استضاف برنامج "المجلة الاقتصادية"، للمعدة والمقدمة كوثر حنبوري، في حلقته الـ 33 عبر أثير "إذعة لبنان" الخبير الاقتصادي د. غازي وزني في قراءة للمذكرة الإقتصادية - الرسالة العامة الرابعة للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وانطلاقاً منها، كيف ينظر الخبراء إلى دور لبنان الاقتصادي. وتخلل الحلقة مداخلات للخبير الاقتصادي د. لويس حبيقة ، وعميد كلية ادارة الأعمال في الجامعة الأنطونية د. جورج نعمة.

بداية، أشار الخبير الإقتصادي د.غازي وزني إلى أن أهمية رسالة ومذكرة البطريرك الراعي تكمن في أنها تعالج البنية الإقتصادية الموجودة في لبنان وتعمل على إيجاد الحلول لها، فالمذكرة إيجابية إصلاحية حقيقية تهدف إلى معالجة المشكلة الرئيسية والأساسية للإقتصاد اللبناني وهي البنية الإقتصادية، والتي تحتاج إلى الكثير من الإصلاحات وإعادة الهيكلة، والمذكرة تعالج مشاكل وتشوهات النمط الإقتصادي القائم في لبنان، والذي يواجه تحديات بنيوية، عبر تطوير البنية الإقتصادية والتي من خلالها يمكن معالجة النمط الإقتصادي الموجود.

ولفت وزني إلى أن المذكرة قسمت إلى 4 فصول أساسية، والفصل الأول يتناول البنية الإقتصادية في لبنان، حيث أن الإقتصاد اللبناني يعتمد على المبادرة الفردية الأمر الذي أدى إلى تهميش القطاعات الإنتاجية اللبنانية لصالح قطاع الخدمات الذي لا يستطيع أن يؤمن فرص العمل الكافية لتلبية احتياجات السوق، مضيفاً أن الفصل الثاني تحدث عن البعد الإجتماعي لإقتصاد السوق، ويهدف إلى تغيير البعد الرئيسي للإقتصاد بحيث لا تبقى الربحية الهدف الأساسي له، بالإضافة إلى تعديل الموازنة العامة والتي ترتفع فيها الكلفة في كافة القطاعات من دون إيجاد حلول للأزمات والمشكلات الإجتماعية والإقتصادية التي يعيشها لبنان ويعاني منها، في الوقت الذي لم تقم فيه أي من الموازنات المتعاقبة بالعمل على معالجة هذه المشكلات، وهكذا تهدف المذكرة إلى تحصين البعد الإجتماعي في الإقتصاد وبالتالي البعد الوطني.

وأضاف أن الفصل الثالث يتمحور حول مرتكزات الإقتصاد اللبناني، فتهدف المذكرة إلى تحويل النمط السائد في لبنان، والذي يقوم على اقتصاد السوق ويعاني من الكثير من التشوهات والمشاكل ويهدف فقط إلى الربحية ويسعى إلى تطوير القطاعات الخدماتية على حساب القطاعات الإنتاجية، ولا يشكل داعماً متأثراً بكافة العوامل الخارجية حيث أن النمو الإقتصادي يرتبط بالخارج وباستقراره.

ورداً على سؤال للمعدة والمقدمة كوثر حنبوري حول ركائز المذكرة والتي قال البطريرك الراعي عنها أنها مسؤولية كبيرة تهدف إلى خلق مستقبل أمام الأجيال الصاعدة في لبنان، قال وزني أن المذكرة تعالج الأمور الحياتية والمشاكل التي تواجه اللبنانيين يومياً، مثل الكهرباء التي تنعكس مشاكلها سلبياً على المالية العامة والدين العام والإقتصاد بشكل عام، بحيث أن العجز فيها يشكل 40% من الدين العام أي 25 مليار دولار أميركي، ومن دون العجز في مؤسسة كهرباء لبنان لكان الدين العام حالياً لا يتجاوز الـ 30 مليار دولار، ولذلك أهمية هذه المذكرة تأتي من الدعوة العامة التي توجهها لكافة الأطراف والجهات لتبني خطة اقتصادية شاملة تهدف إلى تطوير الإقتصاد والتخلص من المشكلة الأساسية التي يعاني منها وهي اعتماده على اقتصاد السوق والمبادرة الفردية.

