تحت رعاية رئيس مجلس الوزراء في لبنان تمام سلام، ممثلا بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، افتتحت في المقر الدائم لاتحاد الغرف العربيّة "مبنى عدنان القصّار للاقتصاد العربي" فعاليّات اليوم الأوّل من الدورة الـ 42 للمؤتمر العام للاتحاد تحت عنوان "مستقبل الاقتصاد العربي والتحولات الإقليمية والدولية"، والتي ينظّمها اتحاد الغرف العربيّة، بالتعاون مع كل من اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان، ومصرف لبنان، والمؤسسة العامّة لتشجيع الاستثمارات في لبنان "إيدال"، وبدعم من مجموعة "فرنسبنك" وشركة اتحاد المقاولين (CCC).

وشهد المؤتمر حضورا رسميّا واقتصاديّا حاشدا من البلدان العربيّة، في مقدّمهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الرئيس الفخري للاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربيّة عدنان القصّار، رئيس الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربيّة محمّدو ولد محمّد محمود، رئيس اتحاد الغرف اللبنانيّة محمّد شقير، إضافة إلى عدد من رؤساء الغرف العربية واتحاداتها، وممثلين عن جامعة الدول العربيّةوالغرف العربية - الأجنبية المشتركة، والشركات الزراعية والصناعية والتجارية، والمصارف والمؤسسات والشركات المالية، وشركات الاستثمار، وأصحاب أعمال ومستثمرين، ومنظمات واتحادات وهيئات اقتصادية.

وتحدّث في مستهل المؤتمر الرئيس الفخري للاتحاد العام للغرف العربيّة عدنان القصّار، فأشار إلى أنّه "في خضم التحولات الإقليمية والدولية التي نمر بها، يأتي هذا المؤتمر ليفتح نافذة نتطلع من خلالها إلى دور متجدد وخلاّق للقطاع الخاص العربي ،لتوسيع الآفاق المستقبلية أمام الاقتصادات العربية، وتجاوز الصعوبات ومواكبة الحداثة والتطور، ورسم تطلعات مشرقة للأجيال المستقبلية"، معتبرا أنّ "المرحلة التي تشهدها منطقتنا العربية اليوم هي الأدق في تاريخها الحديث.

ولا ريب أن تأثيرات ما يحصل على الصعيد الاقتصادي لن تكون أقل أهمية من التأثيرات على الصعيدالسياسي".

وقال: "علينا أن نبدأ مبكرا في استشراف المستقبل وما يحمله من تغيّرات.

فاليوم نحن نعيش في جوار إقليمي أكثر تعقيدا، واقتصاد عالمي أكثر ترابطا، وعالم تقني أسرع تغيّرا من أي وقت مضى.

ولذلك تتضاعف الحاجة لتوسيع إدراكنا بالمستقبل والاستعداد لكافة متغيراته. ومن المهم أن ندرك أن العامل المهم في السنوات المقبلة هو التكنولوجيا التي أصبحت تتدفق بشكل كبير ومتسارع يفوق جميع التوقعات".

كذلك تحدّث في المؤتمر النائب الأوّل لرئيس الاتحاد العام للغرف العربيّة، رئيس اتحاد الغرف اللبنانيّة محمّد شقير، حيث قال "نرحب بجميع الاشقاء العرب في بلدهم الثاني لبنان، قبلة الشرق ومحط انظار الغرب، الذي لطالما شكل عبر تاريخه مركزا اقتصاديا مميزا في هذه المنطقة.

منذ قيام جامعة الدول العربية في عام 1945 وحتى يومنا هذا تأسس الكثير من المؤسسات والمنظمات التي تسعى وتعمل لتحقيق التكامل الاقتصادي العربي، كما تم توقيع عدد من الاتفاقيات، وكذلك وضع عدد من الاستراتيجيات العربية التي تهدف إلى تطوير وتعميق التعاون العربي على مختلف المستويات لا سيما في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.

صحيح ان هذا الجهد العربي المشترك ورغم العراقيل والمصاعب الكثيرة الذي واجهه، حقق بعض اهدافه في أكثر من مجال، لكن في كل الاحوال نقول ان ما تم تحقيقه حتى الآن لا يصبو الى طموحاتنا كقطاع خاص عربي.

اليوم الظروف تغيرت وكذلك التحديات وحتى آليات العمل، وكل هذا يطرح على حكوماتنا وعلى القطاع الخاص العربي مسؤوليات جسام لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، عبر رسم استراتيجيات وخلق أدوات عمل اقتصادية عربية مشتركة قابلة للتطبيق بمرونة.

