منذ خمسة عشر عاماً دخل مفهوم جديد على واقع السياحة في ​لبنان​، وهو مصطلح "السياحية البيئية" الذي بدأ يشق طريقه بقوة لتصبح هذه السياحة مورداً إقتصادياً مهماً للبنان، لا سيّما أن موسم السياحة العادي المعتمد على الفنادق والمطاعم والملاهي الليلية والحفلات كان متراجعاً جداً في الموسمين الأخيرين، لدرجة أن هناك عددا من الفنادق والمطاعم أقفلت أبوابها وصرفت موظفيها بسبب تردّي الأوضاع الإقتصادية.

مما لا شك فيه أن لبنان كان يحتل المرتبة السياحية الاولى في العالم العربي والشرق في العام 1975، بحسب تقارير عالمية في هذا الشأن،  إلا أنه اليوم لم يعد الأول في مركزه بعد دخول دبي والأردن في حلبة المنافسة، خاصة ان كلا البلدين تتمعتان بإستقرار أمني وإقتصادي، لذا تأتي السياحة البيئية (في لبنان) لتعيد أمجاده في هذا المجال، خاصة أن هناك خمسة عشر محمية طبيعية لبنانية دخلت قائمة المحميات العالمية وعلى دلائل السياحة في العالم، من ضمنها 7 محميات مجهّزة تماماً لإستقطاب الرواد من لبنان والعالم، إلا أن الزوار اللبنانيين يشكّلون 95% من عدد إجمالي الرواد لهذه المحميات (وهي محمية أرز الشوف – تنورين – قنوبين- محمية جزر النخل في طرابلس – وجزر صور- البترون).

نزار هاني: عدد الزوار يزداد سنوياً والدخل يرتفع

وبحسب ما يشير رئيس محمية أرز الشوف نزار هاني في حديث مع "الإقتصاد" إلى أن " محمية أرز الشوف تستقبل 70 ألف زائر في السنة، جزر النخل في طرابلس تستقبل 35 ألف زائر، ولا يقلّ العدد عن 90 ألف زائر سنوياً بالنسبة إلى المحميات الأخرى، ومعظم هؤلاء الزوار هم من طلاب المدارس والجامعات ومن العائلات".

وعلى سبيل المثال يعطي هاني نموذجاً عن محمية الشوف وقيمتها الإقتصادية، معتمداً على دراسة معمّقة بهذا الشأن، فيقول "إن محمية أرز الشوف لوحدها تؤمن 19 مليون دولار أميركي سنوياً من خدمات النظم البيئي، فما بال المحميات الأخرى؟".

وترجع أسباب زيادة هذه المداخيل بحسب رأيه، كون هذه السياحة البيئية تؤمن أنظمة بيئية للمياه وللهواء والتنمية الريفية وغيرها.

وبحسب خبرته يعتبر نزار هاني أن "هذه السياحة مستقرة جداً، ولا تعاني أي تراجع بل على العكس، كما أنها تعتمد على أبناء الوطن في تنشيطها ولم ولا تتأثر بشكل كبير من غياب السواح إلى لبنان، إلا أن إستقرار الامن والوضع السياسي سيساهم حتماً في وصول هذه السياحة إلى سقف العائدات الإقتصادية المهمة للبنان، خاصة ان وزارة السياحة تعمل بجدية من خلال الترويج لهذه النوعية من السياحة وتهتم في التعريف عنها لإستقطاب عدد أكبر من السواح المحليين والأجانب".

من جهة أخرى، أشار رئيس محمية "أرز تنورين" جوزف حرب إلى أن عدد الزوار لغابة تنورين يزداد  سنوياً 10% عن السنة التي تسبقها، فخلال العام 2015 إرتفع عدد زوارها نحو 60 ألف شخص وهو رقم كبير نسبة إلى غيرها كون عوامل الطقس البارد في الشتاء تحد من عدد الزوار، إلا انه مع بداية فصل الربيع إزداد عددهم، كما ان هؤلاء ساهموا في إنعاش المنطقة من خلال إقامة مهرجانات تنورين، وتشغيل فنادق بشري حيث وصلت الليلة الواحدة فيها الى 60 دولارا أميركيا، إلى جانب تنشيط حركة المقاهي وليس ذلك فحسب، إنما تنشيط  المزروعات والمنتوجات البيئية حيث إزدهر موسم بيع التفاح البتروني، والمربيات والاجبان والألبان.

جزر النخيل وصور : 80 ألف زار تقريباً خلال الصيف

من جهته يعتبر الخبير الإقتصادي سامر الحسيني في حديث مع "الإقتصاد" أنّ "السياحة البيئية والريفية في لبنان  تضيف مدخولاً ضخماً لقطاعي العام والخاص، إذ أنها تؤمن فرص عمل لعدد كبير من المتخرجين من كليات السياحة والزراعة والتسويق، فهذه المحميات تحتاج لمرشدين سياحيين يساعدون الزوار المحليين والأجانب، كما ان هذه المحميات تقع إلى جانب مقاهي ومطاعم وفنادق تعتمد بنسبة 95% على الزوار الذين يقصدون تلك المحميات لقضاء عطلة الإسبوع وتناول الطعام الصحي الريفي، وهذا الإقبال يزيد من تشغيل هذه المرافق، كما ان خبراء الزراعة يجدون فرص عمل لهم للإشراف الدائم ومعاينة هذه المحميات والمزورعات القائمة فيها".

