هزّ حادث إسقاط طائرة حربية روسية أمس من قبل مقاتلات تركية، المنطقة والعالم، حيث أُسقطت طائرة "سوخوي 24" في منطقة قريبة من الحدود التركية داخل الأراضي السورية، وقتل أحد الطيارين الروس وأنقذ الطيار الأخر.. وبعد هذه الحادثة توالت الأحاديث والتوقعات في وسائل الإعلام العالمية عن رد فعل روسي عسكري محتمل، وكان هناك تخوف كبير من تطور هذا الحادث.

إلا أن تداعيات ما حصل أمس لا يقتصر فقط على المستوى العسكري، بل يتعداه الى العلاقات الإقتصادية بين البلدين، خصوصا أن حجم العلاقات التجارية بين ​تركيا​ ورسيا يصل إلى حدود 40 مليار دولار، هذا عدا عن المشاريع الإقتصادية الكبيرة المشتركة وأهمها مشروع "السيل التركي" الذي تهدف من خلاله ​روسيا​ لنقل الغاز إلى أوروبا عبر قاع البحر الأسود إلى البر التركي لينتهي عند الحدود التركية اليونانية حيث يخطط لإقامة مستودعات ضخمة للغاز، وسيبلغ طول خط أنابيب الغاز نحو 1100 كم، وستصل استطاعته التمريرية إلى نحو 63 مليار متر مكعب من الغاز سنويا وتصل كلفته الى 11.4 مليار يورو.

أضف الى ذلك أنه تم توقيع إتفاقية بين الجانبين مؤخراً لبناء مفاعلات نووية في تركيا تبلغ قيمتها نحو 20 مليار دولار، كما أن ​أنقرة​ تعتبر من أهم مستوردي الغاز الطبيعي من ​موسكو​، بما يقارب نسبة 45% من كمية الغاز التركي المستهلك، ناهيك عن عدد الشركات التركية التي تنفذ مشاريع بناء في روسيا، بالإضافة إلى أن الروس يتصدرون بعد ألمانيا لائحة السياح الأجانب في تركيا.

وبدأت التداعيات الإقتصادية لهذا الحادث تظهر اليوم من خلال تصريح رئيس الوزراء الروسي ديميتري مدفيديف بأن الشركات التركية قد تخسر حصتها في السوق الروسية، وأن إسقاط المقاتلة الروسية قد يؤدي إلى الغاء مشاريع مشتركة بين البلدين... فما هي الإجراءات التي ستتخذها روسيا "إقتصادياً" ضد تركيا؟ وهل ستطال هذه الإجراءات المشاريع الكبيرة بين البلدين؟ وما مدى تأثير ذلك على روسيا في ظل العقوبات الإقتصادية المفروضة عليها؟ ...

يرى الخبير الاقتصادي ورئيس "Cedar Institute" للشؤون الاقتصادية والإجتماعية غسان حاصباني في حديث لـ"الإقتصاد" ان التأثير الإقتصادي لهذه الحادثة مرتبط بمستوى التصعيد الذي يمكن أن يصل إليه البلدين، فإذا وصلت تركيا وروسيا الى مستوى مقاطعة سياسية وإقتصادية كاملة وفرض عقوبات من قبل موسكو على الشركات التركية، فلا شك بأن هذا الأمر سيكون له أثر كبير على البلدين خصوصا أن حجم الصادرات التركية الى روسيا كبير جدا.

وأضاف "يجب أن لا ننسى بأن هناك دائما خيط رفيع في العلاقات الإقتصادية بين روسيا وتركيا لعد أسباب، أولها الخلاف السياسي، وثانيها المنافسة التي يمكن أن تشكلها تركيا لروسيا من خلال تمرير أنابيب لنقل الغاز عبر أراضيها الى أوروبا، خصوصا أنه كان هناك شبه إحتكار روسي لتصدير الغاز الى أوروبا في السابق".

وقال حاصباني "اليوم وبعد هذه الحادثة لا أعتقد أنه سيكون هناك مقاطعة  كاملة من روسيا للشركات التركية، لأن موسكو تعرف جيدا بأن تركيا قادرة على تشكيل منافسة للغاز الروسي من خلال تأمين خط انابيب عبر أراضيها الى أوروبا، أضف الى ذلك أن روسيا اليوم في وضع إقتصادي حرج بسبب العقوبات الإقتصادية الغربية المفروضة عليها، وبسبب تراجع أسعار النفط حيث أن الإقتصاد الروسي يعتمد على النفط بشكل أساسي، وهنا نرى شبه تكرار للوضع الذي مرّ به الإتحاد السوفياتي خلال فترة الثمانينات حيث إنخفضت أسعار النفط بشكل كبي، أضف الى ذلك تراجع سعر صرف الروبل... وأي هزة إقتصادية قد تحدث ستنعكس على روسيا بشكل كبير أكثر مما ستنعكس على أي دولة أخرى".

وختم بأن "روسيا اليوم تلعب في ملعب عسكري وسياسي كبير جدا يفوق حجمها وقدرة إقتصادها على التحمل على المدى المتوسط والبعيد... لذلك لا أعتقد ان التصعيد الإقتصادي بين تركيا وروسيا سيصل الى مرحلة قطع العلاقات بشكل كلي، فهناك حاجة لروسيا على أن تبقي على أسواق وحلفاء إقتصاديين قدر الإمكان، من أجل تخطي هذه المرحلة.

بدروره لم يتفق الخبير الإقتصادي د.ألفرد رياشي مع كلام حاصباني، حيث إعتبر أن روسيا يمكنها التخلي عن تركيا، وأن تذهب الى النهاية في التصعيد على المستوى الإقتصادي، وأن التأثير سيكون سلبي على تركيا أكثر مما سيكون سلبي على روسيا.

وقال رياشي في حديثه لـ"الإقتصاد" أن "الليرة التركية إنخفضت خمس نقاط مباشرة بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية، ومن المرجح أن يتفاقم الوضع أكثر بالنسبة لسعر الصرف.. كما أن التأثير سيظهر أيضا بشكل سلبي على سوق القطع والأسهم بالنسبة للبورصة التركية والشركات والمؤسسات، بالإضافة الى إنخفاض القوة الشرائية للعملة، وتأثر الشركات التركية بسبب المصالح الإقتصادية الكبيرة الموجودة مع موسكو".

وتابع "الضرر سيكون له مفاعيل سلبية على تركيا أكثر من روسيا خصوصا أنه إذا تفاقم الوضع عسكريا فإن المواجهة لن تكون على الأراضي الروسية بل على حدود السورية التركية".

ولفت رياشي الى أن الوضع السيء للإقتصاد الروسي اليوم بسبب إنخفاض أسعار النفط وبسبب العقوبات المفروضة عليه لن يمنع موسكو من التصعيد إقتصاديا مع أنقرة والذهاب الى النهاية في هذا الموضوع، لأنه على الرغم من كبر حجم العلاقات الإقتصادية بين البلدين إلا أنه يبقى صغيرا مقارنة مع الحجم الكلي للإقتصاد الروسي الذي يقدر ناتجه المحلي الإجمالي بأكثر من 2 تريليون دولار، كما أن روسيا لديها أبواب أخرى لتنفيذ مشاريع مشتركة مع إيران والصين وغيرها من الدول الأخرى".