يومان يفصلان المواطن اللبناني عن الموعد المرتقب! ففي 22 نيسان الجاري، سيتم البدء تدريجيا في تطبيق قانون السير الجديد. ولعل العنوان العريض لهذا القانون بالنسبة الى معظم اللبنانيين، هو قيمة الغرامات المالية المرتفعة في حال المخالفة.

فبعد الحملات الدعائية للقانون، ونشر وسائل الاعلام لقيمة هذه الغرامات، طالب المواطنون في المقابل بتحسين الطرقات وإنارتها، ووضع اشارات السرعة، وترميم الحفر، وغيرها... ونددوا بمبدأ "الغرامات دون الخدمات". اذ لا يختلف إثنان على أن الطرقات اللبنانية، في وضع يرثى له، والتنظيم المدني معدوم. كما أن معدل الدخل الفردي للبناني شهريا لا يتعدى الـ600 دولار، مقابل غرامات قد تتخطى هذا الرقم بأشواط.

ولكن بعد أكثر من 10 سنوات من "الإرهاب المروري"، والإهمال، والفوضى على الطرقات، لا بد من الشعور بالفرح والفخر لأننا حصلنا أخيرا على قانون يهدف الى المحافظة على السلامة العامة، وتخفيض نسبة حوادث السير وضحاياها، آملين أن لا نرى مجددا جملة "لن ننساك"، ونتحسّر على مقتل الشبان والشابات على طرقات لبنان، أو "أفخاخ الموت"!

فما هو تأثير هذا القرار على جيوب المواطن من جهة وايجابياته على خزينة الدولة والسلامة العامة من جهة أخرى؟

هذه الأسئلة أجاب عليها عدد من الخبراء الاقتصاديين في أحاديث خاصة مع "الاقتصاد"، أكدوا خلالها أن قانون السير مهم جدا من أجل ضبط الأوضاع على الطرقات والسلامة المرورية، كما أنه قد يساهم في دعم خزينة الدولة. لكن في الوقت نفسه سيؤدي الى اضعاف الطبقة الفقيرة والمتوسطة.

رياشي

وأشار الخبير الاقتصادي، د. ألفرد رياشي، الى أن الإيجابية الأولى لهذا القانون بالنسبة الى الدولة، تكمن بالطبع في زيادة العائدات، خاصة في الفترة القصيرة ومتوسطة المدى، أي لمدة حوالي سنة. اذ بعدها يكون الناس قد اعتادوا أكثر على النظام الجديد، ومن المفترض حينها أن تنخفض كمية المخالفات. ولكن لا بد من القول أن زيادة المخالفات سيؤمن عائدات أكبر من تلك التي كانت تصل من قبل الى الخزينة من الغرامات المتعلقة بالسير.

أما في ما يخص المواطن، فأوضح أنه خلال الفترة الأولى، سيقع عدد كبير من المواطنين، خاصة من الطبقة العاملة والطبقة الوسطى والفقيرة، ضحية للمخالفات، اما بسبب جهلهم لبعض المعلومات المتعلقة بقانون السير، واما لعدم تمكنهم لظرف أو لآخر من الالتزام الكلي بقانون السير. مما سيؤدي الى اضعاف القدرة الشرائية عند المواطنين، التي كانت تحسنت في الفترة الأخيرة بعد هبوط أسعار النفط.

وقال "فوائد القانون أن الدولة ستتمتع بالقدرة على الالتزام بمدفوعاتها، ومن الممكن أيضا أن تنخفض نسبة العجز. لكن بالنسبة الى المواطن، فلا فوائد مباشرة الا بالطبع الفوائد المتعلقة بنتظيم السير والأخلاق المرورية".

وأضاف "معدل دخل الفرد في لبنان لا يتعدى الـ15 مليون ليرة في السنة، والمخالفات اليوم قد تأخذ نسبة كبيرة من عائد الدخل الفردي، لذلك من المفترض أن يكون هناك عملية تدريجية وتمييز أكثر بين المخالفات".

حبيقة

بدوره أوضح الخبير الاقتصادي، د. لويس حبيقة، أن قانون السير الجديد من شأنه أن يزيد من عائدات خزينة الدولة، وفي الوقت نفسه يخفف من حوادث السير، وفي هذه الحالة تنخفض الكلفة بسبب الجرحى والقتلى والتحطيم. اذ أن قسم من هذه التكاليف يصدر من موازنة الدولة. وبالتالي بهذه الطريقة، نوفر المزيد من المصاريف على الاقتصاد اللبناني وبالتالي على الخزينة. لذلك يمكن القول أن القانون مفيد جدا من ناحية تخفيض الكلفة وزيادة الايرادات. ولكن المشكلة والتخوف الأكبر هو من زيادة الرشوة. فالرقم الكبير للغرامات قد يؤدي الى عرض رشوة على رجل الأمن من أجل عدم كتابة المحضر. وهذه الآفة موجودة في كل دول العالم، وليس فقط في لبنان. فكلما ارتفعت المخالفة كلما زادت الرشوة. وهذا خطير جدا.

