أثناء الحروب أو الحوادث يتنامى الطلب على المصل وهو معروف علمياً بالمحاليل الوريدية. فهو المادّة الأولية التي يعلّقها المسعفون في يد المريض والمصاب فور اصابته، تحضيراً لاخضاعه لعلاج ما أو لعملية جراحية عاجلة و/أو مبرمجة سابقاً. في لبنان، يعتبر المصل من بين الموّاد الصناعية والدوائية القليلة التي يكفي الانتاج الوطني السوق المحلي ويصدّر الفائض منه إلى الدول العربية المجاورة.كانت ثلاث مؤسسات صناعية دوائية تنتج الأمصال، بقيت منها اثنتان، تتقاسمان السوق اللبناني، وتعتبران رائدتين في صناعة الدواء في لبنان وهماAlfa Serum Productفي منطقة سهيلة – كسروان، وشركة الأمصال اللبنانية في الشويفات. وبدأت كلا الشركتين بانتاج المصل منذ العام 1973. ولقد خرجت الشركة الثالثة ( وكانت لا تؤمن إلا 5% من حاجة السوق ) من المنافسة لعدم التزامها معايير الجودة المطلوبة.

توزّع السوق

تعمل الشركتان حالياً على تطبيق برنامج انتاجي جديد وحديث Current Good Manufacturing Practice بالتنسيق مع منظّمة الصحة العالمية. وقد حازت احداهما ويقدّر حجم أعمالها بـ 17 مليون دولار تقريباً، على قرض مدعوم من مصرف لبنان بقيمة ثمانية ملايين دولار للتوسيع والتطوير.

طرحت " الاقتصاد " مخاوف اللبنانيين من انتفاء الحاجة إلى المنافسة بين شركتين تسيطران على كامل السوق، وقد تكونان ارتبطتا باتفاق ضمني بينهما على حصّة كل منهما في السوق، الأمر الذي يعكس نوعاً من الاحتكار وسيطرة على الأسعار وعلى هامش الأرباح. فنفى مدير عام شركة الأمصال اللبنانية طارق طبارة " للاقتصاد " هذا الأمر، وأكد " أن السوق اللبناني هو سوق حرّ ( Free Market ) والمنافسة فيه حرّة وشرعية ضمن حدود المحافظة على الأسعار المسجّلة في وزارة الصحة العامة. وتوجد سياسة تسويقية مع فريق تسويق متخصّص لمتابعة تغيّرات السوق والتنسيق مع الانتاج لتأمين حاجات السوق المحلي والدخول بمناقصات وعروض أسعار".

حاجة السوق اللبناني أقل من الطاقة الانتاجية القصوى

تقدّر حاجة السوق المحلي بنحو تسعة ملايين قطعة سنوياً من أكياس المصل التي تتراوح بين مختلف الأحجام والتركيبات. أما الطاقة الانتاجية للشركتين فتتعدّى حاجة السوق اللبناني بكثير وقد تصل لكلّ منهما إلى 10 ملايين كيس. وتعتبر المستشفيات المستهلك الأكبر للأمصال. ويباع أيضاً للمستودعات المرخصة وذلك وفق القوانين المرعية الاجراء. ولكن لا يمكن معرفة حقيقة مدى الحرص على عدم البيع مباشرة إلى الأفراد، إذ يمكن أن تجد المصل معروضاً في عدد من الصيدليات.

عوائق التصدير...والتهريب؟

تتمّ عمليات التصدير عن طريق البرّ. أما العقبات التي تعترضها فتعود بحسب مصادر الشركتين المنتجتين إلى صعوبات تتلعق بتسجيل المنتجات في بعض الدول التي تضع شروطاً تحول دون تسهيل عملية تسجيل الدواء اللبناني فيها، ما يمنع دخول المنتجات اللبنانية إلى أسواق الدول المراد التسجيل فيها.ولا تتيح عوائق التصدير إلى بعض البلدان العربية المجاورة ولا سيما إلى الأردن، المجال أمام المصنعين اللبنانيين للانتاج بالطاقة القصوى. مع العلم أن التصدير يأخذ شكلين وبعدين: التصدير الرسمي عبر الشركتين إلى أسواقهما التقليدية. وهناك التصدير غير الرسمي أو ما يعرف بالتهريب إلى سوريا والعراق ودول أخرى حيث تقع نزاعات حربية وتقاتل.وتقدّر الكميّات المصدّرة بالطريقتين بنحو مليوني كيس.

طبيعة المصل وتركيبته

تنتج المحاليل المعقّمة وتندرج الأصناف المصنّعة تحت قائمتين أساسيتين:

1- محاليل معقمة معدة للحقن الوريدي، ولها عدة استعمالات تتراوح بين تغذية الجسم وتزويده بالاملاح والطاقة الضرورية الناتجة عن حالات مرضية معينة او عن نقص في هذه المواد.

2- محاليل معقّمة معدّة للغسل، تستعمل أثناء اجراء العمليات الجراحية حيث يلزم ( جراحة المثانة، جراحة العيون...)

وتعتبر المحاليل الوريدية محاليل معقمة ترتكز في تركيبتها على مزيج من المياه المقطرة (Water For Injection ) والمواد الأولية ( أملاح، سكر...).

