خسر لبنان خسر ويخسر الكثير في نموه وعمالته وأوضاعه المالية والاجتماعية والبشرية في الفترة الاخيرة ،ولاسيما مع اندلاع الحرب السورية ، حتى اصبح  القول جائزاً  أن لا مجال لنهوض الاقتصاد اللبناني طالما استمرت الحرب في سوريا. هذا الترابط قوي مع الدولة الوحيدة التي لنا حدود برية عملية معها.

والمشكلة الأبرز اليوم بالنسبة للبنان هي أوضاع اللاجئين السوريين التي تشكل ّ ثقلا ماديا يكبر مع الوقت بسبب زيادة العدد.  ورغم ان هنالك ضرورة لضبط الاحصائيات بحيث لا تكون الأرقام مختلفة كليا بين مصدر وآخر،فان هذا غير موجود خصوصا في قطاع العمل، علما انه تبعا للمؤسسات الدولية، هنالك 8000 مواطن يغادرون سوريا يوميا حوالي خمسهم يدخل الى لبنان.

والمفارقة اليوم ان الاوضاع السياسية غير المشجعّة ساهمت في اخراج  الخليجيين الذين يؤمنون مصدر واردات هام  ومنشطاً اساسيا ً للقطاع الاقتصادي ككل والقطاع السياحي خصوصاً،ليحّل مكانهم  النازحون السوريون الذين تبيـّـن أن ليس لهم أي تأثير يـُـذكر على تنشيط الطلب ومستوى الإستهلاك، لابل يشكـّـلون عبئاً هائلاً على الإقتصاد الوطني.

أما بالنسبة لسوق العمل، فوفق البنك الدولي ، فإن العرض في هذه السوق ارتفع بنسبة 30% وغالبية الطلب الإضافي هو طلب ناتج من العمالة السورية الوافدة إلى لبنان. أما نوعية هذه العمالة فهي بين متوسطة المهارة وغير ماهرة، ما يجعلها منافساً قوياً للعملة اللبنانية ولا سيما "في القطاع الخاص غير النظامي". وعلى هذا الأساس توقع البنك الدولي أن يكون معدل البطالة بين الشباب قد ارتفع في عام 2013 إلى 22% في سوق تعاني من قلّة الإنتاجية، ومن خلق وظائف ذات نوعية متدنية. والخطر في هذا الأمر أنه يتزامن مع تباطؤ اقتصادي.

الذي اصبح متداولا اليوم هو ان نسبة البطالة في لبنان هي 22% ولكنها بين الشباب هي بنسبة 35%.

رغم اهتمام وزارة العمل بهذه المشكلة الحقيقية ولجوئها الى سلسلة قرارات تمنع من توظيف واستخدام غير اللبنانيين في بعض القطاعات فان هذه الظاهرة مستمرة بشكل او بآخر.

ما هو عدد العمال السوريين الذين يدخلون قطاعات يتم اخراج اللبنانيين منها ؟ كيف يتحرّك الاتحاد العمالي العام في هذا الاتجاه؟

غصن

رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن يقول ليس هناك من اي ارقام مسجلة حول عدد العمال السوريين في لبنان، طالما ان عدد السوريين الموجودين في لبنان من نازحين وغير ذلك هو غير معروف . فليس هناك من ارقام لا في وزارة العمل،  ولا في اي وزارات او دوائر اخرى، ولا وحتى المنظمات الدولية عبر الحدود طالما انه حتى تاريخه لم نستطع رصد عدد النازحين بشكل دقيق.

واليوم الاتحاد العمالي العام يتابع  اتصالاته مع  المسؤولين  بهذا الشأن  بدءاً  من رئيس الحكومة  الى وزراء العمل ، الشؤون الاجتماعية وغيرهم من المعنيين. اننا  نطلق الصرخات في كل مرة بوجه هذا الاهمال الكلي  الذي انعكس اعباء مرهقة على المجتمع  اللبناني .

ويعتبر غصن ان بعض اصحاب العمل يستغل هذا الوجود السوري الموجود اصلاً في بعض القطاعات مثل الزراعة  والبناء  لينافس به العامل اللبناني في قطاعات اخرى مثل النقل العمومي البري.

و في هذا السياق ، يلفت غصن  الى انه  لا يمكن  التأكد من  مدى الالتزام بقرار وزير العمل الذي منع بموجبه السوريين من العمل في النقل العمومي، خصوصا ً ان بعض اصحاب شركات السيارات يوظفون سوريين  ويشتكون في آن معاً  من المنافسة غير المشروعة في هذا الحقل.

يقول: للاسف لبنان بلد مستباح، رغم ان اجهزة التفتيش التابعة للوزارات وللضمان الاجتماعي تمارس عملها وترسل دوريات بشكل مستمر للتحقق من وجود المخالفات في قطاعات العمل المختلفة.

والكل يعلم ان توظيف  العامل السوري يكون لتخفيف الاعباء  المالية على بعض اصحاب العمل سيما وان ما يطلبه هو تأمين المسكن والطعام  قبل المطالبة بالراتب الذي يكون بحكم الحال متدنياً.