وتابع أن "صندوق النقد الدولي" في تقريره، وللمرة الأولى، يدعو إلى اقرار الموازنة واقرار مراسيم النفط، بالإضافة إلى إصلاح سوق العمل في لبنان ومعالجة البطالة، التي ترتفع بشكل كبير في الوقت الذي لا يستطيع فيه الإقتصاد اللبناني خلق فرص عمل كافية تلبي الأعداد المتنامية للشباب، حيث أن التقارير تشير إلى أن أرقام البطالة تضاعفت في السنوات الأخيرة، وتطال الشباب أولاً والنساء، فـ 43% من العاطلين عن العمل هم من الشباب و12% منهم نساء، مشيراً إلى أن البطالة ظاهرة لا يمكن معالجتها بسهولة في الوقت الذي تزداد فيه أعداد الشباب لتصبح هائلة ولا يستطيع سوق العمل تلبيتها، مؤكداً أن الإقتصاد اللبناني هو اقتصاد هجرة والدولة اللبنانية لم تقم بأي من الموازنات السابقة بإجراء واحد لحل الأزمة وخلق فرص العمل.

وأكد وزني، رداً على سؤال حنبوري حول خطوات معالجة الدين العام الذي ينمو بنسبة 8% سنوياً في الوقت الذي ينمو فيه الإقتصاد بنسبة 2%، أن مذكرة البطريركية المارونية هي صرخة لمعالجة الدين العام والإقتصاد يقوم بأداء مخيب وضعيف ومتواضع بحسب "صندوق النقد الدولي"، فالنمو الإقتصادي تراجع بشكل كبير في السنوات الأخيرة و"صندوق النقد" يحذر من المخاطر التي يواجهها لبنان والتي تدفع به نحو أزمة لها تداعيات كبيرة على الإقتصاد اللبناني.

أما الخبير الإقتصادي د.لويس حبيقة، فقال في مداخلة هاتفية أن الأمور التي طرحها "صندوق النقد" في تقريره الأخير مواضيع مهمة وتشغل البال، خاصة في ظل شلل المؤسسات الدستورية، مما يشكل مشكلة كبيرة تؤدي بلبنان إلى نفق مظلم، مضيفاً أن اقرار الموازنة هو موضوع أساسي ولا مجال للجدل في ذلك في ظل الفوضى العارمة التي يواجهها لبنان.

وأشار إلى أن العجز في الموازنة يزداد يوماً بعد يوماً ولا يمكن بالتالي الإكمال على هذا النحو، خاصة وأن الدولة عاجزة عن ايجاد حلول جادة عبر الموازنة، ونظرة "صندوق النقد" سوداوية إلا أنها واقعية.

ومن جهته، أكد عميد كلية إدارة الأعمال في "الجامعة الأنطونية" د.جورج نعمة أن المذكرة الإقتصادية للبطريرك الراعي هي مذكرة بنيوية تعيد النظر في كافة المشاكل التي واجهت لبنان في كافة الحقبات ومنذ عهد الإستقلال، وبالتالي هناك متابعة ومعالجة فيها لنظام لبنان الإقتصادي، الذي سمح للبنان في الفترات السابقة بلعب دور كبير كوسيط للخدمات والتجارة في المنطقة، إلا أن الظروف تغيرت والمميزات التي مكّنت لبنان من الحصول على دور مهم لم تعد موجودة حالياً، وهكذا لا يمكن الإكمال بهذا الواقع والمذكرة اعطت منحى جديد لإقتصاد لبنان يقوم بدعم الإقتصاد الإجتماعي.

ولفت إلى أن الموازنة التي يتم تداولها حالياً مثلها مثل الموازنات السابقة، يغيب عنها الإتزان حيث  أن الإيرادات والنفقات في الحكومة اللبنانية تعاني من خلل كبير وهناك 7 ألف مليار ليرة عجز بين النفقات والإيرادات، ولذلك هناك حاجة إلى مذكرة كتلك التي طرحتها البطريركية المارونية لإعادة نظر بنيوية لما يواجهه الإقتصاد في لبنان.