في ظلّ المشاكل التي يعيشها لبنان في الفترة الأخيرة وخصوصاً معضلة النفايات التي لم تستطع الحكومة إيجاد حلّ لها على الرغم من مرور أكثر من شهر ونصف على بدايتها، لم يجد المعنيون حلاً سوا تجميعها في محيط ​مرفأ بيروت​ مما أدى إلى توقف العمل داخل المرفأ لمدة يومين إضافة إلى إنتشار الروائح الكريهة والتأثير على صحة العاملين. ونظراً لتأثير هذه المشكلة بشكل كبير على عمل المرفأ مما يمكن أن يؤدي إلى تعطيل مرفق إقتصادي هام جداً بالنسبة للإقتصاد الوطني، ربما إقفال مرفأ بيروت ليومين لم يُعدّ بالخسارة الإقتصادية الكبيرة و لكن الحديث عن تجدد الإضراب و ما يمكن أن ينتج عنه بالنسبة للحركة، دفع  "الإقتصاد" لخوض جولة ميدانيّة في محيط مرفأ بيروت وإستطلاع آراء بعض المعنيين.

إلتقينا أولا برئيس نقابة موظفي مرفأ بيروت بشارة الأسمر الذي أكد على أن الإضراب سيتجدد على الفور إذا طرأ أي عمل خارج نطاق ما إتُفق عليه مع وزير الإقتصاد ألان حكيم.

وإعتبر أن حركة تنقل البضائع –الإستيراد، التصدير و الترانزيت- لم تتأثر بالإضراب الماضي لأنه سرعان ما عُلّق بعد الوعود التي تلقتها النقابة منعاً لعرقلة المعاملات التي يمكن أن تسبب خسائر مادية كبيرة، ووصف الخسائر بحدها الأدنى لأن الإضراب كان ليوم واحد فقط . ولكنّه شدد على أن:" الإضراب لم يُلغ بل عُلّق وهذا الأمر مرهون بعملية رمي النفايات، فإذا تجددت هذه العمليّة سيتجدد الإضراب فوراً".

وحول موضوع ما إذا كانت ستمتنع الشركات الأجنبية من تصدير منتجاتها و خاصة الغذائية منها عبر مرفأ بيروت نظراً للحالة البيئية المزرية في المرفأ، إعتبر الأسمر أن المرفأ و حتى بعد تعليق الإضراب لم يشهد أي من هذه الحالات حتى الآن.

كذلك أشار أن صرخة النقابة موجهة حول موضوع الأمن الغذائي بشكلٍ خاص لوجود النفايات قرب "سوق السمك المؤقت" و "مسلخ بيروت المؤقت" ووصف الكارثة الأكبر بقرار الحكومة بوضع كميات جديدة من نفايات قرب المطاحن التي تزّود السوق اللبناني 40% من الطحين والقمح. وتساءل الأسمر:"هل من المعقول أن تتواجد النفايات قرب المواد الغذائية؟" وكان وزير الإقتصاد ألان حكيم قد وعد سابقاً النقابة أن الوزارة ستعمل على رفع هذه النفايات،  وإسترسل الأسمر :"ما طرأ في ساحة رياض الصلح أجّل هذه الأمور حاليّاً".

ورداً على سؤال ما إذا كانت ستُهمل الدولة مطالب نقابة موظفي مرفأ بيروت و تتناسى وعودها بعد الأحداث الحاصلة في وسط بيروت شدّد الأسمر:"لا علاقة لنا بالإضراب، نحن ننفصل عنهم، بالطبع نؤيد كل تحرك إيجابي يعمل على إيصال الصوت للمسؤولين، ولكن الجماعات في وسط العاصمة لديهم تحركهم ونحن لدينا تحركنا الخاص وأي عمل سيطرأ خارج نطاق ما إتُفق عليه  سيُقابل بإضراب فوري."

أزمة النفايات "بيئية" اليوم "إقتصاديّة" غداً

و لكي نواكب حركة تنقل البضائع في مرفأ بيروت كان لـ"الإقتصاد" حوار مع الرئيس السابق لنقابة مالكي الشاحنات والعضو الحالي في النقابة عيد ضو، الذي لم يشهد حتى الآن تأثّر حركة التنقل، بل إعتبر أن موضوع النفايات أثّر على النقابة من ناحية أخرى لم يُسلّط الضوء عليها ذاكراً:" أزمة النفايات تُغرم النقابة مبلغ 50 ألف ليرة لبنانية لكل شاحنة تركن خارج موقف المرفأ وهي مشكلة تصاعدية بالنسبة لنا."  ففي السابق كان للنقابة موقف يسع لـ 400 شاحنة و موقف آخر يسع لـ 200 شاحنة، قامت الدولة "بالإستيلاء" على الموقف الأصغر ووضعت فيه النفايات مما دفع سائقي الشاحنات إلى ركن شاحناتهم في الشوارع  والحصول على ضبط ماليّ يومي يساوي 50 ألف ليرة لكل مركبة.

أما العامل الثاني المؤثر سلباً على حد قوله فهو إمتناع بعض سائقي المركبات "المياومين" من الحضور إلى العمل وتفضيل العمل في أي مكان آخر تفاديّاً للرائحة الكريهة والأمراض الناتجة عن النفايات. وأكد ضو:"أن الإتفاق حول إبقاء النفايات كان لفترة أيام معدودة والآن ندخل في الشهر الأوّل وأنا واثق من أنهم لن ينتزعوا هذه النفايات خاصة أنهم وضعوا غطاءاً عليها  وسيبقى حالها كحال "سوق السمك المؤقت" و "مسلخ بيروت المؤقت."

