يمرّ عام كامل من عمر ولاية د. فادي الجميّل في رئاسة جمعية الصناعيين ال​لبنان​يين. فما هي النسبة التي تحقّقت من برنامجه الطموح الذي خاض على أساسه الانتخابات في 26 نيسان 2014، وفاز حاصداً وأعضاء لائحته " كلّنا للصناعة " مقاعد مجلس ادارة الجمعية الـ 24؟

تزامن اعلان الجميّل ترشّحه مع تأليف الحكومة الحالية وتعيين د. حسين الحاج حسن وزيراً للصناعة. الوزير الجديد أبدى حرصاً شديداً وقتها على عدم التدخّل وعلى عدم التحيّز لأي فريق. وأعلن بوضوح لا لبس فيه موقف الوزارة وموقفه الشخصي من استحقاق جمعية الصناعيين: " نحن لسنا جزءاً من معركة الانتخابات في جمعية الصناعيين. نحن رعاة جميع الصناعيين في لبنان. ولينتخب الصناعيون من يريدون، ونحن مستعدون للتعاون مع الجميع".

وممّا لا شكّ فيه أن فوز الجميّل حينها استند إلى قاعدة صناعية واسعة اختارته بناء على تاريخه الطويل في الشأن الصناعي، ومؤهلاته وخبرته العلمية وميزاته التي جعلته " رجل الساعة".

يتذكّر سريعاً في جلسة مصارحة مع " الاقتصاد" أن " الانتخابات كانت مميّزة، وأفرزت وقائع برهنت عن مدى ثقة القاعدة الصناعية بمسيرتي الصناعية طوال السنوات الماضية".

يبدي الرئيس الجميّل فخره ب​الصناعة​ اللبنانية، واعتزازه بالصناعيين اللبنانيين، وبعلاقته معهم، على المستوى الشخصي والمهني، وفي كلّ المحطات التي عرفهم فيها، سواء في تجمّع صناعيي المتن الشمالي، أو عندما كان عضواً في مجلس ادارة الجمعية، ومستشاراً لوزير الصناعة الراحل الشهيد بيار الجميّل، ولمّا ترأس نقابة أصحاب الصناعات الورقية والاتحاد العربي للصناعات الورقية، ومجلس ادارة المركز اللبناني للتغليف ( ليبان باك ).

ويقول: " أتأكد أكثر فأكثر من خلال اطلاعي على مشاكل الصناعيين وهمومهم وهواجسهم التي أشاطرهم إياها، من مدى التزامهم في عملهم، ومتابعتهم اليومية لشؤون مؤسساتهم والعاملين فيها، وكدّهم المتواصل بهدف البقاء والتوسّع والانتشار. وهم يستحقون عن جدارة التقدير والثناء والدعم على كلّ ما يقومون به".

فريق متجانس في مواجهة التحدّيات الآتية

في قاموسه، لا فرق بين صناعي وآخر، ولا تمييز بينهم بحسب حجم أعمالهم، وإنما يرى فيهم جميعاً " زملاء متجذّرين في الأرض. ولاؤهم وانتماؤهم للوطن أولاً".

ولقد أعرب أكثر من صناعي " للاقتصاد " عن ارتياحهم للعلاقات الجيّدة والممتازة التي تربط رئيس الجمعية بمجتمع رجال الأعمال وأركان الهيئات الاقتصادية وجمعية المصارف، وتراخيص الامتياز، وجمعيات التجار، وتجمّع رجال الأعمال، وشركات التأمين، فضلاً عن نسجه العلاقات المميّزة مع الوزراء والمسؤولين الرسميين، وعن ثقتهم بتوظيفه هذه العلاقات بهدف خدمة الصناعة."

يدعو الجميّل دوماً إلى شبك الأيدي بين أبناء العائلة الصناعية الموحّدة حول تطلعات مشتركة، قائلاً: " هدفي اليوم أن نبقى مجموعين وفريقاً واحداً في مواجهة التحدّيات الآتية. ولقد أثبتنا بوعينا الكبير وشعورنا بالمسؤولية أننا قادرون، بدعم كامل العائلة الصناعية، على تأليف مجموعة عمل متجانسة لخدمة الصناعة".

