جميع القيمين على القطاع المصرفي يؤكدون انه سيحافظ  هذا العام على وتيرة  النموّ الجيدة التي حققها عام 2014، إن لناحية مجموع الموجودات أو التسليفات أو الودائع، وذلك رغم الظروف الصعبة  التي تواجهها  البلاد.

كما يتوقع  أن يحافظ  القطاع  على نِسب  الربحية  الجيدة  التي كان حققها  في الأعوام السابقة في ظل مستويات  السيولة  العالية، واستمرار تحويلات المغتربين إلى  لبنان والتي تجاوزت  الـ7.5 مليارات  دولار في السنة، إضافة  إلى تحفيزات  مصرف  لبنان والهندسات  المالية  والسياسة النقدية  السليمة  التي  يعتمدها .

ومن المعلوم ان  المصارف تلعبدوراً كبيراً في تمويل القطاع العام من جهة، وكشريك مع الدولة اللبنانية وأيضاً مع المؤسسات المالية الدولية والإقليمية ومنها مؤسسة الاستثمار الخاصة لما وراء البحار ، والبنك الأوروبي للتثمير، والوكالة الفرنسية للتنمية، ومؤسسة التمويل الدولية، وصناديق التنمية العربية، وصندوق النقد العربي، إلخ...، وفي ايجاد آليات تمويل متخصصة للقطاع الخاص، ومن جهة ثانية، كمقرض يتحمل وحده مخاطر هذه التسليفات ويعرض أنواعاً جديدة ومتنوعة من القروض.

هذا وتبقى مخاطر الإقراض كاملةً تتحمّلها المصارف وحدَها  بدون مصرف لبنان مصدرها  دعم الفوائد أو الاحتياطي. كما أن جزءاً من الدعم يحوَّل للمودعين بالليرة. ولولا آليات الدعم هذه لكان ترتّب على دعم استقرار سعر صرف الليرة وقوتها الشرائية كلفة أعلى من الكلفة القائمة.

والجدير ذكره ، ان  المصارف من خلال اقراض الدولة تستفيد من معدلات الفوائد المرتفعة، خصوصا انها عاجزة عن تكبير محفظتها الإقراضية في ظل انحسار الطلب على القروض مع الاوضاع الاقتصادية غير المستقرة، مما يضطرها الى استثمار سيولتها في ما يحقق لها مردوداً جيداً.

وفي غضون ذلك، فانه من خلال تمويل المصارف لعجز الدولة اللبنانية ودينها العام،حيث تُمثل الفوائد على سندات الخزينة الأساس من أرباح المصارف، يطرح البعض امكانية  وقوعها  في  أزمة اذا عجزت الدولة يوما عن دفع الفوائد للمُقرضين فيما  انها في  المقابل ، تهمل تمويل الاستثمارات بعدم اعطائها  الحوافز المرنة.

هل ان اقراض الدولة  يصبّ في مصلحة السياسة المصرفية السليمة؟

هل ان تخلي المصارف  عن الدور الأساسي  في تمويل  الإستثمارات في  القطاع الخاص، هو ارادي ام الزامي؟

حبيقة

يعتبر الخبير الاقتصادي د.لويس حبيقة في حديث لـ"الإقتصاد" انه من واجب القطاع المصرفي تمويل القطاع الخاص للاستثمار في قطاعات مختلفة مما يساعد في خلق فرص عمل  وتحقيق النمو.

ويقول: "لابد من التذكير ان الدولة بدأت في التسعينات بالاقتراض من مصرف لبنان ومن السوق عن طريق اصدار سندات خزينة  بفوائد  مرتفعة  بنسبة 40% ، مما فتح شهية المصارف ، وبايعاز  من مصرف لبنان على الدخول في منظومة  الدين  العام  وتحقيق  الارباح.

وبالتـأكيد، هذا الانغماس مع الدولة لم يسمح لها القيام  بمهامها  الاساسية  تجاه الافراد والشركاتالذين هم بحاجة  للسيولة وذلك  لعدة اسباب اهمها:

1- ان الدولة زبون او مقترض كبير ومعروف ، سهل التعامل  معه  وهو لا يحتاج  الى دراسة الملفات  قبل  اعطاء  الموافقة  على القروض، فيما  ان المقترض  الآخر يتطلب الكثير  من جمعالمستندات  والوثائق والتقصي عن وضعيته  قبل  منح   الموافقة  على الاقراض .

