عشية دخول  الفراغ الرئاسي العام الاول يقيّم المراقبون تداعياته من كل الجوانب، وسط ازمات اقليمية متسارعة وتغييرات ديمغرافية تطال شظاياها بشكل اساسي لبنان، سيما وان بعض الاحصاءات الى ان سكانه من غير اللبنانيين اصبحوا يشكلون فيه نسبة 50%، وهو البلد المضيف الذي كتب له تسديد فواتير كشوفات دولية وسيناريوهات قطع  معدّوها  مرحلة بلورة  الافكار  وتُرجم الصراع الطويل على الارض واقع مرير لا احد يتكهّن خواتيمه.

قبل 25 ايار 2014 لم يكن الوضع الاقتصادي مزدهراً ولكنه كان بطيئاً في النمو، يترقّب الانفراجات السياسية ويتلطى من التفجيرات الامنية. اما اليوم وبعد مرور سنة على غياب رأس الدولة ووسط تعطّل كل المؤسسات، ولاسيما التشريعية منها فان الامور مختلفة. الانتظار سيد الموقف والخوف من الآتي اسوأ في ضوء ازدياد تشنجّ التصريحات السياسية وانفلاش  لعبة المحاور في الداخل اللبناني .

انكماش، جمود ، شلل ، انهيار، صمود ...؟

اين هو الاقتصاد اليوم في 25 آيار 2015؟

حبيقة

يقول الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقه أن غياب رئيس للجمهورية ينعكس تلقائياً على نقاط النمو في البلد. وهذا يعني ان البطالة ستزيد نسبتها اكثر مما يجب ان تكون عليه. فوزير العمل سجعان قزي يقول انها بنسبة 25% اليوم. ولكن لا احد يستطيع تحديد الرقم الصحيح. وممكن ان تكون  مع وجود رئيس للجمهورية  بنسبة 22%.

من هنا اهمية الاستقرار الاجتماعي الذي يشجّع الحركة السياحية ويجذب الاستثمار الاجنبي والمحلي. الشغور في كرسي رئاسة الجمهورية هو خسارة مقيّدة بالارقام بالاضافة الى الوضع العام السائد في لبنان والمنطقة.

فالكل يعلم ان البلد ليس سائراً كما يجب؛ فليس هناك من تعيينات لوظائف الفئة الاولى. فالخلافات مستمرة داخل مجلس الوزراء والقرارات المتخذة تكون مبتورة. وفي غضون ذلك، لاتستطيع الحكومة الاستقالة. هناك خلافات نعم ولكن التغيير غير ممكن. وابعد من ذلك، فان مجلس النواب غائب عن التشريع. فالكتل  النيابية المسيحية تقاطع التشريع وتربطه بانتخاب رئيس للجمهورية. وبالتالي جميع الكتل منقسمة سواء المنتمية منها الى 8 او 14 آذار.

واليوم هناك خوف جدي اليوم من ان يسحب البنك الدولي القروض المقررة الى لبنان وهي بحدود 500 مليون دولار اذا لم تسارع الهيئة العامة في مجلس النواب الى تشريعها. ومن المعلوم ان هذه القروض مقررة لمشاريع خدمات مثل المياه والكهرباء.

بالاضافة الى ذلك، لا يجب ان ننسى انه لا يوجد موازنة. فانتخاب الرئيس يحرّك الأمور وان لم يعالجها بشكل نهائي.

يشوعي

من جهته، الخبير الاقتصادي الدكتور ايلي يشوعي يعتبر ان الفراغ الرئاسي مرتبط بازمات اقليمية وهوليس valeur absolue  ينظر اليه لوحده. بل انه نتيجة مسببات، وهو وليدة الازمة الاقليمية المتفاقمة، والانقسام الداخلي الحاد والعميق بين الفرقاء السياسيين.

ففي لبنان ، لا يمارس السياسيون فعليا النظام الليبرالي كما يجب. هذا النظام يلزم بالتطّلع الى الداخل وتطويره وتحسينه بينما المسؤولون يتطلعون الى الخارج. الواقع نعم مرير. والازمة السياسية كبرى. وكذلك الانقسام الداخلي كبير وسببه النزاعات الاقليمية وتورّطنا بالموقف السياسي.

لبنان هو اليوم جزيرة معزولة عن محيطها. قبرص هي جزيرة ولكنها ليست معزولة. فرض هذا الواقع اقفال المعابر البرية والاوضاع المتفجرة في سوريا، سيما وان لبنان عنده اكبر حدود برية مع سوريا.

