تمرّ صناعة النفط والغاز في أزمة حقيقية بعد إنخفاض أسعار البترول عالميا بشكل كبير، ورغم أن سعر الـ50 دولار للبرميل قد يكون جيدا بالنسبة للولايات المتحدة، إلا أن هناك أسئلة كثيرة تطرح نفسها في الوقت الراهن... هل يؤدي تراجع أسعار النفط الى إنعكاسات سلبية على الإقتصاد الأميركي؟ ولماذا؟ مع الإشارة الى أن قيمة قطاع النفط وصل بصعوبة الى الرقم المقدر لها سابقا والذي يبلغ 1.2 تريليون دولار.

وتقول رئيسة الاحتياطي الفيدرالي جانيت يلين "لا شيء يدعو للقلق"، وأن هذه الأزمة ستكون عابرة، وسيتم إحتوائها كما تم إحتواء أزمة الرهن العقاري في عام 2007. وبالمصادفة كانت الأرقام خلال أزمة الرهن العقاري مشابهة حيث بلغت وقتها 1.2 تريليون دولار أيضا.

ومن صفة البشر أن يكونوا متفائلين، فلا أحد في مجلس الاحتياطي الفيدرالي أو في "وول ستريت" يتحدث عن أزمة ممكنة، ولكن يجب الإشارة الى أن الأزمة الحالية لقطاع الطاقة قد تجبر الحكومة على التقشف بدلا من المخاطرة مع عواقب واسعة النطاق ومحفوفة بالمخاطر، وفي ظل هوامش ائتمان ضيقة، وعوائد منخفضة في الصناعات وفئات الأصول.

ويقول النقاد والخبراء أن التجارب السابقة تثبت أن أزمة الرهن العقاري مختلفة تماما، فقطاع السكن يدعم ثقة المستهلك، والنظام المصرفي يرتكز على الرهن العقاري... كما ان العام 2006 شهد تراجعا واسعا في أسعار المساكن مما مهد للأزمة، والتوظيف في قطاع البناء يشكل أكثر من 10 من القوى العاملة في البلاد، في حين أن قطاع النفط والغاز يشكل جزء صغير من الأصول المصرفية ومن نسبة القوى العاملة في البلاد... لذلك فإن مشكلة مختلفة ولا يوجد شيء حتى الآن يؤدي الى أي تهديد.

وبعد هذا التحليل فإن أزمة قطاع النفط والغاز يمكن أن تكون إيجابية بدلا من أن تكون سلبية، فمعظم الناس ينظرون الى تراجع أسعار النفط العالمية أنها بمثابة "تخفيضات ضريبية" بالنسبة للمستهلكين وحدث إيجابي بالنسبة للاقتصاد الأميركي. ويعيد إقتصاديون السبب الى تراجع الفوائد المترتبة على انخفاض أسعار الوقود مما يعزز قدرة المستهلكين ذوي الدخل المنخفض الذين تعانون من ضائقة مالية.

وانخفاض الأسعار يقلل أيضا حساب واردات البلاد الصافية من النفط، ويخفف من العجز التجاري ويعزز الناتج المحلي الإجمالي.

وعلى النقيض من ذلك، فإن انخفاض أسعار المنازل والعقارات يقلل بالطبع من الإنفاق ومن الناتج المحلي الإجمالي.

وبالعودة الى مشكلة الرهن العقاري فهي بدأت مع عدم قدرة تسديد تسليفات الرهن العقاري (الممنوحة لمدينين لا يتمتعون بقدرة كافية على التسديد) وسبب أولى عمليات الإفلاس في مؤسسات مصرفية متخصصة. وهذا ما أدى لاحقا الى تدهور في البورصات أمام مخاطر اتساع الأزمة وتدخل المصارف المركزية لدعم السوق بالسيولة.

وإضطر بعد ذلك الاحتياطي الفدرالي الأميركي الى خفض معدل فائدته الرئيسية ثلاثة أرباع النقطة إلى 3.50% وهو إجراء ذو حجم استثنائي، ثم تخفيضه تدريجياً إلى 2% بين كانون الثاني ونيسان 2008.

وفي أيار 2008 قال مسؤول بوزارة الخزانة الأميركية إن أزمة الرهن العقاري بدأت تخف بعد الجهود التي قام بها الاحتياطي الاتحادي والبنوك المركزية الأخرى لضخ الأموال في المؤسسات المالية. وقال كلي لوري مساعد وزير الخزانة للشؤون الدولية إن الاحتياطي الاتحادي والبنوك الأخرى تنسق جهودها لحماية النظام المالي من الاضطراب بعدما ظهرت أزمة قروض الرهن العقاري سنة 2007، كما أشار لوري إلى أن المؤسسات المالية أبلغت عن خسائر زادت عن 300 مليار دولار بسبب الأزمة المالية، لكن تم تخفيف هذه المشكلة بتوفير 20 مليار دولار من البنوك المركزية؛ مما ساعد البنوك في توفير القروض.

واليوم، مع بداية طرح السندات ذات العائد المرتفع التي تصدرها شركات الطاقة قد تكون هذه أول خطوة في إتجاه الإستدانة واسعة المخاطر، خصوصا مع سوق ضخمة تبلغ قيمتها 1.2 تريليون دولار ونسبة إقتراض تصل الى 5 من مجمل المقترضينمن القطاع المصفي. فهل تؤدي أزمة قطاع الطاقة الى أزمة شبيهة بأزمة الرهن العقاري التي حصلت في 2007؟