ويضيف غصن: يجول المسؤولون اللبنانيون على كل عواصم  الدول عارضين تداعيات ازمة النزوح على مختلف  الاصعدة، ومن بينها الاجتماعية التي تترجم في ارتفاع نسبة البطالة بشكل تصاعدي في لبنان. ونلاحظ  كيف  ان كل الوعود والتطمينات تبقى حبرا ً على ورق.

فلبنان يواظب على المشاركة في المؤتمرات الدولية الخاصة بالنازحين لطلب المساعدات. ولكن؟

هذه قضية انسانية كبرى تبدأ بالنزوح وتنتهي بالمنافسة ناهيك عن الموضوع الاخلاقي والامني المفتوح على اعمال السلب والجرائم الى ما هنالك من وجود لخلايا ارهابية نائمة.

وبالعودة الى مشكلة البطالة، يؤكد غصن انها كانت موجودة  في الاساس في لبنان ، الا انها اتخذت منحى خطيراً  مع النزوح السوري، وانتقلت  شيئاً  فشيئاً  من قطاع الى آخر حتى طالت قطاع المطاعم  والمقاهي لتسجّل نسبة 50%.

اذاً النزوح السوري  زاد الطين بلّة، وبات يهدّد مستوى الاجور، خصوصاً وان اصحاب العمل اصبحوا يوظفون  السوريين ويتهرّبون من  اعطاء اي زيادة  للعامل اللبناني.

وعن كيفية تحركّ العمالي لدى تبلغّه  شكوى بهذا الصدد يؤكد غصن انه تتم مراسلة الوزارات المعنية  التي  تقوم بالدور المطلوب منها، وهو ارسال دوريات تفتيش وتسطير محاضر ضبط بالمخالفات والتجاوزات بعد  التحقق منها.

ويذكر ان من بعض هذه  المخالفات عدم تسجيل  العامل الاجنبي  في الضمان حتى ولو انه لا يحق له الافادة من تقديماته. وهذا شق يطبّق  في اطار الالتزام  بالمساواة في العمل.

ومن المؤكد ان رب العمل عندما تفرض عليه التصريح للضمان وتسديد بدل عن تشغيل  اي عامل  اجنبي لديه لن يستخدمه هرباً من هذه المتوجبات.

ويتابع: صحيح ان الوضع  الامني  ممسوك  وهذا عامل اساسي، الا ان العقد والعثرات والمشاكل هي كبيرة  سواء على مستوى المجتمع او الاقتصاد . فلا ننسى ان نسبة غلاء المعيشة قد زادت 37% رغم تراجع سعر اليورو اكثر من نسبة 50% والنفط ايضاً اكثر من نسبة 50%.

ويضيف غصن: نحن كاتحاد عمالي نتابع بكل جدية موضوع العمالة السورية مع وزارة العمل من مختلف جوانبه. وعندنا خط ساخن ندعو المواطنين الى الاتصال والتبليغ عن اي شكوى مع حرصنا الكامل على اهمية الحفاظ على السلم الاهلي.

وفي موضوع الصرف التعسفي يقول غصن  ليس هناك  شكاوى من  حالات صرف تعسفي، وانما هناك نوع آخر  من الشكاوى  مرتبط  ببعض المضايقات التي يمارسها بعض اصحاب العمل  للعمال بهدف  دفعهم الى ترك العمل، دون تسجيل اي صرف تعسّفي.

وفي هذا السياق، تتم معالجة بعض الشكاوى واخرى تحال الى  مجالس  العمل التحكيمية . وتتابع  كل هذه المواضيع  بدقة  "وبشغل بال" والسعي كي لا يكون العامل  بالعراء.

مصادر البنك الدولي تلحظ ان أن تكلفة الحرب السورية تتوزع بشكل غير متساو في المنطقة حيث تتحمل سوريا والعراق عبء التكلفة المباشرة للحرب مع  تراجع الإنفاق على الرفاه لكل فرد في البلدين بنسبة 14% و16% على التوالي. اما  في الدول المجاورة  فقد هبط نصيب الفرد من الدخل بأكبر نسبة في لبنان وبلغت 11% في حين لم يتجاوز التراجع في تركيا ومصر والأردن 1.5% ما يعكس الأثر الكبير في لبنان الذي توجد فيه أكبر نسبة من اللاجئين بالنسبة لعدد السكان.

واذ يتوقع البنك الدولي أن يكون النمو لعام 2015 بنسبة 2.5% بعدما كان يتوقع أن يكون 4% "فالأزمة السورية ستبقى تشدّ الاقتصاد اللبناني نزولاً، مع انتاج خجول وغياب فرص عمل للبنانيين وكل ذلك في ظل هشاشة الوضع الأمني.

واخيرا، قد يكون هذا الوجود السوري في لبنان مرتبط بسلسلة اعتبارات اهمها انسانية، الا ان التحكّم بدخوله قطاعات العمل المختلفة بحاجة الى رادع قوي نابع من ارادة وطنية بالمحافظة على العامل اللبناني.