"المحاسبة" .. كلمة شكلت نقطة الأساس في كافة الحوارات والنقاشات الإقتصادية والإجتماعية التي تناولت أسباب فشل المؤسسات العامة اللبنانية وفشل الدولة بشكل عام في تأمين أدنى حقوق المواطنين من كهرباء وماء وفرص عمل ... فتوقف الشعب عن محاسبة المسؤولين وتركهم لسنوات عديدة في السلطة دون

أي رقابة أو متابعة أدى الى تفشي الفساد في كافة المؤسسات، وأوصل الإقتصاد الوطني الى حافة الهاوية، فلم نرى على مدى سنوات طويلة أي إستثمارات من قبل الدولة في البنى التحتية أو في القطاع الصناعي، وقطاع الإتصالات والكهرباء... والإعتماد دائما على القطاع الخاص فقط، في حين يقوم الوزراء والمسؤولين المتعاقبين بإدارة الوزارات والمؤسسات "الفاشلة" ويقودنها من فشل الى فشل أكبر دون حسيب ولا رقيب.

إلا أن الحراك الشعبي الذي شهده لبنان يوم السبت الماضي، والذي تخطى فيه المشاركون الطائفية والتبعية للزعماء والسياسيين، وتمسكوا بمواطنيتهم فقط وبحقهم بالعيش الكريم، أثبت أن اللبناني بدأ يستفيق من غيبوبته التي إستمرت سنوات، وبدأ بوضع يده على الجرح وعلى سبب المشكلة. ولكن الى أي مدى سيتمكن هذا الحراك من إحداث تغيير فعلي يعيدنا الى السكة الصحيحة سياسيا وإقتصاديا ؟ ما الذي ينقص هذا الحراك ليصل الى هذا التغيير؟ وما هي سلبياته وإيجابياته على الإقتصاد على المديين القريب والبعيد؟ ... أسئلة كثيرة أجاب عنها الخبير الإقتصادء وليد أبو سليمان في هذا الحديث لـ"الإقتصاد".

- بداية ما هي برأيك إيجابيات وسلبيات هذا التحرك الشعبي من الناحية الإقتصادية ؟ خصوصا أن معظم المطالب التي رأيناها لها إرتباط وثيق بالوضع الإقتصادي والإجتماعي الراهن وبحياة الناس اليومية.

لا شك أن مطالب الناس التي تجسدت في هذا التحرك هي مطالب محقة، خصوصا أننا رأينا نوع من التراشق السياسي وتشكيك بالمتظاهرين من قبل السياسيين. ولكن في المقابل أنا لا أحبذ التعميم على كافة السياسيين بالفساد، لأن هناك بعض الأشخاص النزيهين ولكنهم غير قادرين على التغيير وحدهم.

أما بالنسبة للإيجابيات والسلبيات فلا شك بأن هكذا حراك سيحرك الركود والجمود الذي كان موجودا لدى الطبقة السياسية، وهذا يمكن أن يشكل صدمة إيجابية بطريقة أو بأخرى، ويمكن أن يحرك الجمود الإقتصادي أيضا إذا تم إتخاذ بعض القرارات الملحة.

ولكن المشكلة اليوم أن لبنان بات يحتل المركز الـ136 من أصل 175 على مؤشر الفساد، وهذا يعني أن لبنان بلغ "الذروة" كدولة فاشلة، وسقط في حماية امن المواطن الصحي والإجتماعي والحياتي، ودخلنا مرحلة المجتمع الفاشل الذي لا يمكن أن يستقيم إلا إذا كان هناك ثورة تستطيع إعادة الإقتصاد على السكة الصحيحة.

واليوم هناك أكثر من مليون لبناني تحت خط الفقر، والمؤشرات الإقتصادية الى تدهور، والبطالة تتفاقم والعجز يزداد بسبب إرتفاع النفقات وتقلص الإيرادات، فالوضع الإقتصادي ووضع المالية العامة يسير نحو الهاوية...  لذلك لا بد من حراك مشابه.

