حتى الآن، لم تقرّ الحكومة مبدأ تعويض المصدّرين عن الأعباء المالية الاضافية التي ستترتّب عليهم من الفارق المتأتي من اعتماد خطوط شحن بحرية بديلة للبضائع ال​لبنان​ية الصناعية والزراعية إلى الأردن والعراق ودول الخليج، نتيجة اغلاق الخطّ البرّي التقليدي عبر معبر نصيب على الحدود السورية – الأردنية. مع العلم أن وزيري الصناعة حسين الحاج حسن والزراعة اكرم شهيّب طرحا المسألة أكثر من مرّة في مجلس الورزاء، خصوصاً حين وقوع أزمة احتجاز السائقين اللبنانيين على المعبر المذكور. وإذا كانت الحكومة وضعت في أولوياتها ايجاد حلّ للسائقين والشاحنات قبل الشروع في البحث جدّياً في دعم كلفة فارق التصدير، يقول صناعي " للاقتصاد " إنها اليوم لم تعد معذورة إذا واصلت تلكؤها في حسم هذه المسألة، لا سيّما أن مجمل الدراسات المتلعقة بهذه القضية، بما فيها الأكلاف، باتت بحوزتها.

Roll on – Roll off

وتكرّر في الاعلام كثيراً الحديث عن سفن الرورو. وهي بالحقيقة اختصار لعبارة Roll on – Roll off بالانكليزية، وتعرف بالعربية بسفن الدحرجة التي تستخدم لنقل البضائع ذات العجلات ( كالسيارات مثلاً ) من مرفأ إلى آخر، أو لنقل البضائع المعبّأة بالمستوعبات المحمّلة على ظهر الشاحنات. وبدأ العمل في اوروبا بهذا الشحن منذ العام 1850 لاختصار الوقت والكلفة والمسافات. وتمّ تفعيله خلال الحرب العالمية الثانية لنقل المدرّعات والدبّابات والآليات العسكرية على متن هذه السفن.

في لبنان، ثمّة محاذير عديدة لهذه الوسيلة، أبرزها كلفتها المرتفعة أكثر من النقل البرّي، والمدّة الزمنية الأطول التي تحتاجها الشحنة. ولقد تزامن طرح هذه القضية مع مواجهة المستوردين والمصدّرين على السواء أزمة جديدة لفحهم هواؤها هذه المرّة من مرفأ بيروت.

فقد أخذ وزير المالية علي حسن الخليل اجراءات أدّت إلى وقف العمل بالخطّ الأخضر، الأمر الذي أدّى إلى تكديس البضائع في المرفأ، وبالتالي زيادة الأكلاف على التجّار والمصدّرين على السواء. وجرى اتّخاذ هذا الاجراء بحجّة ضبط الفلتان والتهريب والتهرّب من الرسوم الحاصل في مرفأ بيروت عبر ادخال البضائع تحت بنود جمركية لا تتلاءم مع حقيقة وطبيعة البضاعة المستوردة للتخفيف من حجم الرسوم إلى أدنى المستويات، وطمعاً بالاعفاءات. أجمع السياسيون والاقتصاديون وأصحاب المصالح على تأييد هذه الخطوة، مع ابدائهم التمنّي باستخدام بعض المرونة للمحافظة على حركة طبيعية لانسياب السلع. فكان العمل بالخطّ العشوائي.

إلى دبة... وليس جدّة

على كل، يبدو وفق الدراسات المعدّة المبنية على اختبارات المصدّرين إلى دول الخليج، والتي اطلعت عليه " الاقتصاد "، أن الوسيلة الأنجع والأسرع والأقلّ كلفة لنقل البضائع هي عن طريق قناة السويس - مرفأ دبة السعودي وليس إلى جدّة، مع العلم أن دبة قريبة من جدّة. فمرفأ جدّة نقطة ارتكاز كبيرة في عمليات الشحن، ويشهد ضغطاً كبيراً يؤدّي إلى حرمان المصدّر اللبناني ميزة تفاضلية أساسية في تعامله مع الأسواق الخارجية هي مصداقيته واحترامه التزاماته ووفاؤه بتعهداته. وفقدانه هذ الميزة سببه ثلاثة عوامل هي تأخير اخراج البضائع اللبنانية مدّة قد تصل إلى الشهر، فضلاً عن كلفة التخزين في عنابر المرفأ، وتأخّر صدورنتائج الفحوص المخبرية للموادّ الغذائية.

ولا يشكو الصناعيون من هذه النقطة الأخيرة كون الشهادات التي يمنحها معهد البحوث الصناعية بموجب اتفاقات الاعتراف المتبادل بشهادات المطابقة التي وقّعها على مرّ السنوات الماضية مع المؤسسات المماثلة له في الدول العربية،معترف بها، وتسهّل عليهم كثيراً عملية التصدير.

