مع اقتراب شهر كانون الثاني وهو الشهر الاول من العام 2016  على الانتهاء، دخل عنصر جديد على ملف ترحيل النفايات بتقديم شركة جديدة عرضا ً اقل عن سابقاتها  اتضح  معه ان هذا  الملف هو الاكثر تعقيداً وغموضاً .وبات امر الترحيل  معه اضحوكة كي لا يقال انه تمويه كان يراد منه إسكات الشارع وإطفأ النقمة، مع العلم المسبق ان هذا القرار المكلف شكّل ابغض الحلول حسب ما جاء على لسان معظم المسؤولين . وفي الاسبوع الفائت ، اطلّ وزير الزراعة المكلف بملف النفايات اكرم شهيب ليعلن أنه يوم 6 شباط هو موعد توقيع العقد مع شركة ترحيل النفايات، وفي 28 منه سيتم أمر المباشرة بالعمل. واعتبر شهيب أن خطة النفايات التي تم  التشاور حولها مع كافة القوى السياسية، أسقطت في ليلة سوداء لأسباب ليس لها علاقة بالبيئة، بل لحسابات الطوائف والمصالح والسياسة.

واذا كان ترحيل النفايات مسرحية مؤلفها ومخرجها اهل السلطة والمنتفعون فان مشاهدوها هم الشعب اللبناني. والى جانب ذلك، و بعد انسحاب الشركة الهولندية  المصدرة وبقاء الشركة البريطانية  تظل ّ الوجهة طي الكتمان  حتى تاريخه.

ومن المعلوم ان  جلسة مجلس الوزراء قد أقرّت في 20 كانون الأول 2015 قراراً يقضي بإعطاء الشركتين اللتين انحصرت المناقصة بينهما مهلة شهر لتحديد وجهة النفايات وموافقة الدولة المصدرة لها، تحت طائلة خسارة الكفالة المصرفية المحدّدة بمبلغ 2.5 مليون دولار.

ومع استبعاد  إمكانية إزالة النفايات  وفق الآلية  المنصوص عليها في الخطة بأقلّ من شهرين، «لأن عمليات التوضيب والعصر واللف والنقل على البواخر تفرض تطوير معملَي العمروسية والكرنتينا، وهذا لم يحصل حتى الساعة يبقى السؤال هل ان عملية الشحن بالبواخر قابلة للتطبيق؟

مصادر مطلعة اكدت لـ"الإقتصاد" ان قبل الشحن البحري هناك  كلفة للنقل من معامل الفرز في كل من معامل الكرنتينا والناعمة والعمروسية .فالكلفة  من معملي العمروسية والناعمة هي بحدود 200دولار للطن ومن الكرنتينا بحدود ال 100دولار . واوضحت المصادر نفسها انه اليوم لايوجد اي خط ملاحي قادر على تأمين شحن اكثر من100طن يومياً من النفايات.

ايلي زخور

اما رئيس الغرفة الدولية للملاحة في مرفأ بيروت ايلي زخور فيؤكد "للاقتصاد"  أن قطاع النقل البحري والعاملين والمتعاملين مع مرفأ بيروت ومن ضمنهم الغرفة الدولية

للملاحة في بيروت، عقدوا اجتماعات عدة جرى خلالها مناقشة مشكلة النفايات وانعكاساتها السلبية على قطاع النقل البحري، لا سيما بعدما  تحوّل مدخل مرفأ بيروت في منطقة الكرنتينا الى مكب لنفايات العاصمة.

فقد أعلن الذين شاركوا في تلك الاجتماعات أن مدخل مرفأ بيروت أصبح منطقة موبوءة بسبب جبل النفايات القائم بجانبه، حيث تفوح منه الروائح الكريهة وتغطيه الحشرات والذباب الناقلة للأوبئة والامراض، علما أن أكثر من 10 آلاف شخص يدخلون الى المرفأ ويخرجون منه يوميا، عدا عن 1700 شاحنة تتناوب على نقل البضائع.

