في منتصف التسعينات ، شجّع مصرف لبنان المصارف على اعتماد سياسة القروض القصيرة والطويلة الأجل، عن طريق إعفائها من الاحتياط الالزامي لدى المصرف المركزي.

وتبلغ نسبة الاحتياط خمس عشرة بالمئة من الاموال الموجودة لدى المصارف، تودع من دون الحصول على فوائدها، وشملت القروض المتوسطة والطويلة الاجل في البداية مؤسسة كفالات والمؤسسة العامة للاسكان، وجهاز إسكان العسكريين، قبل أن تنتقل إلى القروض الشخصية.

وتمثّل القروض الشخصية اليوم  الحصة الأكبر من القروض المصرفية في لبنان، وأبرزها قروض الإسكان. لكنّ تراجع الطلب وتضييق مصرف لبنان شروط الاقراض أضعَفا نسبة نموّ هذه القروض، علماً انّ القروض المصرفية عموماً تأثرت بالركود الاقتصادي المستمر منذ اكثر من سنة .

وفي حين بلغ حجم القروض الشخصية في نهاية العام 2014 نحو 16,52 مليار دولار اميركي، الّا انه شهد تراجعاً في النمو السنوي من 14,66 في المئة في العام 2013 الى 12,18 في المئة في العام 2014. و هذا التراجع لم يكن مفاجئاً، بفعل تراجع الطلب الفردي على البضائع والاستهلاكية من ناحية، و تضييق مصرف لبنان المركزي الشروط المصرفية للاقراض كتدبير لاستبعاد المخاطر بشأن القدرة على سداد الديون وسط تنافس مصرفي على الاقراض للأفراد.

شقير

كيف يقوّم  مدير مديرية المصارف في مصرف لبنان  نجيب شقير  وضع القروض المصرفية  الشخصية المتعثرة التسديد ؟

يقول شقير"للاقتصاد " انه بعد الحرب الأهلية التي أدت إلى تدمير لبنان تدميراً كاملاً طال مختلف القطاعات الإجتماعية والإقتصادية بادر مصرف لبنان وأخذ على عاتقه إطلاق العجلة الإقتصادية بمساعدة كريمة من الدول العربية والمجتمع الدولي، فكانت البداية من إعادة الثقة بالقطاعين المالي والمصرفي وتعزيز وضع الليرة اللبانية والعمل على جذب رؤوس الأموال اللازمة لتمويل القطاعين العام والخاص وإعادة إحياء دور بيروت كمركز مالي لمنطقة الشرق الأوسط.

وإنطلق مصرف لبنان من 4 ركائز اساسية لتحقيق أهدافه التي أدت إلى زيادة حجم القطاع المصرفي من حوالي 9 مليار دولار أميركي في العام 1993 إلى أكثر من 180 مليار دولار في حزيران  2015 دون فروع الخارج.

والركائز هي:

الركيزة الأولى: وضع أنظمة وقوانين فعالة لإعادة بناء الثقة في القطاع المالي و المصرفي

الركيزية الثانية: تثبيت سعر الصرف كعنصر أساسي في استقرار القطاع المالي

الركيزة الثالثة: تطوير البنية التحتية المالية لتحسين إدارة المخاطر

الركيزة الرابعة: استخدام وسائل مبتكرة لتحفيز النمو و توسيع نطاق الدعم للوصول إلى كافة قطاعات الاقتصاد ، بما في ذلك المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

وبفعل التباطؤ الاقتصادي المستمر منذ العام 2014 ،والذي بدأ ينسحب تراجعاً ملموساً في دخل الأسر اللبنانية ،  حيث سجلت القروض الشخصية  المتعثرة  عن التسديد ارتفاعا  لتصل إلى ما يقارب 3 %  من مجموع التسليفات فيما انها كانت بحدود  1و 1،5% بين عامي 2008 و2010 ، وفي اطار سياسته المعتمدة في حماية المستهلكين ، وحفاظاً على الثقة بالقطاع المصرفي ، عمّم  مصرف لبنان على المصارف  بضرورة التشدد في منح القروض الشخصية وبتأمين الحماية اللازمة للقدرة الشرائية لدى المواطنين. وفي هذا السياق ، اصدر التعميم الوسيط رقم 369 في 21آب 2014 الذي ينظم عمليات التسليف والتوظيف .

وبموجب التعميم لا يجب : - ان تتجاوز قيمة القرض الممنوح من المصارف نسبة 75% من قيمة الاصول الاساسية للسيارات والسكن .

- ان تتجاوز قيمة التسديدات الشهرية لقروض التجزئة كافة نسبة 45%  من دخل  العائلة، منها نسبة 35% كحد أقصى للقروض السكنية.

وبتاريخ 2شباط  2015، اصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تعميما حمل الرقم 134، يفرض على المصارف تزويد العملاء بالمعلومات الدقيقة والوافية حول شروط المنتجات أو الخدمات ومنافعها والمخاطر المتأتية عنها. كما يتحدث عن حقوق العميل وواجباته وإرشادات خاصة به.