وردأ على سؤال "للاقتصاد" عن امكانية شركات الدواء تنظيف المياه في لبنان من كلّ الرواسب، أجاب طبارة: "ان المياه المقطرة يتم تحضيرها عبر عملية معالجة دقيقة مترابطة وذات تقنية عالية تخضع لها مياه المدينة حيث تتم تنقيتها من الأملاح والمعادن والشوائب والملوثات للوصول بها الى مياه مقطرة معقمة معدة للحقن الوريدي ( Sterile water for injection ) وذلك وفق مواصفات عالمية منتقاة من دساتير الأدوية العالمية ( United States Pharmacopeia,… )."

تختلف تركيبة المحاليل الوريدية حسب دواعي استعمالها، على سبيل المثال:

- المحاليل التي تحتوي على الملح في تركيبتها ( Sodium Chloride ) تعطى في حالات نقص الأملاح وبعض حالات الجفاف الناتجة عن خسارة هذه الأملاح بسبب الاسهال أو حالات أخرى.

- المحاليل التي تحتوي على السكر في تركيبتها ( Dextrose ) تعطى لتزويد الجسم بالطاقة اللازمة في حالات نقص الطاقة.

تاريخ الصلاحية وطريقة الحفظ وسعة العبوة

إن مدّة صلاحية المحاليل الوريدية هي ثلاث سنوات من تاريخ التصنيع، ويتمّ تحديد تاريخ الصلاحية بناء على دراسات ثبات ( Accelerated Stability and Long Term Stability ) يتمّ اجراؤها على المنتج وفق متطلبات عالمية. ويجب أن يحفظ المنتج خلال فترة تخزينه وطوال مدّة صلاحيته في توضيبه الثانوي ( النايلون ) على درجة حرارة ورطوبة حسب ما هو محدّد على العبوة. تتراوح سعة عبوة المصل بين 3000 مل لمحاليل الغسل، 1000 و 500 و 250 و 100 و 50 مل لمحاليل الحقن الوريدية. ان الأحجام 50 و 100 مل تستعمل لاضافة وتحضير المضادات الحيوية وأدوية معالجة السرطان ( Antibiotics and Oncology Medicines ).

وردأ على سؤال عمّا إذا كان هناك أنواع من المصل الجيّد وغير الجيّد، أجاب طبارة:" بشكل عام في مجال الدواء نتحدث عن منتج مطابق أو غير مطابق وذلك وفقاً للمواصفات الموضوعة والمحددة بحسب مقاييس ومعايير عالمية".

نوعية الدواء الجيّدة في لبنان

لقد أثبتت التجارب أن شركات الأدوية في لبنان تعمل وفق أصول التصنيع الجيّد وتعتمد سياسة ادارة الجودة لتأمين وصول منتج نهائي آمن وفعّال إلى المستهلك النهائي. وتملك مختبرات خاصة بها لمراقبة الجودةواجراء التحاليل اللازمة على المواد الأولية والمواد النصف مصنّعة والمنتجات النهائية. ويتم توثيق كل العمليات الانتاجية وعمليات مراقبة الجودة على سجلات خاصّة لتتبّع التشغيلات وضمان اجراء تحرير واطلاق المنتج بناء على سجلات موثقة تضمن مطابقته للمواصفات خلال عملية تصنيعه وتحليله.

العقبات

تواجه قطاع الدواء في لبنان عقبات بعضها شبيه بالعقبات التي تعترض قطاع الانتاج عامة في لبنان، وبعضها تتعلق بقطاع الدواء خاصة. وهي تدور حول ارتفاع كلفة اليد العاملة مقارنة مع دول الجوار، وارتفاع كلفة الطاقة، وارتفاع كلفة معالجة الهواء عبر منظومة معالجة الهواء وتنقيته عبر سلسلة من الفلاتر والتجهيزات التي تعمل للوصول بغرف الانتاج الى درجات حرارة حسب متطلبات أصول التصنيع الجيّد، وارتفاع كلفة معالجة المياه عبر سلسلة من عمليات التنقية والمعالجة للحصول على مياه مقطرة معقمة مخصصة للحقن الوريدي.

... والحلول

وجّهت " الاقتصاد" إلى طبارة سؤالاً عمّا يطالب به وزارة الصناعة ووزارة الصحة لتسهيل القدرة التنافسية، فأجاب:" دعم الصناعة الوطنية عبر تخفيض كلفة الطاقة على الصناعة، التفاوض مع وزارات دول الجوار المعنية للوصول إلى اتفاقيات معاملة بالمثل وتسهيل تسجيل المنتجات اللبنانية في هذه الدول تسهيلاً للدخول إلى أسواقها، اعتماد الصناعة الدوائية الوطنية في مشتريات وزارة الصحة العامة، تفعيل الشراكة بين وزارتي الصناعة والصحة العامة ومصانع الدواء، اعتماد مرجعية تسجيل الأصناف في وزارة الصحة العامة لتسهيل المعاملات مع سائر الدوائر الحكومية، دعم تأمين وتسجيل اجراءات غير مكلفة لتلف الأدوية المصنعة محلياً بعد انتهاء صلاحيتها".