ومن المعلوم ان هذه التدابير يترتب عنها اكلاف كبيرة يتكبدها القطاع المصرفي.

2-  ان بداية اقراض الدولة في التسعينات كانت هامة  ولافتة ، حيث ان الاكتتاب جاء بفوائد عالية كما ذكرنا سابقاً بنسبة 40%. وشيئا فشيئا دخلت المصارف في منظومة التسليف  والاقراض.

فالدولة عندما تقوم باصدار سندات خزينة  وتطرحها للبيع يكون الاقبال عليها كبيراً بوجود مغريات الفوائد المرتفعةالمعروضة .

ويلفت د.حبيقه الى ان حيازة الدولة على الجزء الاكبر من القروض المصرفية بنسبة تتراوح بين 33 و40%دفع بالقطاع المصرفي الى اعطاء  القطاع الخاص قروض بفوائد مرتفعة.

وكشف عن ميل لدى بعض المصارف الى التخفيف من نسبة هذه القروض الموزعة للدولة لتقليص مدى المخاطر المحيطة ، خصوصا وانها تصبح  مرتبطة باي ثقة معطاة للدولة.

ويرى ان هذه المصارف هي مرغمة اليوم على هذا الارتباط ، علما انه لن يفيدها على المدى الطويل. واذا كان مصرف لبنان المشجّع الاساسي لهذه العملية بهد ف تلبية حاجات الدولة بطريقة مباشرة او غير مباشرة  ، فالتواطؤ واضح  وناتج عن تضارب مصالح عليا خصوصا وان معظم السياسيين يمتلكون الاسهم في المصارف.

ويعتقد الدكتور حبيقة ان البعض من هذه المصارف متضامن  مع هذا الموضوع، والبعض ألاخر يرى نفسه مجبراً، وانما اخذ القرار بالرفض او بتخفيض نسبة  الاقراض  يجب ان يأتي من جمعية المصارف . وعندها ترى الدولة نفسها مجبرة على البحث عن ممول آخر لتغطية خدمة الدين .

عدم المس بمنظومة الاقتراض

من جهة اخرى، مصادر مصرفية رفضت الكشف عن اسمها اكدت لـ"لاقتصاد" ان هذه العلاقة السائدة اليوم ما بين القطاع الخاص والخزينة تدعم  الوضع النقدي والمالي في لبنان،   خصوصا ان الوضع  القائم لا يسمح  المسّ بهذه المنظومة الى حين استقرار الاوضاع وعودة النشاط الى الاقتصاد الحقيقي. وهي تعتبر  ان تشجيع مصرف لبنان للقطاع مؤخرا ً من اجل  الاكتتاب بإصدار الـ"يوروبوند" رغم همس بعض المصرفيين بان اي تمويل جديد لدين الدولة سيكون مرتبطا برزمة اصلاحات عليها البدء بها، انما يأتي  تخفيفاً لمحفظته من الاوراق الحكومية (سندات خزينة وشهادات ايداع).

الا ان الدور المطلوب اكثر للقطاع المصرفي تجاه القطاع الخاص يقوم به مصرف لبنان  عن طريق مبادرات حساسة ، من أجل تعزيز الطلب الداخلي والإبقاء على نمو اقتصادي إيجابي كما يقول حاكم المركزي رياض سلامة. فالرزم التحفيزية التي أطلقها ما بين 2013 و2015 تقارب الـ4 مليار دولار أميركي. وكانت لهذه الرزم التحفيزية آثارها على النمو الاقتصادي إذ إنها ساهمت بأكثر من 50% من النمو المحقق خلال هذه السنوات.

ويعتبر سلامة انالمبادرة  لدعم اقتصاد المعرفة في لبنان بدأت تعطي نتائجها من حيث توظيف الأموال من قبل المصارف في هذا القطاع.

ولقد أصبح لدى لبنان إمكانيات تساوي الـ400 مليون دولار أميركي يمكن استثمارها في هذا القطاع. وقد موّلت المصارف صناديق استثمار وشركات ناشئة بما يقارب الـ200 مليون دولار.

ذلك اضافة الى تحفيز التسليف للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

ويؤكد سلامة إن مستقبل لبنان الاقتصادي سيرتكز إلى حدّ كبير على قطاع اقتصاد المعرفة، فضلا عن القطاع المالي وقطاع الغاز والنفط. كما لدى القطاع المصرفي في لبنان إمكانيات مهمة لتمويل القطاع الخاص والقطاع العام.