من بين القوانين العاجلة والمفترض اقرارها  في مجلس النواب المعطل اليوم  المتعلق منها بمجال مكافحة عمليات تبييض الأموال والإرهاب عبر المشاريع الأربعة الموجودة في المجلس وهي: التعديلات المقترحة على القانون 318 المتعلقة بقانون مكافحة عمليات تبييض الأموال، ومشاريع القوانين المتعلقة بالتصريح عن المبالغ المحمولة نقداً عند الحدود، وتبادل المعلومات الضريبية والإزدواج الضريبي، والإنضمام إلى اتفاق الأمم المتحدة الخاصة بمكافحة الإرهاب.

واذ يبدي  بعض العاملين في القطاع المصرفي تخوفه من ترك هذه القوانين بين عملية الاخذ والرد وصولا الى الاهمال المخيم على اعمال السلطة التشريعية  ما يزيد الامور خطورة ويحملّ القطاع المصرفي اعباء ليس بمقدوره   مواجهتها بعد اخذ العلم ان لجنة العمل الدولية لمكافحة عمليات تبييض الاموال (غافي) ستعقد اجتماعاً بين أيلول  وتشرين الاول المقبلين، ويفترض أن تكون مشاريع القوانين المذكورة قد أقرّت في مجلس النواب، وإلا يُعتبر ​لبنان​ بلداً غير متعاون في مجال مكافحة تبييض الأموال، تطمئن مصادر مصرفية الى  ان القطاع المصرفي اللبناني يتمتع  بثقة عالمية ، وسمعة جيدة ، وكفاءة  كافية  في ادارة الامور بشفافية وضوح التزاماً منه بالمعايير الدولية المطلوبة.

تحت الضغطوإلحاحالدوليين ام بدونهما فأن مشروع قانون مكافحة تبييض الاموال مطروح منذ زمن وتم اعداد  النصوص الخاصة به منذ 4 سنوات او 5.  وقد تعاقبت حكومات عدة وأعيدالنظر في عدد من النصوص والتعديلات الخاصة به. كما أن هناك مواقف متخذة في مجلس النواب إن كانت سياسية أو تقنية، أخّرت في انجاز الموضوع.

ولكن هل أن تعديل قانون مكافحة تبييض الأموال من شأنه تفعيل مكافحة تبييض الأموال في لبنان من قبل المصرفيين المعنيين به؟

المحامي د.مرقص

المحامي د.بول مرقـص، رئيس" جوستيسيا" ورئيس اللجنة المصرفية في نقابة المحامين يقول "للاقتصاد":

ليس تماماً، لأن مشروع التعديل الراهن يضيف جرائم إلى المادة 2 من القانون ويؤكّد على استقلال جرم التبييض عن الجرم الذي سبقه، ويعدّل في أوصاف جرمية وفي عقوبات... ولا يتناول الإجرائيات التي ترعى عمل المصارف على نحوٍ يومي.

لكن الإشكالية مبدئية من حيث أن المصلحة الوطنية يجب أن تقف وراء مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وليس الالتزام بالتوصيات والمتطلبات الدولية فحسب.

وسأل: ولكن هل نحن في لبنان والبلاد العربية نتحرك إنطلاقاً من مصالح داخلية وطنية تملي علينا مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب؟

الأمر عينه ينسحب على مجريات عام 2000 عندما كان لبنان مدرجاً على  جدول الدول غير المتعاونة في ميدان تبييض الأموال بحيث أنه سارع إلى استحداث قانون 318 في العام 2001 لمكافحة تبييض الأموال، وأنشأ هيئة تحقيق خاصة لم تكن قائمة في السابق وألغى إمكانية إنشاء مصارف على شكل أوف شور... بهاجس تلبية التوصيات الدولية أكثر منه تجسيداً لمصلحة المصارف اللبنانية ودأبها على إبعاد مال الجريمة عن تعاملاتها انطلاقاً من أدبياتها المعهودة تاريخياً.