ان التحولات التي تشهدها منطتقنا والاحداث الكبيرة التي تدور رحاها في أكثر من دولة، وخطر الارهاب والصراع الاقليمي، فضلا عن أزمة النزوح الكبير خصوصا النزوح السوري والنزوح داخل العراق وليبيا، يحد كثيرا من فعالية اي اجراءات او خطوات لتحقيق الازدهار والنمو في المنطقة، خصوصا ان معظم الجهود العربية تنصب الآن على مجابهة هذه المخاطر مجتمعة. ونحن من جهتنا نؤيد وندعم هذه الجهود لأن تحقيق الاستقرار هو شرط اساسي لاطلاق دورة النشاط الاقتصادي العربي وبلوغ النمو المستدام.

في كل الاحوال، لا يمكننا، ان نبقى مكتوفي الايدي على مستوى الاقتصاد، فهناك امور كثيرة يمكن العمل عليها حاليا، وكذلك هناك خطوات كثيرة يمكن التحضير لها منذ الآن.

وفي نظرة سريعة على أداء الاقتصاد العربي في هذه المرحلة، نرى انه محكوم بالتباطوء، فيما التحديات المختلفة التي ذكرناها آنفا تضغط عليه أكثر فأكثر، في حين ان ذلك يرخي بثقله على الاستثمار ويفاقم معدلات البطالة التي بلغت مستويات قياسية، كما يؤدي الى تدهور المستوى المعيشي في الكثير من دولنا.

ويؤكد صندوق النقد العربي في "التقرير العربي الاقتصادي الموحد لعام 2014"، تأثر أداء الاقتصادات العربية بعدد من العوامل خلال العام الماضي، مشيرا إلى تراجع معدلات النمو المسجلة في الدول العربية المصدرة للنفط متأثرة بتراجع الأسعار العالمية للنفط. واستمرار تأثر مستويات النشاط الاقتصادي في الدول العربية المستوردة للنفط بظروف تباطؤ معدلات نمو الطلب العالمي واستمرار تداعيات التحولات السياسية والاحداث التي تمر بها بعض بلدان المنطقة.

إذا كان الهدف تحقيق النمو المستدام ومعالجة معضلة البطالة المستشرية عبر خلق فرص عمل للشباب الوافد الى السوق العمل وتحسين المستوى المعيشي للمواطن العربي، فانه لا يمكن ان نستمر بنفس الوتيرة، ولا يمكن ان تعيش في كيانات منعزلة في وقت تسعى الكثير من الدول الى خلق كيانات اقتصادية في ما بينها لمواجهة تحديات العولمة.

ان كل ما تحقق نريده ان يشكل ارضية صالحة للنهوض بالمستقبل، لكن  المطلوب اكثر من اي وقت مضى اطلاق العنان للقطاع الخاص العربي للعب دور ريادي وطليعي في تحقيق التكامل الاقتصادي العربي، لذلك نرى لزاما على حكوماتنا تسهيل هذه المهمة باقرار الاجراءات والخطوات المطلوبة، وهنا نعدد ابرزها:

- تسهيل انتقال الافراد عبر تسهيل اعطاء تأشيرات الدخول والغائها في مرحلة لاحقة بين الدول العربية.

- تسهيل استثمارات القطاع الخاص العربي في اي دولة عربية.

- تسهيل حركة رؤوس الاموال بين الدول العربية.

- إزالة كل المعوقات من امام انسياب السلع ذات المنشأ العربي الى اي دولة عربية.

- انشاء صناديق لدعم المؤسسات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، وتحفيز المصارف والمؤسسات المالية العربية على زيادة تمويلاتها لهذه المؤسسات.

- اعطاء الافضلية للكفاءات العربية في الوظائف في المؤسسات العربية.

- تعزيز التواصل والتعاون والتنسيق بين القطاع الخاص العربي.

- انشاء صناديق عربية كبرى وتوجيهها نحو مشاريع بينية عربية كبيرة لخلق المزيد من فرص العمل.

- اعتماد نهج الاصلاح في الاقتصادات العربية والالتزام بضوابط الحوكمة الرشيدة.

- تقليص النفقات الحكومية الاستهلاكية في مقابل زيادة الإنفاق الاستثماري والإنتاجي.

- محاربة الفساد ومكافحة الرشوة وجرائم الاحتيال المالي.

- التركيز على الميزات التفاضلية وبناء القدرات عبر زيادة الاعتماد على متطلبات النهوض بالإبداع والإبتكار والتكنولوجيا.

- خلق بيئة جاذبة للإستثمار ومحفّزة للنمو وتطوير التشريعات والنظم التي تشكّل حاضنة إيجابية للإستثمار.

ان تحقيق هذه الاهداف التي لا تبدو بعيدة  المنال، تتطلب عملا صادقا وهادفا، وكذلك تكاتف الجهود بين الحكومات والقطاع الخاص والمصارف لبناء استراتيجيات فاعلة تتضمن حلولاً عاجلة وأخرى متوسطة وطويلة الأجل تهدف إلى استعادة الثقة بما تملكه الاقتصادات العربية من إمكانات وموارد كبيرة تؤهلها للعودة إلى الاستقرار والنمو وتحقيق الرفاه الاجتماعي".