وقد طلب بموجب التعميم من جميع المصارف والمؤسّسات الماليّة العاملة في لبنان القيام بما يلي:

- إعداد لائحة بحقوق وواجبات العملاء تتضمّن على الأقل المعلومات المذكورة في الملحق المرفق. تعدّ هذه اللائحة باللغة العربية بالإضافة إلى لغة أجنبية يختارها المصرف أو المؤسسة المالية.

- وضع   اللائحة المذكورة أعلاه  بتصرف العملاء في المركز الرئيسي والفروع كافة على أن تصاغ بشكل واضح ومفهوم من غالبية المعنيين.

- تزويد  كل عميل بنسخة عن هذه اللائحة، على أن يقوم الموظف المعني بشرح محتواها وتوعيته على أهميّتها.

-  الاستحصال على توقيع   العميل على مستند خطي يفيد بأنه استلم هذه اللائحة وفهم محتواها.

- نشر هذه اللائحة على  الموقع الإلكترونيّ للمصرف أو للمؤسّسة الماليّة وعبر وسائل التواصل الأخرى.

كما انه  على جميع المصارف والمؤسّسات الماليّة العاملة في لبنان إعداد سياسة "أصول إجراء العمليات المصرفية والمالية مع العملاء"، يوافق عليها مجلس الإدارة ووضع الإجراءات المتعلّقة بها والأنظمة المعلوماتية اللازمة.

ومما جاء في التعميم ايضاً : ضرورة تزويد العملاء بالمعلومات الدقيقة، الواضحة والوافية حول شروط المنتجات أو الخدمات ومنافعها والمخاطر المتأتية عنها وإعلامهم بأي تغيير في هذه الشروط مع ضرورة الردّ على أي استفسار من قبل العملاء بمهنيّة عالية وبالدقّة والسرعة اللازمتين، على أن تتضمن هذه المعلومات، على سبيل المثال لا الحصر.

-  طريقة احتساب الكلفة  الفعلية (النفقات و/أو العمولات و/أو المصاريف و/أو الأعباء كافة و/أو أية مبالغ أخرى) لكل منتج أو خدمة.

-  طريقة احتساب الفائدة،  الدائنة  أو المدينة، لكل منتج أو خدمة.

- شروط الاستفادة من أي ميزة مرتبطة بمنتج أو بخدمة.

- وضوح وشفافية وشمولية   الإعلانات وعدم تضليلها لحقيقة  خصائص المنتج أو الخدمة.

- ضمان ملاءمة الخدمة أو  المنتج المقدم أو المطلوب لوضع العميل وحاجته (Suitability).

- حماية المعلومات المالية والشخصية للعملاء بما لا يتعارض  مع التشريعات النافذة لا سيما قانون سريّة المصارف وقانون مكافحة تبييض الأموال.

- تزويد العملاء دورياً بكشف لكل حساب   مرتبط بمنتج أو بخدمة يتضمّن البيانات والمعلومات ذات الصلة وذلك وفقاً للأنظمة الصادرة عن مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، على أن يتم استعمال الوسائل كافة التي تتيح حصول العملاء شخصياً على الكشف الدوري في أسرع وقت ممكن.

- وضع آلية واضحة وفاعلة تسمح  للعملاء بتقديم مراجعتهم من دون كلفة وتضمن لهم المتابعة والمعالجة من دون تأخير.

القيمة الاجمالية للقروض

ووفق آخر الارقام المسجلة لدى  مديرية المصارف في مصرف لبنان ، تبلغ قيمة القروض المصرفية المعطاة لغاية نيسان 2015 58مليارا و 182مليون دولار ، وبارتفاع نسبته0.01% منذ بداية العام الحالي فيما بلغ عدد المستفيدين 849839. و تبلغ القروض الشخصية 16 ملياراً و602 مليون دولار أميركي موزعة على 665573 قرضاً مفصلة كما يلي:

- القروض الاستهلاكية: بلغ عدد المستفيدين 289707 وهي  بقيمة 4 مليارات و 378مليونا دولار أميركي .

- القروض السكنية: وصل عدد المستفيدين الى 107280 وقيمة القروض وصلت الى 10ملياراً 120 مليون دولار أميركي

- القروض لشراء السيارات: وصل عدد المقترضين الى  111462

وقيمة القروض مليار و 422 مليون دولار أميركي

- القروض لشراء المفروشات: بلغ عدد المستفيدين 2906  وقيمة القروض 49 مليون دولار أميركي

- بطاقات  ائتمان : عدد المستفيدين 143070وقيمتها 494 مليون دولار أميركي.

-  قروض التعليم : عدد المستفيدين 11148 قيمتها 139 مليون دولار أميركي.

غبريل

وكيف يقرا  رئيس قسم الابحاث  في بنك بيبلوس الدكتور ​نسيب غبريل​ اسباب تعثّر التسديد؟

يعتبر غبريل معظم القروض المصرفية الشخصية المتعثّرة يتعلق بقروض سيارات وببطاقات اعتماد.