والذي ينقذ الوضع الى حد ما هو دخول اموال عراقية وسورية وايرانية الى جانب دخول اموال المغتربين اللبنانيين الناشطين في الخارج. وبالطبع،  هذه المداخيل تحرّك الطلب الاستهلاكي الداخلي. كما هناك مساعدات الامم المتحدة التي تمّر بدون الحكومة اللبنانية وتقدر بحدود المليار دولار فيما ان ما يمرّ منها عن طريق الحكومة هو بحدود الـ 100 مليون دولار.

وهناك سلسلة مؤشرات نذكر منها: الموضوع الزراعي فهو في تحسّن بسبب تراجع القطاع الزراعي السوري  المنافس.

اما بالنسبة للصناعة فالوضع مختلف؛ فهي تتكبّد اكلافاً كبيرة خصوصاً في مجال التصدير  من بيروت الى الخليج عن طريق مصر ومن بيروت الى العراق عن طريق تركيا.

من هنا، نقول للمسؤولين في الدولة خففّوا من مصاريفكم، من صفقاتكم  ومشاريعكم الشخصية وسمسراتكم ليستطيع الشعب العيش بكرامة والاستمرار ولفتح المجال امام الاستثمار المجدي.

ويشير يشوعي الى ان وضع الميزان التجاري هو صعب وقد بلغ 15 مليار دولار لافتاً الى ان هذا هو نزف للعملات الصعبة حيث ان الخارج منها هو اكثر من الوارد.

ويقول: "لبنان بحاجة سنوياً الى 25 الف فرصة عمل لا يؤمن منها سوى 3 أو 4 آلاف بسبب مزاحمة اليد العاملة السورية والعراقية والفلسطينية، خصوصاً انه بعد العام 2010 اصبح بمقدور الفلسطيني العمل بدون اي اجازة.

للاسف نفتقد لوجود حكومة متبصرّة تمتلك فكرا اجتماعيا وماليا سليماً. فلا يوجد احد يستطيع التفكير في كيفية ادارة اقتصاد في ظل ازمة اقليمية، وانا اقول اليوم: انا دكتور يشوعي استطيع تحريك الاقتصاد على 10 سنوات وفي ظل ازمة ستمتد الى 10 سنوات".

فلم يعد مسموحا هندسة موازنات يرافقها عجز مستمر. من المفترض وقف الدين والاعتماد على موازنة متوازنة وتحقيق فوائد. ولوقف نمو الدين العام يجب مراجعة السياسة المالية والأهم الاهتمام بقطاع الخدمات العامة ، ذات الطابع الاستثماري مثل المياه، الكهرباء، سكة الحديد، مصافي البترول، كازينو لبنان...

فالدولة تموّل كل هذه المرافق وتديرها ، ولكن تبيّن انها فشلت في الاداء والتمويل معاً؛ فلا الخدمة مؤمنة بالنوعية المطلوبة ، ولا بالتالي النتيجة بررت الانفاق .

لقد انفقنا 10 مليارات دولار على  الكهرباء والكهرباء الى تراجع.

واسأل اليوم اين قانون اشراك القطاع الخاص في التمويل والادارة ؟ لماذا لايتم اقراره؟

كما هناك فائض في الاحتياط الالزامي للمصارف يجب الافراج عنه من قبل المصارف لمساعدة المستثمرين الجدد.

وهذه الاستثمارات لا تترّتب اي كلفة او مخاطر ولكنها تستطيع تكبير حجم الاقتصاد وخلق فرص عمل  وتعزيز ايرادات الدولة.

من المفترض تحريك الاقتصاد في ظل ازمة اقليمية مستمرة. وادعو الى ثورة بيضاء باسلوب ديموقراطي لفتح صندوق الانتخاب وازاحة مجلس نواب مدد لنفسه  وهو اسير قانون انتخاب فيما ان  الناس مهتمون في تأمين معيشتهم.

هناك مخارج كثيرة للازمة لكن الطبقة السياسية توصدها لانها لاتفكر الا بمصالحها الخاصة بالعين المجردّة.

اليوم الدين العام في لبنان هو بحدود الـ 70 مليار دولار والناتج المحلي هو 75 مليار دولار. وكنت لأقبل به لوكان الناتج  100 مليار دولار .

للاسف، اننا ما زلنا نربط  مصالحنا بالخارج ودخلنا سياسة المحاور .

واين اصبح اعلان بعبدا ؟ وماذا ينفع الحوار الداخلي اذا كان التدخّل الخارحي مسيطرا؟

لكل الخبراء في مجال الاقتصاد وعالم المال نظريات تتطابق مع بعضها في نقاط وتختلف في نقاط اخرى الا ان القاسم المشترك يبقى بضرورة البحث عن وسائل نافعة وجدية للخروج من المأزق الذي وقف عند الهاوية الخطيرة.