وإذا أردنا أن نتحدث عن تأثير هذا الحراك وهذه الإضطرابات على المدى القصير فهي ستكون سلبية بالطبع خصوصا على وسط المدينة بسبب تصرفات بعض المندسين الذين أحدثوا أضرارا كبيرة ببعض الشركات والمحال التجارية.

ولكن إذا إستمر هذا الحراك بطريقة مدروسة ونتج عنه تفعيل للمؤسسات، وإعادة العمل للنظام البرلماني من خلال قانون إنتخاب جديد وإنتخابات مبكرة ينبثق عنها رئيس للجمهورية ومجلس وزراء جديد، فإن الأثار ستكون بالطبع إيجابية وسنعود للسكة الصحيحة من جديد.

الإستمرار بالحراك الشعبي دون خطة طريق واضحة وشاملة سيضيع هذه الفرصة الذهبية للأبد

- ما الذي ينقص هذا الحراك لكي يحدث تغيير فعلي؟ وبرأيك ما هو المطلب الأساسي الذي يجب الإنطلاق منه؟

بالدرجة الأولى ينقص هذا الحراك الشعبي المحق خريطة طريق واضحة وكاملة، بالإضافة الى أشخاص أو قادة قادرون على قيادة الناس الى المكان الصحيح.

حتى الأن ما رأيناه هو تعبير عن الغضب والكبت الموجود لدى المواطنين، و"فشة خلق" إذا صح التعبير تجلت في المشهد الذي رأيناه في ساحة الشهداء، لعدة أسباب أهمها نقص فرص العمل وخدمات الكهرباء والماء ... وغيرها. ولكن برأيي المطلب الأساسي الذي يجب الإنطلاق منه لحماية هذه الثورة هو المطالبة بإقرار قانون عادل للإنتخابات يمثل كافة شرائح المجتمع، وإجراء إنتخابات نيابية مبكرة ينتج عنها تمثيل صحيح لإرادة الشعب، وهذا ما سيوصلنا الى رئيس للجمهورية ومجلس وزراء جديد، وستعود المؤسسات للعمل بشكل منتظم.

- يتزامن عيد الأضحى المبارك مع نهاية فصل الصيف، ويعول عليه بعض المؤسسات السياحية لتعويض ما يمكن تعويضه... ألا تعتقد ان هذه الإضطرابات والمظاهرات قد تؤثر على الحركة في أيام العيد؟

عندما يكون هناك حراك شعبي وتحركات لا بد أن يؤثر ذلك على بعض الحجوزات في أيام العيد، ولكن هذه الخسارة لن تكون كبيرة، والألم سيكون لفترة وجيزة فقط، لأن هذه التحركات يمكن أن تخرجنا من النفق المظلم الذي نسير به.

ولكن يجب الإشارة الى انه في حال تطور هذا الحراك الى تصعيد أكبر، وأصبح هناك شارع مقابل شارع، فأخشى أن يؤدي ذلك الى تدهور الأمور.

لذلك يجب أن يكون هناك خارطة طريق واضحة ومدروسة لهذا الحراك، لأن السير بهذه الطريقة قد يضيع علينا هذه الفرصة الذهبية الى الأبد. 

- كيف ترى بإختصار أداء الإقتصاد في الأشهر الثمانية الأولى من العام مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي؟

بداية العام 2015 كانت جيدة خصوصا مع إنخفاض حدة التوتر الأمني والتراشق السياسي بين الأطراف، وإنعقاد طاولات الحوار الجانبية بين الأطراف... ولكن منذ حزيران عادت الأمور للإحتدام سياسيا وعادت ثقة المستثمر والمستهلك للإنخفاض من جديد.  وبالتالي فإن الأشهر الثمانية الأولى هي شبيهة بـ2014 من حيث النمو، وإذا إستمرينا على هذا الطريق فمن المستحيل الوصول الى نسب النمو التي تحدثت عنها المنظمات الدولية والتي بلغت 2 الى 2.5%.