وفي الختام، ألقى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كلمة راعي المؤتمر رئيس مجلس الوزراء اللبناني تمّام سلام، فأكّد أنّ "العالم العربي يواجه تحديات جسيمة للمحافظة على نمو حقيقي يحفّز التجارة ويسهّل خلق فرص عمل.

وأضاف "إن انخفاض سعر النفط وتراجع أسعار المواد الأولية ومنها الزراعية، سوف يقلّص الإمكانات التمويلية لدى الدول العربية في حال واصلت هذه الأسعار انخفاضها لمدة طويلة.

كما ان التحركات الحادة في اسعار العملات العالمية الاساسية والتي ستستمر، ستزيد المخاطر التجارية.

من ناحية اخرى، أن التحولات السياسية والأمنية التي تعيشها المنطقة العربية لا تساعد في إرساء سياسة إصلاحية فعالة نحن بأمسّ الحاجة إليها، مثل انفتاح أكبر بين أسواقنا وتطوير أنظمة الدفع الإقليمية بغية تشجيع المقاصة بالعملات العربية للعمليات التجارية البينية.

يمرّ لبنان بمرحلة دقيقة من تاريخه إذ تتجسد الأزمة السياسية باستحالة انتخاب رئيس للجمهورية، مما أدّى إلى تباطؤ في عمل المؤسسات الدستورية الأخرى وتأخير في إقرار قوانين يحتاج إليها لبنان.

بالرغم من هذه الصعوبة، بقيت الحركة الاقتصادية مقبولة إذ حقق لبنان في سنة 2014 نموا حقيقيا يقارب الـ2% وبقيت نسب التضخم منخفضة ما دون الـ4%.

إن انخفاض أسعار النفط سوف يؤثر إيجابا على القدرة الشرائية لدى اللبنانيين ويعزز الطلب الداخلي، مما يبشّر بنسب نمو تساوي النسب المحققة في سنة 2014 او تفوقها.

قام مصرف لبنان بمبادرات حساسة من أجل تعزيز الطلب الداخلي والإبقاء على نمو اقتصادي إيجابي. فالرزم التحفيزية التي أطلقناها ما بين 2013 و2015 تقارب الـ4 مليار دولار أميركي. وكانت لهذه الرزم التحفيزية آثارها على النمو الاقتصادي إذ إنها ساهمت بأكثر من 50% من النمو المحقق خلال هذه الأعوام.

كما أن مبادرتنا لدعم اقتصاد المعرفة في لبنان بدأت تعطي نتائجها من حيث توظيف الأموال من قبل المصارف في هذا القطاع.

لقد أصبح لدى لبنان إمكانيات تساوي الـ400 مليون دولار أميركي يمكن استثمارها في هذا القطاع وقد موّلت المصارف صناديق استثمار وشركات ناشئة بما يقارب الـ200 مليون دولار.

ذلك اضافة الى تحفيز التسليف للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

إن مستقبل لبنان الاقتصادي سيرتكز إلى حدّ كبير على قطاع اقتصاد المعرفة، فضلا عن القطاع المالي وقطاع الغاز والنفط.

لدى القطاع المصرفي في لبنان إمكانيات مهمة لتمويل القطاع الخاص والقطاع العام.

وقد استمرت الودائع المصرفية بالإرتفاع كما واصل لبنان تحقيق النجاحات بإصداراته بالعملة المحلية والعملة الأجنبية.

إن توافر الثقة دفع مصرف لبنان إلى إقرار إصدار شهادات إيداع لمدة 20 و30 سنة في حال وجود حاجات نقدية، على ان تكون ضمن مهمته القاضية بالحفاظ على ثبات العملة والاستقرار التسليفي.

نحن نسعى من خلال هذه المبادرة إلى تأمين المناخ المؤاتي الذي يسمح مستقبلا للدولة بإدارة مرنة للدين العام يتيح  لها ان ارادت توزيع استحقاقاتها على آجال أطول، مما يخفف الضغوط على السيولة ويساهم في خفض الفوائد.

إن الحروب القائمة في المنطقة والعقوبات المالية المفروضة على بعض الدول والمنظمات تدفع المصارف العالمية إلى التمادي في سياسة تقليص المخاطر "derisking" في المنطقة العربية. وسوف يؤثر ذلك سلبا على الحركة الاقتصادية عموما والتجارة خصوصا.

إن هذه المسألة هي موضع اهتمام السلطات النقدية في العالم العربي وفي لبنان. ونحن ندعو المؤسسات الدولية إلى الإلتفات إلى هذه المشكلة ومعالجتها بما يضمن حماية الشفافية ولا يعطّل النشاط الاقتصادي.

استطاع لبنان بفضل ثقة اللبنانيين بقطاعهم النقدي، المحافظة على استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية.

والامكانيات المتوفرة لدى مصرف لبنان تسمح لنا بالتأكيد على ان استقرار سعر صرف الليرة سيستمر".