وأشار الى أن الغرامات ارتفعت بشكل كبير جدا، فمع رفعها بشكل معقول، يفكر الانسان مرتين قبل القيام بالمخالفة، كما أن الرشوة لا يعود لها قيمة. فرجال أمن هم أشخاص وفيين، لكن أجورهم منخفضة جدا، وبالتالي فإن الرشوة فد تفيد أوضاعهم.

وقال "أنا مع قانون السير، اذ أن فوائده أكثر بكثير من سلبياته، ولكن كان باستطاعتنا التخفيف من نسبة السلبيات، من خلال تخفيض قيمة العقوبات".

عجاقة: دخل الخزينة سيبلغ حوالي مليون دولار يوميا!

من ناحيته لفت الخبير ألأقتصادي ، البروفيسور جاسم عجاقة، الى أن دخل الخزينة سيبلغ حوالي مليون دولار يوميا، على اعتبار 2000 محضر. لكن لا يمكن الضرب بـ365، من أجل اصدار المجموع السنوي، فقانون السير يسحب نقاط من رخصة السوق، وقد يحجز السيارة، مما لا يجعلها عرضة للمخالفة.

وقال "في الفترة الأولى ستكون نسبة المخالفات مرتفعة ، لكنها ستنخفض فيما بعد بشكل كبير جدا، والسبب أن الناس بدأوا بالخوف وقرروا تطبيق قانون السير، أو أن سيارتهم محجوزة، وهم غير قادرين على التصرف بها". كما أضاف "سنشهد مشاكل كبيرة لدى المواطنين من ناحية قدرتهم على دفع المخالفات، وخاصة بالنسبة الى الفئة الموجودة تحت الطبقة المتوسطة، أي بين الطبقة الفقيرة والطبقة المتوسطة، والذين لديهم أقساط شهرية. كما سنشهد صرخة كبيرة من ناحية التأثير المباشر على جيوب المواطنين.

وأشار الى أنه في المرحلة الأولى يجب التركيز على محاربة السرعة، وعدم التهاون بها. والنقطة الأهم تكمن في التطبيق العادل أي على كافة شرائح المجتمع.

وقال "ثقافة لبنان في القيادة تندرج تحت المثل الفرنسي ‘Conduire une voiture c’est l’egoisme pas excellence’، أي أن قيادة سيارة هي الأنانية القصوى. كما أن أصحاب الفانات والشاحنات أسميهم "شوماخر"، بسبب قيادتهم المتهورة. لذلك على وزارة الداخلية والبلديات أن تحارب بالدرجة الأولى السرعة، مهما كان نوعها ومن دون أي استثناء. فالحياة ليست لعبة".

وأضاف أن القانون سيؤدي الى زيادة المداخيل على خزينة الدولة، ولكن اقتصاديا يجب رؤية عدد المتضررين، وقدرة اللبناني على دفع الغرامة، مما قد يؤدي الى ضرر اقتصادي. ولكن الايجابية الأهم هي الحفاظ على أرواح الناس، وهذا بحد ذاته هدف سام.

يشوعي

وقال الخبير الاقتصادي، د. ايلي يشوعي، أن هناك 3 شروط عالمية لسلامة السير، أولا تحديد السرعة، ثانيا حزام الأمان، وثالثا درجة الكحول في الدم. ويجب التقيد بهذه المعايير من أجل خفض نسبة حوادث السير.

وأكد أن الغرامات المرتفعة جدا، من شأنها أن تخفف من المخالفات بنسبة كبيرة. فاللبناني للأسف لا يسأل عن روحه، بل يسأل عن جيبته. وقال "أنا لست ضد قانون السير الصارم والغرامات الصارمة، ولكنها لن تربح الخزينة بنسبة كبيرة، فالكل سيخاف على جيبته، وبالتالي سيلتزم بالشروط، وستنخفض حوادث السير بنسبة ملحوظة، وسنحافظ بذلك على أرواح أولادنا وشبابنا. وهذا هو المطلوب من كل هذا الموضوع. اذ ليس الهدف تخفيض الدين العام أو ظلم الناس، بل الحصول على قانون يحد من الفوضى التي نعيش فيها، ويساهم في احلال القليل من الانضباط في موضوع السير من أجل المحافظة على أرواح أولادنا. فالأهل لا يسرعون ولا يسابقون ولا يتهورون في القيادة، ولكن الشباب كيف نحافظ على أرواحهم؟".

كما أضاف "الأهم أن يفهم الأهل أهمية عدم التساهل مع أبنائهم في حال حصولهم على مخالفة، ولا يساهمون في دفعها، كي يتعلموا".