لطالما كان لبنان وهو ما يزال محطة اهتمام اوروبية باعتباره بوابة عبور للشرق ومركز ربط محوري للغرب و الشرق.

واذ يستمر القطاع العام مغيّباً بشكل دائم لعدم امتلاك المبادرات اللازمة في استقطاب الاهتمام الخارجي على مختلف الاصعدة ولاسيما الاقتصادية ، فان القطاع الخاص اللبناني  يملك  ما يلزم من الكفاءة للتحرك في هذا الاتجاه، ولاثبات دور لبنان في الموقع الممّيز والفعّال على الخريطة الاقتصادية الاوروبية، والاميركية والافريقية بعد ضمان موقعه في منطقة الخليج العربي والمتوسط.

والزيارة التي قام بها الاسبوع الفائت الوزير السابق للشؤون الخارجية في اسبانيا الرئيس السابق لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، رئيس لجنة التوجيه السياسي في معهد الإستبصار الإقتصادي لعالم البحر المتوسط IPEMED ميغيل انخيل موراتينوس كانت ذات اولويات اقتصادية خصوصا بعد انضمام لبنان الى اتفافية الاستبصار الاقتصادي لعالم البحر المتوسط .

واذ ان بعض المعلومات الخاصة تشير الى ان جولة موراتينوس في لبنان انما كانت استكشافية خصوصا وانه مرشح اساسي لتولي رئاسة الاتحاد الاوروبي ، فان اللقاءات التي اجراها غلب عليها الطابع الاقتصادي بامتياز وهدفها ربط  ضفتي البحر الأبيض المتوسط  والقارة الافريقية، حيث ان اهتمام رجال الاعمال  في كل من اسبانيا ولبنان يصب اليوم في هذا الاتجاه ، الى جانب إنشاء منطقة مشتركة تقوم على التكامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي.

ما هي جدوى الاهتمام الاوروبي بلبنان وخصوصا الاسباني سيما وان اسبانيا من اكثر الدول الاوروبية التي تعاني من الركود الاقتصادي؟

زمكحل

رئيس تجمع رجال الاعمال اللبنانين د. فؤاد زمكحل قال "للاقتصاد" : ما زالت اوروبا وكذلك افريقيا تعاني من ركود اقتصادي منذ العام 2008 ، وهي لم تستطع لغاية تاريخه الخروج من هذا الوضع الذي طال قطاع العقارات والتجارة والصناعة والاستثمارات.

وبالنسبة لاسبانيا فان التبادل التجاري مع لبنان ليس بكبير. فالسوق اللبنانية صغيرة ولكنها في المقابل مفتاح هام لكل الشرق الاوسط.

كما ان هناك اهتمام لبناني باسبانيا من خلال الاستثمارات التي توجهت اليها. ولاننسى ان اقتصادها تقليدي مثل لبنان وليس اقتصادا ابداعياً  مثل المانيا وبريطانيا . وهي تعاني من مشاكل اقتصادية كبرى وتراجع مستمر في النمو ، ولكن هناك امكانية في ايجاد وترجمة رؤية مشتركة خاصة بمنطقة البحر المتوسط، توّلد فرص عمل وثروة اقتصادية لبلداننا وللمنطقة في مواجهة الظروف السياسية السائدة في المنطقة، حيث يتم التحدّث عن اعادة النظر باتفاقية سايسبيكو وما يواكبها من تغييرات على مستوى القيادات في المنطقة، في ضوء اندلاع حروب جديدة كحرب اليمن والتبدلات الجيوسياسية القائمة  وما تتركه من تداعيات على  عجلة الاقتصاد.

ولكن ماذا يجب ان نفهم من انشاء منطقة خاصة مشتركةبالبحر المتوسط متكاملة ومتضامنة؟ وكيف يستفيد منها لبنان؟

يقول زمكحل من المفترض وضع خطة عمل من ضمنهاإنشاء بنك استثماري خاص بالبحر الأبيض المتوسط وذلك:

- لتلبية الاحتياجات التمويلية للشركات الصغيرة والمتوسطة  المتخصصة ضمن منطقة البحر الأبيض المتوسط.

- تحفيز الاستثمار في المنطقة و إنشاء مشاريع أورومتوسطية متكاملة ومندمجة.

- تشجيع إنشاء أقطاب تنافسية وأبحاث أورومتوسطية. وكرجال اعمال لبنانين واوروبين يجب ان يكون عندنا تكامل اقتصادي وليس تنافسي.فالجميع يواجه مشكلة البطالة ويعاني في الحد منها الى جانب نمو متدن يتطلب الخروج منه العمل من اجل ايجاد فرص عمل جديدة.

- إنشاء شبكة أورومتوسطية للتدريب المهني والاعتراف بالمهارات والمؤهلات.

-خلق  نظام تعليم عال مشترك، وتعزيز الربط الشبكي بين الجامعات وتطوير سوق عمل مندمج في منطقة البحر المتوسط .ومن المعروف ان هذا التبادل اليوم مطبّق على مستوى التعليم الاميركي.

- إيجاد إطار مؤسسي مشترك لضمان حرية وتسهيل حركة السلع ورؤوس الأموال  والتحويلات والخدمات والأشخاص داخل المنطقة الأورومتوسطية.

