من الملاحظ ان القطاعين التجاري والمالي قد احتلا واجهة النشاطات الإقتصادية في ​لبنان​ ونالا الحصة الأكبر من إهتمام المسؤولين بحيث لم يسمح بوضع أي قيود أو عوائق على التجارة. وقد تكون للمقاربة المثلى بين إستقلالية مصالح الأعمال وعدم تدخل الدولة  واخذ دورها على صعيد الإزدهار الإقتصادي. وابعد من ذلك، لم يكن هنالك أي إهتمام جدي بمتطلبات التطور الصناعي الأمر الذي برز من خلال إنتهاج  إيديولوجية " تمرير الأعمال "Laissez-faire" التي إتسمت بها السياسة الإقتصادية منذ التسعينات وهي  ما زالت مستمرة لغاية تاريخه.

وهذا الامر لم يرد وزير ​الصناعة​ حسين الحاج  حسن تجاوزه لا بل يلمح اليه في اكثر من مناسبة وهو يقول: "لم تكن السياسة اللبنانية حتى قبل الاحداث في سوريا، صديقة للصناعة والزراعة في لبنان. كما انها لم تكن محايدة بل خصما لهما؛ فالصناعة لا ينقصها التمويل، كما أن الصناعيين قادرون على الاستدانة، والمصارف مليئة، والدولة تؤمن القروض المدعومة من وزارة المالية عبر مصرف لبنان. التمويل موجود اذن، كذلك الأمر بالنسبة للخبرة والمعرفة. واللبنانيون ماهرون في التسويق. لكن المشكلة الاساس التي اعترضت تطور الصناعة هي في عدم معالجة كلفة الانتاج المرتفعة، والتي تتمثل بارتفاع سعر الاراضي والطاقة.

وعلى العكس من المعالجة، أقبل المسؤولون على فتح الأسواق اللبنانية بإلغاء الرسوم الجمركية بحجة انفتاح الاسواق العربية والاوروبية امام المنتجات اللبنانية في المقابل. فيما واصلت هذه الدول فرض القيود تحت تسميات مختلفة، الأمر الذي وضع الحواجز امام انسياب السلع اللبنانية بدل تسهيل دخولها الى هذه الاسواق".

وابعد من ذلك  يقول الوزير أن "ذروة اقفال المصانع اللبنانية في قطاعات الانتاج كانت بسبب عوامل داخلية تمثلت بعدم اقتناع الطبقة السياسية الحاكمة حينها بأهمية القطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية وبالدور الكبير الذي يمكن ان تضطلع به على صعيد تكبير الاقتصاد وتأمين فرص العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية وتثبيت أبناء القرى في الأرياف، ورفع مستوى المعيشة لأبناء هذه المناطق، والحدّ من نزوح العائلات والشباب إلى ضواحي بيروت ومن الهجرة إلى الخارج بحثاً عن عيش كريم ولائق".

ويعتبر ان ما يقال عن حرية التجارة هو كذبة كبيرة، والدليل لماذا المفاوضات مستمرة بين الدول حول العلاقات التجارية بينها وحول تأمين التكافؤ والتوازن في ميزان التبادل التجاري؟ وفي هذا السياق ، تسجّل المعلومات  ان الغاء الرسوم الجمركية مع دول الاتحاد الاوروبي اسفر عن خسارة على الخزينة تقدر بما بين 300 و500 مليار ليرة.

اذا ً  الصناعة اللبنانية إلى جانب معالجتها الآثار الناجمة عن سنوات الحرب ومواجهة التنافس في الأسواق التقليدية، واجهت ولا تزال تواجه تحدي تحرير التبادل التجاري والاندماج في الاقتصاد العالمي عبر توقيع اتفاق الشراكة الأوروبية المتوسطية واتفاقية تيسير وتحرير التجارة العربية والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، خصوصاً أن المؤسسات الصناعية وهي في غالبيتها صغيرة ومتوسطة الحجم، تعي حاجتها إلى التقدم في مجالات التكنولوجيا والإدارة والتمويل والتسويق والجودة.

من مدة قريبة، خرج بعض المصانع الاجنبية من لبنان  للمشاركة في أسواق أكثر استقراراً وسلامةً واليوم بعض المصانع اللبنانية يفتح فروعاً له في بعض البلدان سيما منها الاوروبية حيث تتوافر الحوافز المساعدة على ضخ الاستثمارا ت  وتأمين العائدات.

ولكن بين الاولى والثانية هل من مصانع لبنانية اقفلت في لبنان لـتأخذ الخارج مقراً لها ؟

بكداش

نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش يوضح  انه لغاية تاريخه لم يقفل  اي مصنع في لبنان متوجهاً الى الخارج ولكن ما حصل ان البعض يفتح فروعاً له في بعض الدول بسبب التسهيلات المتوفرة للاستثمار في هذه الدول، وسيما منها الدول الاوروبية. كما ان هذه الخطوة تسمح للمصانع بالتوسّع وايجاد الاسواق المناسبة للمنتجات اللبنانية.

والحوافز المشجعّة للصناعة الللبنانية في الخارج للانتشار الى جانب الدعم المعطى لها لا يجدها للأسف الصناعي في بلده اليوم.