ومن جهته لفت أمين سرّ نقابة مالكي الشاحنات جورج عوض أن التأثير الأكبر حول موضوع  النفايات سيتجسد إذا وضعت النفايات بالباحة "AB"  لأن هذه الباحة تبعد 50 متراً فقط عن إهراءات القمح، أما الباحة الأولى فتبعد 200 متراً عن المسلخ و سوق السمك و بدون شكّ المواطن سيتخلّف عن شراء هذه  المواد الغذائية بالتحديد وخاصة بعد الحملة الغذائية والتوعية الحاصلة في لبنان، بات اللبناني اليوم يستفسر عن المصادر.

كما شدد عوض إذا تعمد المعنيين إلى زيادة كميات النفايات و خاصة بالباحة "AB  " بدون شك سنتوقف عن العمل،" مضيفاً:"نحن لا نؤمن بمبدأ "المؤقت" بعد الآن و خاصة بعد الوعود التي تلقتها النقابة من المحافظة بإبقاء النفايات في المرفأ لمدة لا تتجاوز الـ10 أيام."

و خلال جولتنا في المرفأ صادفنا عاملين متعطشين لنقل صوتهم للمعنيين كونهم يُعايشون هذا الواقع، فإعتبر أحدهم أن:"الوضع لا يُطاق و لا يُحتمل"  ضارباً مثل محل في المسلخ يقع على مدخل "الباب 14" يذبح 200 رأس غنم يومياً تبعد النفايات عنه 10 أمتار فقط، و أكد أنه بوضع النفايات على "باب رقم 9" يعني وضعها على باب الأشرفية وإنتشار الأمراض والتلوث على نطاق أوسع في مناطق جديدة، بغضّ النظر عن موضوع المطاحن التي ستلاصق النفايات في حال وضعت في الباحة الجديدة "AB".

و إعتبر شخص آخر أن أزمة النفايات في المرفأ سببت زحمة سير خانقة لتقليص المساحة المخصصة للشاحنات للوقوف وستزداد هذه المشكلة إذا أصرّ المعنيون على وضع النفايات في الباحة"AB"، مؤكداً أن الزحمة ستصل إلى الجسر، و من ناحية أخرى أشار أن المطحنة هي أكبر نكبة غذائية يمكن أن يشهدها سوق المطاحن في لبنان، مضيفاً، إن تجاهل هذا الأمر يُعتبر "جريمة".

و بهدف تتبع حركة تنقل البضائع توجّهت "الإقتصاد" إلى شركات تخليص المعاملات الجمركيّة، وبدأت الرحلة عند مكتب رئيس شركة" IATA"  لتخليص المعاملات الجمركيّة إيليا حداد، الذي إعتبر أن الإضراب الماضي لم يؤثر بالطبع على الشركة بل قام بتعطيل المعاملات وتأخير البضائع على العملاء فقط ، ولكن في حال تكرار الإضراب مجدداً و لمدة أطول ستتعثر الشركة بموضوع دفع الرواتب و مصاريف المكتب.

كما أن حداد لا يعتقد أن الشركات الأجنبية ستمتنع عن تصدير المواد الغذائية عبر مرفأ بيروت لأن الطب البيطري في هذه الحالة يُشرف على اللحوم وغيرها من البضائع فإذا كانت مطابقة للشروط تُرسل فوراً إلى البرادات المخصصة لها. وأكد أنه حتى الآن لم يشهد مكتبهم أي من حالات الإمتناع. 

وفي السياق عينه لم يعتبر حداد أن موضوع النفايات هو السبب الأساسي لتراجع حركة تنقل البضائع، فهذه الحركة تراجعت منذ إصدار قانون إلغاء نظام الـ"الأخضر-الأحمر" المتعلّق بالكشف عن البضائع و في بداية الأمر عُمم نظام "الأحمر" أي الكشف على كل البضائع مما تسبب بتعطيل العملية الجمركيّة فعُدّلَ النظام بعدها و سُمح لـ2% من البضائع أن تمر بنظام "الأخضر"، الأمر الذي أدى إلى تباطؤ العملية التي باتت تحتاج 7 أيام لتحضير الحاوية أو الـ" container" علماً أن كل يوم تأخير يُغرم بضريبة تصاعدية وعادة ما يكون التاجرهو المتضرر الأكبر.

أما محطتنا الثانية فكانت عند مكتب "Shidiak Transport"  لتخليص المعاملات الجمركيّة، حيث حصر مالك المكتب والرئيس التنفيذي أحمد شدياق مشكلة الإضراب و التعطيل في المرفأ بالعلاقة بين الجمارك و إدارة مرفأ بيروت، لأن المعاملة عادة ما تبدأ بالمرفأ و تنتهي فيه،  فأي إضراب آخر طويل الأمد سيضرّ بالشركة و التجار. كما أكد شدياق أن البضائع الغذائية المستوردة تأتي مُغلفة و بمعايير صحية عالية و حتى الآن لم يشهد المكتب أي من حالات الإمتناع من الشركات الأجنبية.

قد يكون ملف النفايات من أبسط الحقوق المدنيّة للمواطن وصحته، و لكن يجب أن لا ننسى أبعاد المشاكل،  اليوم نتيجة صحية، غداً نتيجة إقتصادية و بعده من يدري؟

مرفأ بيروت يستوعب أصعب فئات النفايات وأخطرها، والمواطن يستهلك المواد الغذائية الموجودة في المرفأ بدون خيار، حتى البضائع المستوردة ستمرّ من هناك .. وبالطبع لن تقبل الشركات الأجنبية العريقة إذا طال الأمر بتلويث منتجاتها وسمعتها بمرفأٍ يطوف بالنفايات...