كذلك، على خلفية المطالبات الدولية أكثر منها الحاجات الوطنية الملحة، عُدّل القانون 318 في العام 2009 لدواعي مكافحة الفساد خصوصاً، والذي أٌدرج في عِداد جرائمتبييض الأموال. وهنا السؤال، كيف يمكن تفعيل هذا التعديل للمصلحة الداخلية لمكافحة الرشوة والفساد في الدوائر الرسمية والقطاع الخاص وليس لمجرّد تلبية لتوصية دولية؟

كيف للمصرفيين والقانونيين أن يُقدِموا فعلاً على مكافحة تبييض الأموال على المستوى الداخلي بقناعة ومبادرة ذاتية وليس إستجابة لتوصيات دولية؟

بخلاف ذلك، أي اعتبار مكافحة تبييض الأموال شأناً وطنياً مصلحياً، وما لم نثق أننا معنيون بهذا الإصلاح الداخلي المتأتي من مصلحتنا الذاتية، لن نبرَع ولن نُبدع في مكافحة التبييض كما نصبو اليه.

يذكر ان  لجنة المال والموازنة النيابية ناقشت في اجتماعها الاخير التعديلات المطلوبة على مشروع مكافحة تبييض الاموال، حيث أعلن رئيسها النائب ابراهيم كنعان أن :الاجتماع استثنائي بهدف حسم النقاط التقنية العالقة بين مصرف لبنان وجمعية المصارف ووزارتي المال والعدل، في موضوع مكافحة تبييض الاموال، للوصول الى صيغة مشتركة سترفعها الى اللجان المشتركة لدرسها وإقرارها.

ويبقى امام اللجنة بند إنشاء محكمة خاصة بجرائم تبييض الأموال التي تم  الاتفاق على مبدأها، وسيجري العمل على صياغة المادة المتعلقة بها، وقد تتطلب ما يسمى بالأخذ والردّ في تبادل وجهات النظر حيالها وفق مصادر مصرفية.

وبموازاة ذلك ،اكد  حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في اكثر من مناسبة أن مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة يسهران على حماية سمعة القطاع المالي اللبناني، وذلك بتنظيم نشاط هذا القطاع وفق قواعد عمل تحول دون دخول أموال غير مشروعة إلى القطاع. خصوصا ً وان تنظيم هذا النشاط بات ضروريا في زمن تكثر فيه العقوبات المالية المفروضة على دول ومنظمات من المنطقة.

كما ان السعى  مستمر الى الحد من توجه المصارف العالمية الى الاسترسال في تطبيق سياسات تقليص المخاطر (Derisking) سيما وان الحروب القائمة في المنطقة والعقوبات المالية المفروضة على بعض الدول والمنظمات تدفع هذه المصارف الى التمادي في هذهالسياسة  في المنطقة العربية.

وابعد من ذلك، يشير سلامة الى ان تجاوب المصارف اللبنانية وسائر المؤسسات مع تعاميم المركزي  يؤمن حركة أموال طبيعية بين لبنان والخارج.

أخيرا ، لا بد من الاعتراف ان نجاح المصارف اللبنانية في إدارة التعامل مع مكافحة تبييض الأموال وقوانين محاربة الإرهاب وتجاوزها للأزمات المالية العالمية وحماية الدولة ومؤسساتها من تداعيات الأزمات المتكررة، هو نجاح تحرص عليه.والزيارة الاخيرة التي قام بها وفد جمعية مصارف لبنان برئاسة نائب رئيسها سعد الأزهري الى كل من نيويورك وواشنطن نجحت في الخروج بنتائج إيجابية نيويورك وواشنطن، خصوصاً في ما يتعلق بتقوية العلاقات مع المصارف الأجنبية المراسلة واستمرارها في التعامل مع القطاع المصرفي اللبناني، رغم الكلفة العالية التي تتكبدها.

وقد أثنى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في خلال اللقاء الشهري الأخير مع وفد جمعية المصارف برئاسة فرانسوا باسيل، على نتائج الزيارة وعلى إيجابية توجّه الجمعية الى المحافظة على مكانة لبنان في المنظومة المصرفية العالمية، ورأى أن 'استمرار هذا الجهد يعزز الثقة بالقطاع المصرفي لدى المصارف المراسلة رغم المخاطر والتحديات الاقليمية والدولية المحيطة بالعمل، وبعمل المصارف المراسلة ذاتها التي تلجأ بدافع متطلبات الـ compliance ومتطلبات الرسملة، الى قطع علاقاتها من خلال سياسة الـ De risking في العديد من الدول (أميركا اللاتينية، أفريقيا…).