قبل أسبوعين تقريباً، أخضع وزير الصناعة د.حسين الحاج حسن بطاطا التشيبس المصنّعة في الخارج لاجازة استيراد مسبقة. وعلّل اصدار القرار بحماية خمسة مصانع لبنانية تنتج التشيبس بأعلى المواصفات، وهي منتشرة في زحلة وبعلبك والجنوب، وتؤمّن فرص العمل للعشرات والمئات من أبناء هذه المناطق، ويكفي انتاجها السوق المحلي ويفيض. وأصبحت هذه المؤسسات الانتاجية الخمس مهدّدة بسبب اقدام تاجر واحد على زيادة حجم استيراده التشيبس من 300 طن تقريباً إلى 3 الاف طن. ودفعت هذه الزيادة القياسية في الواردات بأصحاب المعامل إلى رفع الصوت، وإلى التخوّف من اغراق السوق اللبناني،بما يحدّ من قدرة الانتاج الوطني على المنافسة.

وبتأكيده عدم وجود أي رغبة "بشنّ حرب تجارية مع الدول التي تربطنا بها علاقات تبادلية"، لا يلغي الوزير الحاج حسن حقوق التجار بالاستيراد، كما لا يمانع أن يأخذوا حصّة من السوق، ولكن ليس كامل الحصّة، وعلى حساب القطاعات الانتاجية اللبنانية، الصناعية والزراعية.

ازدهار القطاع الصناعي

الدافع الرئيسي وراء اتّخاذ وزير الصناعة قرارات مماثلة، ينطلق من مسؤوليته عن تنمية القطاع الصناعي، وتحديثه، وازدهاره، كونه ركناً من أركان الاقتصاد، ومؤهّلاً إلى جانب الزراعة، لاستيعاب اليد العاملة اللبنانية التي تعجز القطاعات التجارية والخدماية والمصرفية والسياحية عن تأمينها.

ولا يمكن اعتبار وزارة الاقتصاد والتجارة بعيدة عن هذا التوجّه.فقد وافق مجلس الوزراء قبل سنتين، على التوصية الصادرة عن هيئة التحقيق في قضايا الاغراق والدعم والتزايد في الواردات  والمتعلقة بفرض رسم وقائي بنسبة 10% من القيمة على قضبان وزوايا وأشكال خاصة ( بروفيليه ) ألمنيوم لمدة أربع سنوات، على أن يخفض تدريجياً إلى 5% في السنتين الأخيرتين.

لكن وزارة الاقتصاد والتجارة، وقبل بدء سريان مهلة السنتين الأخيرتين المنصوص عنهما في القرار المذكور سابقاً، طلبت نهاية العام الماضي،وبالتفاهم مع وزارة الصناعة،عدم تخفيض الرسم إلى 5% ، بل جعله 9.9% ، بعدما تبيّن " تدفّق واردات قضبان وزوايا وأشكال خاصة ( بروفيليه ) ألمنيوم بكمّيات كبيرة جداً، اذ ارتفعت الكمية من 8% في العام 2012 الى 27% من مجمل الواردات لغاية النصف الأول من العام 2014 فقط، ومن المتوقع ان تستمر هذه النسبة بالزيادة. " ووافق مجلس الوزراء على هذا الاقتراح.

الوزير حكيم للاقتصاد: "تهمّنا حماية حقوق المستهلك أولا"

وللاضاءة على وجهة نظر وزارة الاقتصاد فيما يتعلق بالسياسة الحمائية كان " للاقتصاد " حوار خاص مع وزير الاقتصاد والتجارة الدكتور الان حكيم..

* هل تؤيّد وزارة الاقتصاد والتجارة فرض رسوم جمركية على بعض المستوردات أو اللجوء إلى اجازات استيراد لبعض السلع، بهدف حماية الانتاج الوطني؟

"في دولة ذات إنتاج ضئيل، تكون المشكلة في حماية المستهلك أكثر منها حماية الإنتاج الوطني. وعليه فإننا نؤيد في وزارة الاقتصاد والتجارة أي إجراء كفرض الرسوم الجمركية أو اللجوء إلى إجازات استيراد متى كان يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، لا سيما تلك المتعلقة بحقوق المستهلك لناحية تأمين جميع السلع له بالكميات وبالمواصفات اللازمة وبأسعار مقبولة، وشرط ان لا تتعارض هذه الاجراءات مع التزامات لبنان في اطار اتفاقياته التجارية."

