رغم اتساع سلة المشاكل الاجتماعية  والاقتصادية لا يزال موضوع الدواء  يستحوذ على القسم الاكبر من الهموم لدى المواطنين الذين باتت شريحة واسعة من بينهم تكتفي بالسعي لتأمينه الى جانب لقمة العيش  ، وسط ضائقة مالية لا يستطيع احد التكهن بموعد انفراجها . ومع تراجع سعر صرف اليورو في المدة الاخيرة ، توّسم  الجميع خيراً من انعكاس صرفه تراجعا في سعر الدواء.

هل لمست سوق الدواء فعلياً تراجعا ً في اسعار بعض الادوية بفعل تراجع سعر صرف اليورو؟ هل تخطت نسبة التراجع  الـ7% حتى تاريخه؟ وهل ان هذا التراجع شمل كل الادوية ذات المنشأ الأوروبي؟

فارس

نقيب مستوردي الأدوية واصحاب المستودعات في لبنان ارمان فارس يوضح "للاقتصاد" إن اسس تسعير الادوية تشمل ثلاث قواعد وهي: الاولى تحديد سعر الاستيراد في العملة الاجنبية، وهذا يحصل عند تسجيل الدواء ويعاد النظر في سعر الاستيراد كل خمس سنوات، والثانية قاعدة تحويل سعر الاستيراد الى سعر المبيع من العموم وهو يأخذ بعين الاعتبار نسب المصاريف من فوب الى سيف ومن سيف الى باب المستودع وهامش ربح المستورد/الموزّع وهامش ربح الصيدلي.اما القاعدة الثالثة فهي تحويل عملة الاستيراد الى العملة اللبنانية (لأن الدواء لا يباع الا بالعملة الوطنية)، وهو يَعْتَمِد على احتساب معدّل الأسبوعين لأسعار تحويل العملات الأجنبية إلى الليرة اللبنانية الصادرة يومياً عن مصرف لبنان، ويتم تنفيذ هذا المعدّل المحتسب كلما ارتفع أو انخفض عن المعدّل المعمول به بنسبة مئوية تفوق الـ 3% صعوداً أم انخفاضاً. وفي هذه الحال، يتم اصدار مؤشر جديد للعملات من قبل وزارة الصحة العامة يعتمد في تحويل سعر المبيع الى العموم من عملة اجنبية الى ليرة لبنانية.

تطبيقاً للقاعدة الثالثة، تراجعت اسعار الادوية المستوردة باليورو تدريجياً وفعلياً منذ شهر آب 2014 وحتى تاريخ 11/6/2015 على سبع مراحل ليبلغ الانخفاض نسبة 22%  وهي نسبة انخفاض سعر اليورو مقابل الليرة اللبنانية. ثم عاد وارتفع سعر اليورو بسنبة 3% منذ تاريخ 11/6.

و الجدير ذكره أن الادوية ذات المنشأ الاوروبي ليست بالضرورة مستوردة باليورو. إنما الاكيد أن كل الادوية المستوردة بعملة اليورو تخضع للآلية المذكورة.

العملة والاستيراد

وعن  للبلدان التي تعطى الافضلية لاستيراد الادوية  منها،وعما اذا كان ثمة بلدان محظّر استيراد الدواء منها،طبقاً لمؤشرات معتمدة من قبل وزارة الصحة العامة والتي تسبق التحذير من هذا الاستيراد ،يشير فارس الى ان البلدان التي يجوز استيراد الادوية منها الى لبنان هي البلدان التي تقرر وزارة الصحة العامة ادخال عملتها الوطنية في لائحة عملات الاستيراد التي يتم على اساسها اصدار مؤشر معدلات الاسعار كل خمسة عشر يوماً. ومن ثم، فإن الدول التي لا ترد عملتها الوطنية في تلك اللائحة يستحيل الاستيراد منها.