كل صناعي مشروع نجاح

طرح الجميّل شعار " كلّ صناعي مشروع نجاح." وهو مقتنع بذلك إلى أبعد الحدود. وعند سؤاله إذا كان النجاح مرتبطاً فقط بالمبادرة الفردية، رفض تحميل الدولة تبعات الفشل، بل دعاها إلى " البناء على مشاريع النجاح الخاصة وما أكثرها، وإلى تبنّي منظومة اقتصادية – اجتماعية فاعلة ومحفزّة لكلّ القطاعات الانتاجية، تحفظ لبنان وتحميه من مخاطر التطوّرات التي تعصف بالمنطقة".

وشرح سبب اطلاقه مشروع " لبننة الاقتصاد " القائم على تأسيس شراكة حقيقية ومتفاعلة بين لبنان المقيم والاغتراب اللبناني المنتشر في أصقاع الأرض الأربع. وقال: " بلغت موجودات المصارف 177 مليار دولار أميركي. ويقدّر البنك الدولي أن الاقتصاد اللبناني يتّكل على التحويلات الخارجية بنسبة 56% والتي تصل إلى حدود الـ 9 مليار دولار سنوياً. لقد ظنّ البعض أن الأزمة السورية لن تطول، وها هي تمتدّ زمنياً، وتتوسّع جغرافياً. فهل نقف متفرّجين؟ كلا، طالما لدينا القدرات والامكانات المالية والمكوّنات الفكرية والطاقات الابداعية. في العام 2009 شهدنا استقراراً نسبياً، فحققنا نموأ بلغ 9%. وبين عامي 2013 و 2014 رغم تسجيل دول أقوى من لبنان اقتصادياً نمواً سلبياً بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة، استطعنا تسجيل نمو بحدود 1.5%".

الدعم والحماية

وشدّد على وجوب اتخاذ المبادرة، عبر اطلاق خطّة تحفيزية للاقتصاد، تبعد شبح الركود والانكماش عن اقتصادنا ومجتمعنا، وتشجّع رجال الأعمال على الاستثمار، لا سيّما في القطاع الصناعي، وتحفّز اللبنانيين على الاستهلاك.

كان الجميّل أول من كشف عن لجوء بريطانيا إلى تأسيس صندوق دعم بقيمة سبعة مليارات جنيه استرليني مخصّص لدعم الصناعات ذات الاستخدام المكثف للطاقة. وسبق له أن دعا إلى تأسيس صندوق لبناني مشابه بقيمة 50 مليون دولار، بغرض دعم الصناعات اللبنانية التي تستخدم طاقة مكثفة في عملية انتاجها.

فهل انتفت حاجة لبنان إلى مثل هذا الصندوق في ظلّ تدهور أسعار النفط عالمياً؟ يسارع الجميّل إلى التأكيد على أنه لا يزال ينادي بضرورة تأسيس هذا الصندوق، ومعالجة تخفيض عناصر الأكلاف المرتفعة للصناعة اللبنانية والتي تأتي في طليعتها أسعار الطاقة، والأرض الصناعية.

وهو كان نبّه إلى تذرّع الدول بتدابير حمائية "safeguard measures" تهرّباً من الالتزامات مع منظّمة التجارة العالمية، في محاولة منها لحماية انتاجها الوطني.ولمّا تصاعدت وتيرة شكوى المنتجين اللبنانيين من الاستيراد الاغراقي، وبعدما أصبح أكثر من قطاع يوظّف مئات العائلات، مهدّداً بالاقفال، تابع وزير الصناعة د. حسين الحاج حسن نهج الأسلوب الحمائي ولكن بشمولية أوسع. وجدّد الحماية للالمنيوم، واتخذ قرارات حمائية تطال بطاطا التشيبس والأجبان والألبان والزيت النباتي والحديد والجلود. كلّ هذه الاجراءات تتّخذ بالتنسيق والتعاون التام مع جمعية الصناعيين.

الشكوى من الاغراق، رافقتها دعوة الى رفع عبء المنافسة غير العادلة التي تفرضها مؤسسات السوريين التي تعمل في لبنان من دون تراخيص قانونية، والتي توظّف أيضاً اليد العاملة السورية من دون أي اعتبار لليد العاملة اللبنانية.