وقال : جرى التحدث مع الوكلاء البحريين  بشأن نقل النفايات بحرا عبر الرئيس المدير العام لمرفأ بيروت المهندس حسن قريطم، الذي أبلغنا أن الحكومة تعتزم ترحيل النفايات ضمن المستوعبات. ومن شبه المؤكد أن تكون مستوعبات مفتوحة السقف (open top) لتسهيل عملية توضيب النفايات في داخلها.

أما الآلية المطلوب اعتمادها، فتتلخص بأن تكون الحاويات جاهزة مسبقا، لكي يتم نقلها بالشاحنات من مرفا بيروت  الى أماكن الفرز لتحميلها بالنفايات بإشراف خبراء معينين من قبل شركة مراقبة معترف بها دوليا، لمراقبة عملية التحميل ولتفادي تحميل معها مواد خطرة أو سامة ممنوع شحنها حسب القوانين المعمول بها دوليا. ثم تعاد الحاويات المحملة بالنفايات الى المرفأ بانتظار شحنها على متن الباخرة.

ووفق المعلومات فإن الكمية المتفق على تحميلها يوميا بغية شحنها تقدر بـ2500 طن.

ولفت زخورالى أن تنفيذ قرار الحكومة بترحيل النفايات الى الخارج ضمن الحاويات متوفر، مع وجود محطة الحاويات المتطورة في بيروت التي أصبحت تتعامل مع أهم الخطوط البحرية العالمية، والتي بدورها تربطه بمعظم المرافئ في العالم.

الا  انه في حال سيتم ترحيل النفايات الى مرفأ لا تتعامل معه الخطوط البحرية، فمن واجب الجهة التي تم الاتفاق معها على تنفيذ عملية الشحن،  أن تؤمن البواخر والحاويات المطلوبة، ضمن برنامج ومواعيد محددة ومتفق عليها مع مجلس الانماء والاعمار الممثل الرسمي للحكومة اللبنانية.

كلفة الترحيل

أما بخصوص الكلفة، فأعلن أن وزير الزراعة المكلف من قبل الحكومة بملف النفايات حدد الكلفة الاجمالية بحوالي 195 دولاراً للطن الواحد من ضمنها 125 دولاراً للطن الواحد لأجور الشحن البحري من مرفأ بيروت الى مرفأ في بلد ما يزال مجهولا!

وأضاف زخور: في مطلق الاحوال أن تلك الكلفة كبيرة جدا تفوق قدرة بلد كلبنان على تحملها، فهو يئن من عبء ديونه المتراكمة التي تفوق الـ70 مليار دولار والمستمرة بالارتفاع نتيجة الفوائد التي تتراكم وتقدر بأكثر من 3 مليارات دولار سنويا. نعم نحن مصدومون بقرار الترحيل الذي "لا يركب على قوس قزح" في بلد غارق حتى أذنيه بمشاكله المستعصية والمزمنة من مالية، اجتماعية، سياسية وأمنية. ومما يزيد الطين بلة، تحميله تلك المئات من الملايين من الدولارات الاضافية سنويا ككلفة لترحيل النفايات.

وتابع زخور: السؤال البديهي الذي يفرض نفسه كيف تستطيع حكومة لبنان تأمين الاموال لتغطية تلك الكلفة الباهظة لترحيل النفايات، في حين أنها غير قادرة على تأمين أبسط سبل العيش للشعب اللبناني ويتهرب مجلس النواب من إقرار سلسلة الرتب والرواتب لمستحقيها من الموظفين والعسكريين؟ نعم كيف نؤمن الاموال لتغطية تلك الكلفة ولا يرّف جفن للمسؤولين وهم يعرفون أن أكثر من 35 بالمئة من الشعب اللبناني يعيش تحت خط الفقر، وأن نسبة البطالة تجاوزت الـ35 بالمئة، وأن الآلاف من الشباب والشابات المتخرجين من الجامعات يغادرون البلد سنويا نظرا لانعدام فرص العمل!