*ولكن هل تتعارض هذه الاجراءات مع التزامات لبنان التجارية؟

"تتعارض هذه الاجراءات مع التزامات لبنان التجارية متى استمرت لفترة طويلة."

في حال ورود اعتراضات من دول ضمّنتها تهديدات باللجوء إلى مبدأ المعاملة بالمثل، فهل تتأثر التجارة الخارجية للبنان ايجاباً أو سلباً؟

"نعم ستتأثر التجارة الخارجية للبنان في حال وجود اعتراضات بسبب وجود مبدأ المعاملة بالمثل ولو كانت الاجراءات التي يتخذها لبنان مسموحاً بها. وفي حال اتخاذ لبنان أي اجراء استثنائي من هذا القبيل، إننا نؤكد على ضرورة التحدث مع الشركاء المعنيين الآخرين".

*هل يمكن افادتنا عن عدد وطبيعة الشكاوى التي عالجتها هيئة التحقيق في قضايا الإغراق والدعم والتزايد في الواردات خلال العام 2014، وما هي الاحكام التي أصدرتها، وهل هي ملزمة للأطراف؟ ما هي الآلية أو الجهاز الميداني لمراقبة حسن التطبيق؟

"قامت هيئة التحقيق في قضايا الإغراق والدعم والتزايد في الواردات لحينه بمعالجة تسع شكاوى موضوعها الحماية من التزايد في الواردات.

نتيجة للتحقيق تم:

1. فرض رسوم نهائية في3 شكاوى: بلاط السيراميك – بروفيليه المنيوم – دفاتر مدرسية

2. فرض رسوم مؤقتة في شكويين: مفروشات غرف النوم – مصبعات بلاستيكية

3. إعلان بدء التحقيق في شكوى الزيوت النباتية

4. رد الشكوى المتعلقة بالبرطمانات من الزجاج لعدم كفاية الأدلة.

وتكون الأحكام الصادرة ملزمة للأطراف لأنها تصدر على شكل رسوم إضافية على الرسوم الجمركية.

وعن الآلية أو الجهاز الميداني لمراقبة حسن التطبيق؟

أجاب الوزير حكيم: " يجري التحقيق في حالات الإغراق والدعم وتزايد الواردات من قبل هيئة التحقيق التي تتألف من مديرعام وزارةالاقتصادوالتجارةمنسقًا،ومديرعام وزارةالصناعة ومديرعام وزارة الزراعة ومديرعام عن الجمارك .ويعاون الهيئةاختصاصيون في التجارةمن العاملين في وزارةالاقتصاد والتجارة ويجوزلها الاستعانة باختصاصيين من الوزارات المعنية وبخبراءفي مجالات الاحصاء والمحاسبة والشؤون القانونية ..

المصلحة العامة

تعليقا على الموضوع يقول مراقب اقتصادي إن " الحماية ليست إذاً أسلوباً جديداًاخترعه اللبنانيون حديثاً، إذ يتمتّع بها أصحاب الوكالات الحصرية، وأصحاب المهن الحرة، ومصانع الترابة وكابلات لبنان منذ عشرات السنين. كما أن الحماية ليست غريبة عن دول العالم، التي تلتفّ حول الاتفاقات التجارية، من خلال وضع حواجز تقنية، وخلق مواصفات تعجيزية، وابتداع رسوم تحت تسميات مختلفة، وهي بالحقيقة صورة مقنّعة عن الرسوم الجمركية. كلّ ذلك من أجل حماية الانتاج الوطني".

وإذا كان الصناعيون يؤيدون ما تقوم به الحكومة الحالية من اجراءات حمائية، فهم يأملون أن تواصل في نهج هذه السياسة، حتى انصاف كل القطاعات المتضرّرة، وعدم الرضوخ للضغوط التي ستتزايد من سفراء الدول المعنية والتجار اللبنانيين على السواء.

الحماية هي لعبة الكبار، يتقنون أساليبها وفنونها وزواريبها وتقنياتها. هذه اللعبة ليست ممنوعة على دول صغيرة كلبنان، إذا حصّنت القوى السياسية والاقتصادية فيها موقفها، ووضعت المصلحة العامة فوق كل اعتبار.