبل الترّقب بما سيكون عليه العام 2016 يجب تقييم المستجدات السلبية والايجابية في العام 2015 . ومن الواجب ان نكون متفائلين ولكن ايضاً  واقعيين.

العام 2015 كان من اسوأ السنوات في تاريخ الاقتصاد والوضع الاجتماعي والمعيشي منذ عقود. والارقام المتوافرةعلى مستوى النمو ، البطالة و تراجع الاستثمارات تلحظهذا الشيء.

كما ان الفراغ الرئاسي الذي بدأ في آيار 2014 تكرّس في 2015 وانسحب شللا ً في الحكومة حيث غاب اتخاذ القرارات من قبل السلطة التنفيذية بشأن كافة المواضيع المعيشية والاقتصادية واهمها قضية النفايات .

وفي موازاة ذلك ، فان الضغوطات التي حملناها الى السطة التشريعية دفعت بمجلس النواب لاقرارمجموعة من القوانين المصرفية التي ساهمت في تعزيز الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني وبسمعته فضلاً عن منعادراجه على اللائحة السوداء للدول غير المتعاونة في مجال مكافحة عملية تبييض الاموال وجرائم  تمويل الارهاب.

ولا يجب ان ننسى اننا نعيش وسط تراجع اقتصادي منذ 4سنوات، حيث الركود هو سّيد الموقف في معظم القطاعات، كما ان  وصول النمو الى نسبة 0،1% هو امر مقلق في بلد كلبنان ليس عنده اي مواد اولية لابل يقوم على  قطاع الاعمال . البطالة تخطّت نسبة 25% ، وتراجع فرص العمل بشكل مضطرد بات مشكلة مستعصية.

الا انه في المقابل ، تميّز العام 2015 بحراك مدني ناشط في الشارع ، رفع مطالب المواطنين الحياتية المحقّة التي تؤمن العيش الكريم واللائق . وهي مطالبنا كرجال اعمال،  ولكن للاسف هذا الحراك اخذ منحا سياسياً الى ان انطفأ .

ولفت الدكتور زمكحل الى نقطة ايجابية تميّز بها العام 2015 وهي الالتفاف الشامل حول الجيش اللبناني والقوى الامنية مما سمح بتحقيق الاستقرار . هذه الخطوة يجب التعلّم منها والاسراع في وضع خطة  اقتصادية انقاذية طارئة.

وقال: اقليمياً، لاول مرة تشهد المنطقة 4 حروب كبيرة . فنحن على بركان من هذه الحروب الموزّعة في كل من سوريا ، العراق ، اليمن وليبيا. فضلاً عن الحرب الباردة بين السعودية وايران من جهة ،وبين القطبين وهما الولايات المتحدة الاميركية وروسيا من جهة اخرى.

هذا التشنّج الدولي والاقليمي لا يمكن ان يكون لبنان بمعزل عنه.

كل هذه المجريات تواكبنا في لبنان منذ العام 2015 واذا لم يعمل على معالجتها فمن المؤكد ان العام 2016 سيكون تكملة للعام 2015.

وعن الصدمات الايجابية التي من شأنها تحريك العجلة الاقتصادية وتحقيق النمو فلفت الى امور اهمها:

1- ايجاد حل لمشكلة الفراغ الرئاسي . وما شهدناه منذ فترة قليلة من اجواء اتفاق وتفاهم بين الفرقاء يترك اصداء ايجابية . ونحن كرجال اعمال مرشّحنا هو لبنان والاستقرار . ونأمل ان ينسحب انتخاب رئيس للجمهورية الى حكومة جديدة وبالتالي الى قانون انتخابي جديد ، وذلك ضمن سلة متكاملة من رأس الهرم الى مجلس النواب ضمن الحلقة الدستورية التي يجب استعادة دورها.

كما يجب الاستعداد لتلقّف نتائج اي عملية سلام مقبلة في المنطقة . فالايادي السوداء التي اعدت ملف الحروب لا بد وانه تقف في وجهها اياد خيّرة تحضّر للسلام الآتي لامحالة. واذا بدأت ملامح الحلول الاقليمية في 2016 فان هذا كاف لزرع الصدمة الايجابية في لبنان كما في المنطقة. فاجتماعات جنيف المكثفّة تشير الى اتفاق لحل النزاعات  مما يعني وجوب الاستعداد لاقتناص الفرص الاقتصادية بعد حلول الاستقرار السياسي.

2- واذ اننا كرجال اعمال ننظر دائماً بتفاؤل الى  العام 2016 ،فاننا نتمنى على كل من وزير المال وحاكم مصرف لبنان ضخ الاموال اللازمة للشركات التشغيلية اسوة بقطاع الاستثمار مما  يؤمن الدعم المطلوب  ويسمح لنا بالتحرّك بسهولة اكبر.

محاذير في وجه الانفتاح

وعن محاذير انفتاح قطاع الاعمال اللبناني على الخارج اعتبر الدكتور زمكحل ان رجال الأعمال والمستثمرين اللبنانيين يدفعون ثمن التوترات الداخلية والإقليمية التي لا دخل لهم بها.

واذ تمنى معالجة كل هذه التوترات بعيداً عن الاقتصاد وعالم الأعمال، اشارالى أن وجود اللبنانيين في كل دول العالم هو نتيجة توّفر الفرص فيها، علماً ان الفائدة مشتركة تهدف الى تآزر وتكامل مع رجال الأعمال المحليين.

وقال :بعد توقيع الإتفاق النووي بين إيران ودول 5+1  ورفع العقوبات قمنا بالإنفتاح على ايرانوعلىهذا السوق النامي، الا اننا فوجئنا بالتوترات الإقليمية الجديدة غير المتوقعة. هذه التطورات تحبس أنفاس قطاع الأعمال اللبناني الذي أبدى حماسة لافتة لولوج الأسواق الإيرانية العملاقة بعد رفع العقوبات.

وشدد زمكحل على انه على رجال ألاعمال اللبنانيين الالتزام بالوقوف دائماً بعيداً عن التوترات السياسية الداخلية الإقليمية والدولية. واكد ان خيار الحياد ينطلق من إحترامنا لسياسات الدولة كافة، علماً أن إتجاهنا دائماً إقتصادي، تجاري واستثماري بإمتياز، لكننا مضطرون الى الأخذ في الإعتبار التوترات السياسية للمحافظة على علاقتنا مع كل بلدان العالم.

وأضاف: منذ اليوم الأول لهذا التوتر، ونحن نترّيث، نراقب، ننتظر ولا يمكن، ولا نريد، وليس هدفنا ان نأخذ موقفاً مع خط ضد الآخر. وننتظر ان تمرّ هذه الغيمة السوداء لنعاود ما كنّا قد بدأناه.

نعم، انها غيمة سوداء تمّر ببطء وتحدث اما التراجع واما الانكماش الاقتصادي القوي، ولكن في صفحات التاريخ مدّونات تشير الى انه بعد مرورها سيكون الانفراج الحتمي المنتظر والرابح من يحصّن نفسه بالصبر والحكمة وعسى ان يكون ذلك في القريب.