وقال بكداش "للاقتصاد": لايمكن اليوم الاعتماد على لبنان، لانه عدا غياب الحوافز التشجيعية للانتاج الصناعي فهو بلد المفاجآت . واليوم ،معظم الدول تقدم وسائل الدعم الضرورية للصناعة باستثناء لبنان حيث ان الصناعة  ليست  ابداً من الاولويات الاقتصادية عند المسؤولين.

فنحن نعيش في دائرة المنافسة الدائمة بدرجة اولى مع الصناعة التركية وبالتالي مع الصناعة الصينية. ويمكن القول هنا ان الاولى هي الصين في الشرق الاوسط.

ومن المعروف ان الصناعة التركية هي صناعة مدعومة من الدولة كما هو الحال في بعض الدول العربية التي تحرص على دعم الطاقة والمحروقات في المصانع. ومؤخراً لمسنا ذلك في دولة الامارات بعدما علمنا انها قررت وقف الدعم لصناعتها على صعيد تأمين الفيول اويل، وذلك مع بروز عدد من  الاتفاقات الدولية التي تفرض  بعض الحواجز الخاصة بالتصدير امام الصناعات المدعومة.

واضاف بكداش: اما نحن في لبنان، فنفتقر الى الحوافز المشجعّة  لتوسيع الصناعة في الداخل . وفي المقابل نعاني من الحواجز في مجال التصدير.

صعوبة الانتقال خارجاً

وعن الامكانيات المتوافرة لانتقال الصناعات الى الخارج يشير بكداش الى  ان عملية انتقال اي مصنع الى الخارج ليست بهذه السهولة ، حيث ان بعض الدول لايسمح حتى بدخول بعض المعدات او الآلات الصناعية اليه .

ويقول: الحوافز التشجيعية موجودة اليوم في بعض الدول الاوروبية ومنها فرنسا .اما  نحن  فقد تراجعت قيمة صادراتنا الى الى هذه الدول بنسبة 50%   بسبب تراجع سعر اليورو من جهة ،وبالتالي بوجود المنافسة مع صناعات بعض الدول العربية التي هي مدعومة على صعيد الطاقة والمحروقات من جهة اخرى، سيما الصناعات التي هي ذات  كلفة عالية مثل الالمينيوم ، الزجاج وغيرهما...

والعراقيل كبيرة امام الصناعة اللبنانية وهي تتلخّص حسب بكداش بـ:

- غياب الرؤية الاقتصادية السليمة التي تعطي للصناعة حقها بالاهتمام الرسمي . فالدولة هي من يرسم السياسات الاقتصادية وهي من تضع الاولويات. وحتى اليوم يبدو ان هذا القطاع ما زال مهمّشاً  للأسف.

- عدم توافر ثقافة صناعية جدّية: وهنا المسؤولية تتوزّع بين الحكومة، وزارة الصناعة وجمعية الصناعيين معاً.

ولاجل ذلك ، يجب اطلاع المواطن على اهمية الصناعة الوطنية واقناعه بالجودة العالية التي تتميّز بها . وهي تضاهي الصناعة الاوروبية التي تدخل الاسواق المحلية بسهولة مع الغاءالرسوم الجمركية بين لبنان واوروبا.

ويقول بكداش: لقد بدأنا كجمعية صناعيين بعض الاتصالات وقمنا بزيارة بعض المدارس اللبنانية فيما لم نلق اي تجاوب من قبل اخرى . وقدمنا عرضاً للتلامذة  حول  اهمية وقيمة الصناعة اللبنانية الملتزمة بمواصفات الجودة والمتميّزة وحصدنا استيعابهم المطلوب.

وفي موضوع تطبيق قانون دمج المصانع اعرب عن اسفه لعدم سلوكه طريق التنفيذ لغاية تاريخه، معللّاذلك انه لا يصبّ في مصلحة التجارة علما ان الصناعة ليست القطاع المنافس للتجارة ،لابل  هي مكمّلة له في الاقتصاد.

اخيراً من الواضح ان القطاعالصناعي لكي يأخذ مكاناً في اطار حركة التجارة العالمية ، لابد ان يكون قادراً علىانتاج سلع تحتاجها الاسواق مصنعة وفق مواصفات قياسية مقبولة ومتطورة وقادرة علىاشباع رغبات المستهلكين ، اضافة إلى ان تكون ذات اسعار تنافسية في الاسواق الداخليةوالخارجية على حد سواء ، واتباع اساليب انتاجية متطورة تهتم بالحفاظ على البيئةوتحسين الجودة وخفض تكاليف الانتاج واليوم هذا التحدي قبلت به الصناعة اللبنانية التيتجهد في ايجاد القيمة المضافة في الانتاج الوطني  ولكن ثمة امور اخرى ملّحة هي بحاجة اليها.

تجدر لإشارة اخيراً، الى ان مجموع قيمة الصادرات الصناعية اللبنانية خلال النصف الاول من العام 2015 بلغت مليار و540 مليون دولار أميركي (د.أ.) مقابل مليار 581 مليون د.أ. خلال الفترة عينها من العام 2014 ومليار و807 مليون د.أ. خلال الفترة عينها من العام 2013 أي بانخفاض ونسبته 2.6 مقارنةً مع العام 2014 و14.8 مقارنةً مع العام 2013 حسب التقرير الصادر عن مصلحة المعلومات الصناعية في وزارة الصناعة.