ومن اهم اسباب تعثّر تسديد هذه القروض  من قبل المقترضين عدم وعي بعضهم بقدرته المالية على التسديد بحيث ان حجم القروض التي يطلبها هؤلاء تتجاوز المدخول الشخصي وتصرف في معظم الاحيان لصالح امور غير اساسية.

فالبعض يستعمل التسهيلات المصرفية للحصول على قروض غير ضرورية او لا تكون لاولويات . لا ننسى انه في الاساس القروض المصرفية وضعت لمساعدة الناس في تلبية حاجاتها . ولكن يجب ان يترافق طلب هذه القروض مع دراسة علمية حول قدرة الفرد المقترض على التسديد وعلى الايفاء بالتزاماته ، سيما وان هذه القروض تترتب عليها فوائد ، تراكمها يكبّر حجم القرض المقدم وهي ليست اكرامية او مدخول اضافي للفرد.

ولتجنب هذا الاتجاه المفرط نحو القروض ، وضع مصرف لبنان تعاميم تفرض دفعة اولى محددة على كل من القروض المتعلقة بالسكن وقروض السيارات. وبموجب هذه التعاميم تحدّد النسبة المفترض تسديدها شهريا الى المصرف عن القرض المأحوذ ، بما يتوافق  مع المدخول الشهري للفرد.

وتعتبر بطاقات الاعتماد من اخطر انواع القروض الشخصية خصوصاً اذا كان من يستعملها لا يدرك حجم ما يسدده او يشتري من خلالها ، خصوصا وان ذلك  لا يتم نقداً. ولذلك  يجب معرفة شروط الاقتراض والفائدة الناتجة مع كل عملية اقتراض.

كما ان مصرف لبنان طلب من المصارف بإرفاق  اي تسليفات مصرفية لاغراض شخصية بعقد مع المقترض تشرح بموجبه  بنوده شروط القرض والفوائد، وبالتالي كيفية التسديد . كما طلب بتوعية المقترض عن طريق قيام  المصرف  بشرح شفافية المنتجات المتوفرة والتي  هي موضوع القروض فضلاً عن الكلفة الاجمالية للقرض.

هذا التعميم بدون شك ابطأ الطلب على القروض الشخصية وخفّض محفظة  التسليفات المصرفية للقطاع الخاص . يذكر هنا ان قيمة القروض الشخصية المتراكمة وصلت حتى نهاية آذار 2015 الى ما يناهز 16 مليارا و500مليون  دولار ،بينها 10 مليارات دولار قروض سكنية والباقي قروض لسيارات وقروض شخصية متّنوعة، علماً ان التسليفات للاشخاص شهدت ارتفاعاً بين 2008 و2010.  اما اليوم، فهناك تباطؤ في القروض المخصصة للقطاع الخاص.

لحماية المستهلك ولتجنّب نشوء ازمة مثلما حصل في الولايات المتحدة الاميركية وضع مصرف لبنان هذا التعميم . وفي الواقع ان تكدّس القروض المتعثّرة يزعج المصارف، لانه ليس من وظيفتها ادارة املاك عقارية او مرآب  سيارات عجز شّراؤها عن متابعة تسديد ثمنها.

ويعتبر غبريل انه لايمكن فقط رد اسباب تعّثر تسديد القروض الى تراجع الاوضاع الاقتصادية وانعكاسها على سوق العمل وفرصه او حتى ارتفاع البطالة ، اذ ليس هناك اي مؤشرات دقيقة حول عدد العمال الذين اصبحوا خارج عملهم.

تدابير احترازية

اما بالنسبة للتدابير الممكن اعتمادها لمنع الوصول الى قروض متعثرّة التسديد فهي وفق غبريل تتلخص ب:

اولا: انشاء مكتب ائتمان Credit Bureau   اسوة بما هو معتمد في اميركا. ومن مهام هذا المكتب حفظ التاريخ الائتماني للمقترض . اي الاستقصاء عن مدى قدرته على التسديد  وعن مدى التزامه بتسديد ديونه. يعمل هذا المكتب بشكل مستقل وبالتنسيق مع المصارف العاملة في لبنان.

والجدير ذكره، ان هناك دراسة وضعتها مؤسسة التمويل الدولية للمصارف وهي تتناول اهمية انشاء مثل هذا المكتب، الا انه  لغاية تاريخه ما تزال هذه الدراسة مجهولة المصير.

ثانيا: على المصارف وعي كيفية ادارة المخاطر. وعليها ان تضع في اولوياتها هذا الموضوع والابتعاد عن تكبير حجم التسليفات.

ثالثاً : على المقترض ادراك وضعه المالي وحجم مدخوله المؤّمن، ومعرفة طاقته على التسديد، فلا يقع في فخ قروض تتجاوز امكانية تسديدها ما يحصّله من مدخول شخصي.