اللوبي الصناعي المؤثر

وعمّا إذا استطاعت الصناعة اللبنانية أن تكون بمستوى تحدّيات المرحلة الراهنة، أجاب: " أثبتت الصناعة أنها قادرة على جذب الاستثمارات. وبدأت الديبلوماسية الاقتصادية التي أطلقتها وزارة الخارجية والمغتربين مشكورة، تؤتي ثمارها. ويلعب سفراؤنا دوراً مميّزاً على هذا الصعيد. وندعو إلى الاستفادة أكثر من طاقاتنا الديبلوماسية في الخارج، حيث يساعدنا الانتشار اللبناني أيضاً على تسويق منتجاتنا."

يمرّ لبنان بأوضاع صعبة تتطلب اعلان حال طوارىء اقتصادية، وتستدعي استنفار القطاعين الرسمي والخاص على السواء. وقال الجميّل على هذا الصعيد: " ذهبنا في اقتراحنا إلى حدّ الدعوة لتشكيل خليّة أزمة برئاسة دولة رئيس مجلس الوزراء  تمام سلام وعضوية الوزراء المسؤولين عن الملفات المالية والاقتصادية والاجتماعية في الحكومة. كما نناقش مع  وزير الصناعة الذي أوجّه له التحية على الجرأة والمسؤولية التي يتعاطى بهما في الملف الصناعي، وضع خطة لتشكيل قوة ضغط صناعية "Lobby" تهدف إلى التأثير على القوى النيابية والسياسية وأصحاب القرار ودفعهم إلى تبني المشاريع التي ترمي إلى تحصين القطاع الصناعي وتدعيمه. وعقدنا سلسلة اجتماعات مع رؤساء الكتل النيابية في البرلمان، مقترحين عليهم تسمية نائب عن كلّ كتلة يشكل صلة وصل بيننا وبين السلطة التشريعية. "

مصرف لبنان

في العام 2009، ضخّت الولايات المتحدة 3% من حجم اقتصادها لتفادي الركود باجراء معروف بـ"Economic Stimulus Measures". أطلق د. الجميّل صرخة عام 2011 ناشد فيها المسؤولين الاسراع في اتخاذ الاجراءات المناسبة لكي لا يقع لبنان في المحظور. وكان مصرف لبنان راصداً هذه التطورات بدقة، تمهيداً لاصدار الحاكم رياض سلامة سلة تحفيزات مالية بألفي مليار ليرة أي بما يوازي 1,34 مليار دولار. ثم أرفقها باجراءات مالية محفّزة أخرى عبر مشاريع تمويلية لدعم الصناعات التكنولوجية والطاقة البديلة وغيرها من المشاريع الابتكارية.

أمّا بالنسبة إلى مطلب دعم الفوائد على الرأسمال التشغيلي المخصّص للتصدير، فهو موضع متابعة مع وزارة المالية، لكنّه لقي قبولاً لدى مصرف لبنان، الذي خصّص أيضاً دعماً على 15% من قيمة الرأسمال التشغيلي يوازي الدعم المخصّص لشراء المعدات والآلات الصناعية.

قطاع المفروشات والبرمجيات

تميّزت طرابلس والشمال عامة في صناعة المفروشات. ولكن الاستيراد الاغراقي من الصين وتركيا وغيرهما، دفع إلى اقفال غالبية المشاغل الخشبية والحرفية التي كانت توظف مئات العاملين من أبناء المنطقة. وفي محاولة لاعادة احياء هذه الصناعة وتوفير فرص العمل، أطلقت وزارة الصناعة وجمعية الصناعيين بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية ( يونيدو ) مشروعاً مثالياً يقضي بربط حلقة الانتاج اللبناني من يد عاملة محترفة وماهرة بمصمّمين لبنانيين مشهورين بنقاط بيع عالمية مستعدة لشراء المفروشات اللبنانية على غرار مؤسسةHabitat الفرنسية. وتعمل الجمعية أيضاً على تنفيذ برامج مماثلة أخرى، ومن بينها مع مورّدين عالميين لصناعة البرمجيات اللبنانيةsoftwareبهدف ربط المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالأسواق العالمية. كما تتابع مع وزير العمل سجعان قزي مشروعاً متقدّماً لحماية اليد العاملة اللبنانية من المنافسة غير المشروعة.