- وإنشاء صندوق خاص بالبحر الأبيض المتوسط لتمويل مشاريع البنية التحتية، والنقل، والطاقة المتجددة.

وعن هوية من سيموّل البنك الاستثماري الموعود الخاص بالبحر المتوسط؟

يكشف زمكحل ان حاكم مصرف لبنان الذي عرضت عليه فكرة انشاء هذا الصندوق قد ابدى كل ترحيب،خصوصا اننا  طلبنا يكون لبنان عضوا فيه ومقراً له ، فيما ان التمويل الاساسي له سيكون من الدول الاوروبية والدول المانحة.  واعتقد ان ثمة جولة  قريبة على الدول المعنية لجمع التمويل اللازم.

وقال : استطيع القول ان هذا المشروع  جدي والمساعي منصبة من اجل تنفيذه.

اما بعد فان لبنان يعيش وسط عالم اقتصادي تنافسي متصاعد. والدول المنافسة للبنان عديدة  فاين هو اليوم ؟.

وفق زمكحل ان اي بلد يستطيع اليوم منافسة لبنان الذي يعاني بشكل اساسي من ارتفاع كبير في كلفة الانتاج.

فمثلا المنافسة  في دبي في مجال السوق المفتوح، في التكنولوجيا واستقطاب الاستثمارات التي تجد البنية التحتية الملاءمة. اما في لبنان ، فان رجال الاعمال هم من يعملون على تجهيز هذه البنية بغياب الدولة، وذلك في مجالات عدة خصوصاً الطاقة والكهرباء.

وفي مصر، هناك قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي يساعد على تنفيذ ونجاح عدة مشاريع.

كما ان اليوم تركيا تنافسنا في العراق واربيل؛ فالبضائع التركية تغزو اسواق هذه الاخيرة .

في الواقع ، القطاع الخاص اللبناني يعمل بمفرده اليوم، وعلى لبنان مواكبة الانظمة الجديدة والتشريع الحديث.

هذا،  ولا يغب عن بالنا انه الى جانب عامل المنافسة نعاني في لبنان من مشاكل سياسية كبيرة.

وعما سيحقق لبنان من انضمامه لاتفاقية "ميركوسور"او السوق المشتركة لدول اميركا الجنوبية التي تعتبر من اهم التجمعات الاقتصادية في العالم يوضح  انها ستمنح هذه الاتفاقية لبنان العديد من التسهيلات للتصدير الى اسواق هذه البلدان وبعض الاعفاءات الجمركية بين لبنان والدول الاعضاء خصوصا ان منطقة "ميركوسور" غنية بالموارد الطبيعية والمالية وسوقها يضم اكثر من 250 مليون شخص وتشكل 44% من اميركا اللاتينية و59% من اراضيها .ويمكن للبنان ان يجد مكانا له على اساس ميزاته التنافسية والمنتجات المتخصصة والنوعية والافكار المبتكرة .

ويضيف زمكحل: لقد علمتنا التجارب ان اي احداث امنية ومقاطعة سياسية في لبنان تنسحب على الاوضاع الاقتصادية ويكون لها ارتداداتها، ويكون الثمن باهظا ً غالباً.من هنا اهمية الانفتاح على هذه السوق.

وتابع : واجهنا بعض المشاكل في الدخول الى اميركا اللاتينية بسب الضرائب المرتفعة الذي حدّ من التبادل التجاري فكان الخيار الاتجاه الى هذه السوق مع اتباع كل المعاير الدولية المفروضة.

خطة اقتصادية انقاذية

اما عن كيفية بقاء الاستثمارات في لبنان اليوم وجذب اخرى فيشير الى ان الاستثمارات الخارجية في لبنان قد تراجعت من 4،5 مليار دولار عام 2010 الى 2،5مليار عام 2014. ولا شك ان ثقة المستثمر مردها المشاكل السياسية والامنية . وقد تراجعت هذه الثقة من 90 نقطة الى 30 نقطة في 2014. وتراجع الثقة يعني تراجع الاستثمار . لطالما كان لبنان يعاني من مخاطر سياسية ولكن مؤخراً بدأنا نلحظ ارتدادات هذه المخاطر على الاستثمار تراجعاً.

في العام 2014، نفذت خطة عسكرية وامنية لحماية الحدود وقد تمكنت من استعادة ثقة المستثمر. ونحن اليوم بحاجة لخطة امنية واخرى اقتصادية انقاذية ؛ فالقطاع الخاص لن يستطيع اكمال الطريق بمفرده.

أذاً  في الخلاصة القطاع الخاص اللبناني في مواجهة التحديات السياسية والامنية الصعبة  بشكل منفرد فيما ان الدولة منشغلة بامور كثيرة بعد تغييب للقطاع العام  ، اما المطلوب فهو واحد استعادة الثقة بموقع لبنان الريادي الذي ينقصه الامن والتحرر من بعض التقاليد البالية والتدابير البيروقراطية، المعرقلة لعجلة الانتاج ولاجتذاب الاستثمارات وايجاد فرص العمل وذلك في ضوء اتجاه انظار اوروبية اليه قد تبشّر بامكانية احداث نقلة نوعية ونقله من ضفة الركود الى ضفة الانتعاش.