ويضيف " جزر النخيل وجزر صور آمنوا لوحدهم في الصيف الماضي مداخيل فاقت الـ5 مليون دولار أميركي نتيجة حركة الزوار المستمرة، فاقت الـ60 ألف زائر لجزيرة النخل و45 ألف لجزيرة صور في موسم الصيف وحده، بقصد السياحة وتمضية نهار ممتع داخل أماكن صحيّة بيئياً ولا تكلفهم مادياً كما يدخلون إلى المسابح الخاصة، كون الدخول إلى هذه الأماكن مجاني ولكنهم يشغلون حركة الإقتصاد للمحلات الموجودة هناك، عدا عن تنشيط حركة المراكب التي تقلّ هؤلاء من وإلى الجزر المذكورة".

مكوّنات السياحة البيئية

 يعتبر خبير البيئة والأستاذ الجامعي في كلية الزراعة رباح فياض في حديث مع "الإقتصاد" أن " السياحة البيئية ترتكز على العناصر والأنظمة الحيوية، وتلك التي تقدّمه االطبيعة كلياً، مثل سطح الأرض وما عليه من جبال ووديان وغابات وأنهار ومحميات وأنواع المشاهدات والخبرات الواسعة المتضمنة فيها، أو التي عمل عليها الإنسان مثل الحدائق والمنتزهات، فضلا عن تعاقب الفصول وما تقدّمه من عناصر وإمكانات وتحوّلات في الصيف أو الشتاء، في الربيع أو الخريف، بحيث تتحوّل هذه العناصر إلى مكوّنات سياحية اساسية، مثل مشاهد الغروب على شاطئ البحر أو التزلج على الثلج في الجبال اللبنانية، أو تأمل النجوم في الصحراء، دون أن ننسى الثروات النباتية والحيوانية من أزهار وأشجار ونباتات ومياه معدنية، الى الطيور والأسماك وغيرها من كائنات بحرية وبرية مختلفة".

التقليل من ظاهرة تغير المناخ

 ويقول فياض أن "قطاع السياحة البيئية يشهد نموا متسارعا في لبنان أو العالم، فقد بلغ معدل النمو السنوي ما يقارب 34 %، وهذا النمو يعود الى ازدياد الوعي بحماية البيئة وبالجهود لمكافحة التغيير المناخي".

 ويضيف " تعمل شركات الابحاث الصديقة للبيئة على ابتكار وسائل نقل سياحية سريعة صديقة للبيئة، وبناء فنادق بأسقف زجاجية قادرة على استغلال اشعة الشمس للحصول على الطاقة البديلة والمستدامة، واعتماد المواد المعاد تدويرها، ومواكبة كل اختراع صديق للبيئة بهدف التقليل من ظاهرة تغير المناخ والسعي إلى إنقاذ الكوكب".

الدليل إلى السياحة البيئية في لبنان:

من أجل تعزيز الدور الإقتصادي لهذه السياحة في لبنان، أطلقت وزارة السياحة دليلاً بالتعاون مع وزار البيئة يهدف إلى توجيه المواطن نحو السياحة الريفية والبيئية.

يتضمن الدليل ستة أقسام، مصنّفة بحسب الألوان كالتالي: اللون الأخضر للسياحة البيئية، مثل: رياضة تسلق الجبال، التنقيب في المغاور، والتجول بواسطة الدراجات الهوائية، وغيرها، الأزرق للسياحة البيئية المرتبطة بالأنهار والبحيرات ورياضاتها، القسم الثالث والأبيض، مخصص للرياضات الثلجية، القسم الرابع والمخصص للسياحة الريفية فباللون النبيذي، ويحتل الجزء الأكبر من الدليل، وهو يوفر المعلومات عن القرى ومواسمها وما يتميز به كل واحدة منها، مبيناً مواقع معاصر الزيتون، ومشاغل الحرفيات، والزجاج، والفخاريات وغيرها.

أما القسم البرتقالي، فيتضمن كل المعلومات والإرشادات المتعلقة بالمحميات الطبيعية وتنظيم الرحلات، بينما يقدم القسم الأصفر والأخير لوائح بالمواقع الالكترونية السياحية والجمعيات الأهلية المعنية بالسياحة الريفية.

كذلك يحتوي الدليل على معلومات مفصلة حول المهرجانات القروية الموسمية، ومهرجانات القطاف، وقوائم للقرى مبوبة بحسب أنواع من الأطعمة التي تمتاز بها دون غيرها، واخرى بالمطاعم المتفاوتة الأحجام التي تقدم اصناف الطعام المحلية.

تجدر الإشارة إلى أن أبرز المحميات اللبنانية 14 (محمية) هي: محمية حرج إهدن الطبيعية، محمية جزر النخيل الطبيعية، محمية غابة أرز تنورين الطبيعية، محمية مشاع شننعير الطبيعية، محمية بنتاعل الطبيعية، محمية اليمونة الطبيعية، محمية أرز الشوف الطبيعية، محمية شاطىء صور الطبيعية، محمية وادي الحجير الطبيعية، محمية كرم شباط الطبيعية، محميات رامية وكفرا وبيت ليف ودبل.