يرى خبراء أنه عند حصول ظروف غير مواتية، فمن الضعف أن نقوم بتفادي المسؤولية ونلقي اللوم على أحداث أو ظروف خارجية، وربما على أشخاص آخرين.
 
تشرح المدربة في مجال إدارة الحياة والقيادة أنجيلا نيغرو أنه "في مرحلة ما، ربما ساورنا جميعاً شعور بإعفاء أنفسنا من المسؤولية الملقاة على عاتقنا، خصوصاً إذا كنا نواجه موقفاً مخجلاً، أو نتعرض الى خسران نعمة أو مكانة، أو نثير غضب أحد علينا. وهذه التصرفات هي تصرفات الأطفال "لم أفعل ذلك!! هي السبب!! هي التي جعلتني أقوم بذلك". السبب الرئيسي في ذلك هو الخجل من المواجهة، والذي يعود إلى الخوف من الانتقاد الموجّه إلينا.
 
في الواقع، من السهل أن نوجّه اللوم، إذ أن لدينا كل فردٍ منا حاجة إنسانية فطرية بأن يكون على حق. البعض يتقن ذلك جيداً، سواء كان زميلاً أو أخاً أو شريك حياة. وعند توجيه أي سؤال يؤدي إلى كشف خطأ ما، فإن من يجيب على السؤال يكون مستعداً للإصرار على أن الخطأ لم يكن خطأه هو، معتبراً أن الأمر ليس من بين واجباته ومسؤولياته.
 
ويرى البروفيسور في "معهد الدراسات الاستراتيجية العليا" جون الماندوز، والذي يلقي محاضرات في نيويورك وبرشلونة عن التعامل مع الأفراد في الشركات أن لعبة توجيه اللوم في عالم الشركات، هي مسألة سائدة ومدمرة تماماً لأداء الشركة وجو العمل فيها. لافتاً الى ان الإقرار بوجود درجات معينة من الفشل هو أمر مقبول وضروري في مكان ما، لدفع عجلة التقدم إلى الأمام. 
 
فيما توضح  نيغرو أإن قادة الشركات المتمكنون والمتفائلون يبقون راسخين على قيمهم ومبادئهم، متّصفين بالتواضع والشجاعة ومقرّين بأخطائهم إذا ما ارتكبوها دون لوم الآخرين. كما أنهم يسعون لإصلاح أخطائهم أو التعلم من فشلهم".
 
ومع أن بداية ممارسة العمل الجديد ينبغي أن تكون أمراً مثيراً. إلا أن ديبي باوته التي تشرف على قسم يضم 65 موظفاً في قسم الموارد البشرية الاستراتيجية بشركة "بروكتر آند غامبل" في بروكسل. قررت الشركة بعد 4 أشهر فقط نقل القسم إلى مدينة جنيف السويسرية. هذا القرار دفع بعض الموظفين إلى اختيار الانتقال للعمل هناك، أو مواجهة احتمال ترك الوظيفة.
 
وأصبحت باوته البالغة اليوم من العمر 36 عاماً، مرجعاً ينبغي أن يجيب على أسئلة واستفسارات الموظفين المذعورين وتهدئة أعصابهم. تقول: "كان وقع الخبر، صدمة كبيرة، خاصة أن المدير المسؤول عن تدبير القرار سافر بالفعل، وأعلن من هناك نقل القسم، ثم استقلّ طائرة على الفور ليعود الى مكتبه الخاص".
 
اضافت: "وجدت صعوبة في مواجهة الناس الغاضبين. فقد كنت أشعر معهم، لكن في نفس الوقت كنت أشعر بأن من واجبي أن أكون هناك. كان إحساس القيام بالواجب أقوى، وهذا ما ساد الموقف". وقد قرر اثنان فقط من موظفي قسمها الانتقال للعمل في سويسرا.
 
في وقتنلا الحالي ، تعمل باوته كمدربة مديرين تنفيذيين ومديرة مشاركة لشركة "كونفيدنت" الاستشارية لتنمية المهارات القيادية والتنظيمية في بروكسل. وبمراجعة الماضي، كما تقول، فإنك "عندما لا تستطيع الرد على جميع الأسئلة، فإن تولّي المسؤولية يعني أن تكون حاضرا في ذلك المكان، وتواجه ما سيحصل. فذلك يُحدِث فرقاً كبيراً بما سيشعر به الناس".
 
ويشير بعض الخبراء الى انه "الميل إلى وضع اللوم على شخص أو أمر آخر في العمل لعله ينبع من فقدان المشاركة في المهمة الملقاة. وغالباً ما يرتبط الشعور بالمسؤولية مباشرة بأمر إدارة الأفراد في العمل".
 
لكن الأمر الحاسم هو الاعتراف بالخطأ. حسبما ترى مديرة التنمية بكلية التربية وعلم النفس في جامعة "نافارّا" بمدينة "بامبلونا" في إسبانيا ماري آنّ رينيل. بينما كانت تعمل في جامعة أوروبية أخرى قبل 9 سنوات، قبلت اللوم لخطأ ارتكبته المشرفة عليها. ويذكر أنها كانت قد وجّهت انتباه المشرفة إلى أن بعض الحسابات كانت خاطئة.
 
تقول: "كان ما قمنا به خطأ، كما توقعت، وكان دوري بسيطاً في فريق العمل. أما المشرفة على العمل، والتي كان يفترض أن تحضر أثناء وصول المدققين، لم تحضر يومها وجعلتني أتحمل مسؤولية الخطأ. ما قالته أساساً هو إنني مبتدئة، وقدمت حديثاً للعمل معهم، وإن الخطأ هو خطأي".
 
حملت رينيل اللوم ودافعت عن المشروع بكل ثقلها. تقول: "لم أنس تلط الحادثة أبداً". وقد سامحها المدققون لأنها تولت المسؤولية عن الخطأ الحسابي. وبعد مرور بضعة أشهر، نُقلت المشرفة عليها إلى قسم آخر وبمنزلة أقل، بينما حصلت رينيل على ترقية، حيث تعهدت أن تقوم بعكس ذلك على الدوام، بعد أن فشلت رئيستها في العمل في تولي مسؤوليتها عن الخطأ. وتقول: "إذا تحملت المسؤولية على عاتقك، فإن فريق عملك سيفعل ذلك أيضاً. عليهم أن يثقوا بك".
 
عمل الأمور الصائبة له مردود نفسي ، فالاعتراف بالمسؤولية يعني أن تكون جزءاً من شيء أضخم منك. وأن تتصرف بحسب ما فيه مصلحة المؤسسة التي تعمل فيها. فأنت جزء من مجموعة أعظم".