تستمر الاتصالات السياسية بين الكتل النيابية من اجل تمرير مشروع قانون موازنة العام 2015، المتوافق على أن إقرارها مما  سيشكّل صدمة ايجابية تصب في خانة دعم الوضع المالي والاقتصادي اللبناني، لا سيما وأن الموازنات غائبة عن لبنان  منذ عشر سنوات.

ومن جهتها، أبقت المؤسسات الدولية وفي مقدمها "صندوق النقد الدولي"، و"البنك الدولي" على توقعاتها المنخفضة لنسب النمو في العام 2015، حيث أشار "صندوق النقد" الى ان الاقتصاد اللبناني لا يزال يعاني من المأزق السياسي الداخلي ومن تداعيات النزاع في سورية. وتوقع بأن يحقق الناتج المحلي الاجمالي هذه السنة نمواً بنسبة 2.5% من متوسط نمو بلغ 3.2% بين عامي 1997 و2006 و9.4% سنة 2007، و9.1% عام 2008، و10.3% عام 2009، قبل أن يبدأ بالتراجع الى 8% سنة 2010، ويهبط بقوة الى 0.9% عام 2011 ليصعد مجدداً الى 2.8% في 2012، ويهوي قليلاً الى 2.5% سنة 2013.

وللإطلاع أكثر على المستجدات في هذه المواضيع، كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع كبير الاقتصاديّين ورئيس قسم الأبحاث لدى "​بنك عوده​"، ​مروان بركات​:

في البداية، هل تؤيد ام تعترض على  ضم سلسلة الرتب والرواتب إلى مشروع قانون الموازنة؟

أنا مع ضم السلسلة إلى مشروع الموازنة بالتأكيد لأن الموازنة يجب أن تكون شاملة، متضمنةً كل إنفاقات الدولة والسلسلة ستكون ضمن الإنفاقات المرتقبة الذي يجب أن يتم تضمينها. في حال لم يتم ضم السلسة إلى مشروع الموازنة ، لن يكون بإمكاننا ان نقدّر عجز الدولة اللبنانية خلال العام بمعزل عن حجم الإنفاق الهام الذي تشكله سلسلة الرتب والرواتب.

إذا تم ضم السلسلة إلى مشروع الموازنة، هل هناك مصدر تمويل لها؟

نعم هناك مصادر كانت قد ارتأتها اللجنة النيابية، وهي مصادر فعلية، لذا فالتمويل متوفر وهو عبر زيادة الضرائب. ومن جهةٍ ثانية يجب القول أن زيادة الضرائب في ظل فترة التباطؤ الإقتصادي الحاصل الآن هو عامل سلبي يحدّ من النمو في البلد ويزيد من الضغوطات الإجتماعية التي ازدادت أصلاً خلال السنوات الماضية.

هل تعتقد أن الإتفاق بشأن السلسلة سيكون قريب؟

أعتقد أن هذا الموضوع سيبقى معلّقاً، وسيبقى مادة تستخدم للتجاذبات السياسية.

ما أهمية الصدمة الإيجابية التي سيشكلها اتفاق الموازنة؟

يجب إقرار مشروع موازنة، منذ العام 2005 لم نقم بذلك، ونقوم بالإنفاق من دون موازنة. الموازنة هي حاجة متوافق عليها من قبل الجميع، وطالبت بها جميع المراجع الدولية. نحتاج إلى موازنة يتم إقرارها في مجلس الوزراء وتحال إلى المجلس النيابي وتتحول إلى قانون موازنة لتشرّع قانون الإنفاق العام. الحاجة إلى موازنة هي أمرٌ لا محال منه، وهذا التأجيل خلال الـ10 سنوات الماضية للموازنة هو تأجيل غير طبيعي حيث "أصبح الإستثناء عرف".

بدأنا بالإجراء استثنائياً في عام 2006، إلا ان الإجراء امتدّ العمل به 10 سنوات حتى يومنا هذا. هذا الأمر غير مقبول، "صندوق النقد الدولي" طالب بموازنة ضمن تقرير توصياته للبنان.

هل تعتقد أنه يمكن للبنان تحقيق نسبة النمو التي توقعها "صندوق النقد الدولي" (2.5%)؟

نعم، أتوقع أن نحقق هذه النسبة. بالرغم من الإستثمار الهش في لبنان والتأجيل للقرارات الإستثمارية الكبرى إلا انه لدينا ديمومة في الإستهلاك المحلي المستمر في النمو، وذلك أولاً بفضل اللبنانيين المقيمين الذين لا زالوا يستهلكون بوتيرة جيدة، لا يقومون بالإستثمار ولكنهم يستهلكون. ثانياً، اللبنانيون غير المقيمين الذي يأتون بأعداد جيدة إلى البلد، فبالرغم من الأزمة السورية وتداعياتها السياسية السلبية على لبنان إلا أن عدد الزائرين اللبنانيين غير المقيمين مرتفع جداً وهذا ما تبيّنه أرقام المطار. ثالثاً، اللاجؤون السوريون، الذين يساهمون أيضاً بالإنفاق على السلع الأساسية كالغذاء والأدوية والطاقة والإيجارات، والبعض منهم ينفقون في قطاع المدارس، لذا هناك إنفاقات استهلاكية إضافية ناتجة عن وجود اللاجئين السوريين، وهذا أثر إيجابي لوجود السوريين في لبنان غير الأثر السلبي الذي دائما ما نسمع عنه، كالضغط الذي يشكلونه على البنى التحتية وعلى انفاقات المالية العامة، ولكن من ناحية الإستهلاك فاللاجؤون يساهمون بشكل إيجابي. وفقاً لتقديرات "بنك عودة"، فإن الإستهلاك سجل نسبة نمو وصلت لـ6 أو 7% في الأعوام الأربعة الماضية، بخلاف  الإستثمار الذي انخفض، فمن يريد افتتاح مصنع أو متجر لا يزال قراره مجمداً.

إذاً، نسبة نمو الإستهلاك المستمرة بالإرتفاع تساعد على تحقيق نسبة النمو المتوقعة من قبل "صندوق النقد الدولي"، ونسبة الـ2.5% هي نسبة جيدة، ليس مقارنةً بنسب النمو التي شهدناها بين الأعوام 2007 و2010، لكنها تعني أنه ليس هناك ركود فطالما نسبة النمو لم تكن سلبية لذا ليس هناك ركود، وهو الأمر الذي نجحنا في تفاديه.

اقتصادنا لا يتقلص بالمعنى الحقيقي، بالرغم من نسب النمو المنخفضة، الا أن الإقتصاد ينمو ولكن بنسبة أقل من النسب المحققة في الفورة الإقتصادية التي شهدناها بين الأعوام 2007 و2010. وبرأيي هذا الأمر مستمر في العام 2015 ونسبة 2.5% نسبة مقبولة جداً وقابلة لأن يتم تحقيقها، وخاصة بعد مبلغ المليار دولار من مصرف لبنان الذي تم تخصيصه كرزم تحفيزية ستساعد على تحقيق هذه النسبة.