تدنّي الصادرات اللبنانية إلى منطقة الخليج والأردن والعراق له انعكاسات على الصناعيين والمزارعين والتجار، كما يترك انعكاسات سلبية على تدنّي واردات الخزينة من الضريبة، أي مزيداً من العجز في الميزان التجاري، أي مزيداً من العجز في الموازنة العامة، أي مزيداً من المشاكل الاجتماعية – الاقتصادية ومزيداً من البطالة.

300 مليون$ سنوياً إلى العراق

تبلغ نسبة الصادرات الصناعية عبر معبر نصيب 30% من مجمل الصادرات اللبنانية، أي بقيمة 900 مليون دولار أميركي، ويأخذ السوق العراقي بمفرده ثلث هذه الحصّة أي نحو 300 مليون دولار بحسب احصاءات وزارة الصناعة عن العام 2014. وممّا لا شكّ فيه أن الصناعيين المصدّرين لم يجمّدوا طلبياتهم، وواصلوا التصدير عبر اللجوء إلى طرق بحرية جديدة، متحمّلين على نفقاتهم الخاصّة فارق الأكلاف، انطلاقاً من وجوب وفائهم بشروط العقود الموقّعة من ناحية، وتخوّفاً من فقدانهم هذه الأسواق في حال تباطؤهم في عمليات التسليم من ناحية اخرى. ولكنّهم يخشون أن تبقي الحكومة هذه المسألة عالقة على المدى الطويل، آخذة بالحسبان امكانية فتح المعبر مجدّداً في فرصة قريبة، فتماطل من دون أن تأخذ قراراً بالدعم.

وهنا يحيّي أكثر من صناعي الوزيرين الحاج حسن وشهيّب على ظهورهما " ملكيّين أكثر من الملك "، واعتبارهما" أن الحل الوحيد في الوقت الحاضر يقوم على مبدأ اقرار دعم فارق أكلاف التصدير الصناعي والزراعي ".

وفي حال كانت الطلبيات الصناعية لا تشهد تقلّبات في الكمّيات بشكل غير اعتيادي على مدار السنة، فإن الأمر مختلف كثيراً بالنسبة إلى الصادرات الزراعية المرتبطة بعامل الزمن واقبال المواسم مع حلول فصلي الربيع والصيف. وهذا ما أثاره وزير الزراعة في " اليوم الوطني للصناعات الغذائية " عندما خفّف بعض الشيء من حدّة المشكلة حالياً، وامكانية استيعابها مع عدم تخطي عدد الشاحنات والبرّادات المعبأة بالخضار والفاكهة الـ 220. ولكن ما يثير القلق فعلاً هو ارتفاع هذا العدد إلى أكثر من 1600 شاحنة في شهري تموز وآب مع تدفّق مواسم الفاكهة. فكيف السبيل إلى تصديرها من دون دعم فارق كلفة الشحن؟

13 مليون$ كلفة فارق التصدير الصناعي

كان الوزير الحاج حسن أول من لمّح إلى أن كلفة الدعم المطلوبة  للتصدير الصناعي البحري الى الخليج والاردن والعراق هي بحدود المليون دولار شهرياً.فلم تكن توقّعاته بعيدة عن احصاءات الجهات المعنية في القطاع الصناعي، بل أتت متطابقة إلى حدّ بعيد. ولقد علمت " الاقتصاد " بحسب الدراسات التي أعدّها المسؤولون عن القطاع الصناعي بالتعاون مع المسؤولين عن قطاع الشحن، والتي سترفع إلى الجهات الحكومية المعنية، أن الدعم المطلوب للشحن إلى العراق يبلغ احد عشر مليار ليرة ( 7.5 مليون دولار )، وإلى السعودية بحدود الخمسة مليارات وخمسمائة مليون ليرة ( 3.5 مليون دولار)، وإلى الاردن  ثلاثة مليارات ليرة ( 2 مليون دولار )، أي ما مجموعه 13 مليون دولار اميركي. وتمّ احتساب هذه الكلفة بناء على احتساب عدد الشاحنات المرسلة إلى هذه البلدان والمقدّر عددها بستة الاف شاحنة هذا العام . وقد اختلفت كلفة الدعم بين دولة وأخرى، لاختلاف المسافة والبعد الجغرافي ونقاط العبور بعد رسو السفن في الموانىْ المعنية.

تأجلّ البحث في هذه المسألة في مجلس الوزراء أكثر من مرّة. ويعقد المجلس جلسة الثلاثاء المقبل مخصّصة لمناقشة مشروع الموازنة. وطالما أن لهذا الملف بعداً مالياً وليس بعيداً عن جدول عمل الجلسة المخصّصة للموازنة، فهل يجد طريقه إلى الحلّ في هذه الجلسة، أم يتعرّض مرّة أخرى للتأجيل، ويوضع في سلّة البنود المؤجلة التي لا توافق عليها؟