صمت الهيئات الاقتصادية

وأضاف: والمستغرب أيضا الصمت المطبق للهيئات الاقتصادية التي كانت تهدد بالويل والثبور وعظائم الامور كلما لوّح مجلس النواب بإقرار سلسلة الرتب والرواتب، بحجة أن الوضع الاقتصادي الذي تتخّبط فيه البلاد لا يسمح بتحميل خزينة الدولة كلفة هذه السلسلة، في حين لم نسمع صوتا واحدا من تلك الهيئات يعترض على قرار الترحيل الذي سيحمل الخزينة مئات الملايين من الدولارات سنويا !

والمضحك المبكي أيضا أنه في حين كان وزير البيئة محمد المشنوق يعلن "أن نتائج المناقصات لادارة النفايات وصلت الى خاتمة سعيدة وفتح المجال لتحقيق النظافة في لبنان"، اجتمع مجلس الوزراء وأعلن على أثرها وزير الاعلام رمزي جريج أن وزير البيئة نفسه محمد المشنوق "قدم مداخلة اعتبر فيها أسعار الشركات الفائزة بالمناقصات مرتفعة، وبناء على اقتراحه حسب ما نقل  قرر مجلس الوزراء إلغاءها!"

وتساءل زخور: هل أن قرار الترحيل بالكلفة الباهظة والاكبر من تلك التي تستوفيها سوكلين هو لتبرئة  هذه الاخيرة والقول لها شكرا ومن ثم تجديد العقود معها في حال فشل تنفيذ قرار الترحيل؟

وأضاف: إن ما شهدناه وما نزال، فضيحة موصوفة لم يعرف لبنان مثيلا لها حتى تاريخه! أما عن الحل الأمثل لمشكلة النفايات في حال لم تمر صفقة الترحيل التي ستزيد كلفتها غير المسبوقة اللبنانيين فقرا، فدعا زخور الى الحلول المعتمدة في الدول المتطورة التي ترى في نفاياتها مصدر نعمة وبحبوحة اقتصادية. فهذه الدول تعتمد الفرز من المصدر (المنزل، المصنع، المدرسة، جامعة وكل مكان ينتج نفايات) ومن ثم إعادة تحميلها الى محطات الفرز قبل انتقالها الى المصانع لإعادة تدويرها أو إعادة استعمالها. ويعتبر تحويل النفايات الى طاقة أحد أهم خيارات الطاقة البديلة القوية والفعالة لتقليل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، علما أن 4 أطنان من النفايات تساوي طنا واحدا من البترول، وطنان من النفايات يساوي طنا واحدا من الفحم.

واشار زخور الى إن مشاريع عدة نفذت ويجري تنفيذها في العالم العربي لتحويل النفايات الى طاقة كهربائية، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر دولة الامارات العربية المتحدة التي تقوم عبر محطة حرارية بقوة 150 ميغاواط بمعالجة 6500 طن من النفايات يوميا، وشركة ابو ظبي الوطنية للطاقة بمحطة حرارية بقوة 100 ميغاواط تقوم بمعالجة حوالي مليون طن من النفايات سنويا، والبحرين بتطوير محطة حرارية بقوة 25 ميغاواط عبر معالجة حوالي 390 ألف من النفايات سنويا.

وذكّر زخور ان قرار ترحيل النفايات لا يشمل النفايات المرمية على ضفاف الأنهر والوديان والشوارع منذ اكثر من حوالي 6 أشهر، لأنها لم تعد صالحة للتصدير بسبب تحللها، وبالتالي لم يعد بالإمكان فرزها وتوضيبها. كما أن من الشروط الأساسية للترحيل الى أي بلد، هي أن لا تتضمن النفايات المرحّلة مواد خطرة أو سامة، لأن في حال وجودها تتحمل الدولة المصدرة مسؤولية إعادة النفايات الى مصدرها وليس الشركة التي تقوم بعملية الترحيل.

وفي ضوء المعطيات المتوافرة حتى تاريخه ، والغموض المواكب لقرار الترحيل اصبح موكداً ان هناك قطبة مخفية في ملف الترحيل لن يتم الكشف عنها في هذه المرحلة بانتظار اكتمال عناصر الصفقة المعقودة التي تفوق رائحتها رائحة النفايات .