استعادة دور لبنان

انتشار الصناعة اللبنانية عالمياً غير محصور بقطاع الصناعات الغذائية. فالنجاحات محققة أيضاً بقطاعات المحولات الكهربائية ومعدات البناء والتجهيزات والالات والأدوية ومستحضرات التجميل والدهانات والكيميائيات والورق والكرتون وغيرها. مع الاشارة الى الأزياء والنبيذ المعروفين على المستوى العالمي.

لا يستصعب الجميّل استعادة لبنان دوره المحوري في المنطقة، ومنطلقاً للأعمال ومركزاً للصناعات التحويلية والتكاملية. فالنجاح في تجنّب تداعيات الظروف الصعبة المحيطة يسهّل في هذه العملية،والخبرة المكتسبة في ادارة الأزمات، تسمح للصناعيين بأن يكونوا لاعبين فاعلين ومحركين لقطاعاتهم على مستوى المنطقة.

ويقول: " ان نسبة تراجع صادراتنا في العام 2014 والبالغة 6.9% مقارنة مع العام 2013، تساوي نسبة هبوط صادراتنا الى سوريا وحدها التي انحسرت من حوالى 400 مليون دولار الى 200 مليون دولار. ورغم الحرب الدائرة في محيطنا، لم تتقهقر الصناعة، وبقي القطاع صامداً، وحقق في المقابل ارتفاعاً في نسبة صادرات بعض الصناعات إلى اوروبا، رغم حدّة المنافسة في أسواق بات سعر اليورو فيها يوازي سعر الدولار تقريباً. ووفينا التزاماتنا بالتصدير والتسليم وفق الروزنامات المحدّدة. ونسعى أيضاً إلى التفتيش عن أسواق جديدة مع التمسّك بالأسواق التقليدية. نحن قادرون على الربط بين لبنان والمنطقة العربية وافريقيا واوروبا وصولاً الى روسيا.وميزتنا أننا نتحلى بالمرونة والسرعة في التحرك والذوق والابداع والمصداقية في التعامل، ونتميّز بكفاءات شبابنا العاملين في القطاع.وقدرتنا على التنافس نستمدّها من مهاراتنا وجودة سلعنا وقيمتها المضافة وليس بالسعر الأدنى".

ترشيد الطاقة والتدوير

يرى الجميّل أنه في الامكان اعتماد استراتيجية تقوم أولاً على توعية المجتمع اللبناني على ترشيد استخدام الطاقة وتخفيف الاستهلاك، ومن ثم التوجّه أكثر فأكثر نحو الطاقة البديلة، ومعالجة مشكلة الصناعات ذات الاستخدام المكثف للطاقة وصولاً إلى استثمار النفط والغاز.

وبموضوع معالجة النفايات، يصرّ على وضع استراتيجية كاملة تشمل الفرز بالنسب المطلوبة والتسبيخ واستعمال ما لا يمكن تدويره بعد الفرز للطاقة البديلة ثم حرق ما تبقى بأقل نسب ممكنة ومن ثم الطمر. ويعتبر أن هذا المسار ضروري على الصعيد البيئي، وأيضاً لتأمين المواد الأوّلية الخاصة بصناعات عديدة مثل تدوير الزجاج والحديدوالبلاستيك، كما يستفاد منها بصناعات تدوير الورق، والتغليف الذي يواكب كافة صادراتنا إلى دول العالم، والتجليد الفاخر الذي يتباهى به لبنان.

الجمعية والشراكة

يشدّد الجميّل على الشراكة المميّزة التي تجمع جمعية الصناعيين والقطاع العام، ويسمّي العلاقات بالمميّزة أيضاً مع وزراء الصناعة والاقتصاد والعمل والمال. كما يصف علاقات الجمعية بالتكاملية والتضامنية مع سائر مكوّنات القطاع الخاص، فضلاً عن العلاقات الممتازة مع مجتمعنا العامل.

واغتنم الجميّل احياءالذكرى المئوية للابادة الأرمنية، لتوجيه تحية اكبار إلى زملائه الصناعيين الأرمن الذين ساهموا في النهضة الصناعية اللبنانية.