ويقول فارس :اظن أن تحفّظ وزارة الصحة العامة على ادخال عملات جديدة على اللائحة ليس من باب التحذير، انما يعود لاعتبار أن لبنان ليس بحاجة الى توسيع مجموعة البلدان التي يستورد منها الادوية، لا سيما أن كل البلدان التي تعتمد صناعتها على الابحاث والتطوير والتي تأتي بأدوية فريدة وأساسية لمعالجة الامراض الهامة هي ضمن  اللائحة. 

تراجع في الانفاق

وعن الانفاق على الادوية في لبنان اليوم بعدما لجظت التقديرات السابقة للنقابة، نسبة ما بين 190دولارا ً و240دولاراً للفرد حسب العدد المقدر لمجموع السكان في لبنان وهو  ما بين 4 و5 ملايين فيما استهلاك الدواء في فرنسا هو 740 دولاراً للفرد يشرح فارس ان النقابة تعتمد وحدة القياس العالمية لتحديد حجم اسواق الدواء وهي "سعر المبيع للسوق" Net Selling Price to market وتستند الى مصادر المعلومات التالية: تقارير احصائية شهرية صادرة عن مؤسسة IMS تتناول استهلاك الادوية عن طريق الصيدليات، وتقرير خاص بها عن حجم استهلاك الادوية في المستشفيات، وايضا ًتقارير المؤسسات العامة (Public Institutions) عن حجم مشترياتها السنوي للادوية. ومع هذه المصادر الثلاث ووحدة القياس المعتمدة عالمياً، تقدّر سوق الدواء في لبنان لسنة 2014مليار و35 مليون دولاراي بنسبة ارتفاع 7% عن سنة 2013، موزّع في ما بين البيع عبر الصيدليات  800 مليون دولار والمستشفيات 125 مليون دولار والمؤسسات العامة 110 مليون دولار.

ووفق ما ذكر اعلاه ، فان نسبة الانفاق اصبحت تتراوح في ما بين 188دولاراً و 230دولاراً للفرد حسب العدد الذي نقدره لمجموع السكان في لبنان في ما بين 4،5 و 5،5 ملايين في ما استهلاك الدواء في فرنسا على سبيل المثال انخفض الى 670 دولاراً للفرد.

ويلفت فارس الى ان اعتماد لبنان على الاستيراد لا يزال كما  هو عليه سابقا ً ، اي أن الصناعة الوطنية تلبي في ما بين الـ 10 والـ 12%  من السوق .وقد ازدادت تلك النسبة بسبب اعتماد عدد من الشركات الاجنبية  على التوضيب المحلي لادويتها، مما يشجّع الصناعة الوطنية ولو أن القيمة المضافة لعملية التوضيب متدنّية.

سوق مضبوط وممسوك

ويطمئن فارس الى ان سوق الدواء مضبوط  وممسوك ويقول:

استطيع أن اصرّح بمسؤولية كاملة أن سوق الدواء هو من الاسواق التي تتميّز بأكبر نسبة من الانضباط بعد القطاع المصرفي في لبنان. وهذا مرده الى العوامل التالية:

- شفافية النصوص التنظيمية للقطاع بما فيه شروط التسجيل والتسعير والتسويق والاستيراد.

- تزايد القدرة على المراقبة والتفتيش ولو بقيت تلك القدرة غير كافية، لا سيما قدرة النقابات على فرض هيبة معنوية لاتمام المراقبة الذاتية في كل الاحوال.

- تزايد المنافسة على النوعية والاسعار في قطاع الادوية التي اصبحت قابلة للنسخ بشكل شرعي (الجينيريك)، مما يسمح للبنان الحصول على ادوية متطورة جداّ وباهظة الثمن دون زيادة الانفاق  الاجمالي على الفرد.

- قدرة القطاعين العام والخاص على التفاعل في ما بينهما لتطوير النصوص كلما دعت الحاجة لمواكبة التطورات العالمية والاحتياجات الاقتصادية المحلية.

- القدرة على احتواء اي تسلّل او انزلاق بشكل سريع، مسؤول وفعّال.

(ربطاً رسم بياني يوضح تقلبات سعر صرف اليورو لدى مؤشر اسعار الادوية الصادر من وزارة الصحة العامة)