بدأ الاقتصاد اليوم يتحكم بسياسات الدول التي تبني عليه استراتيجياتاها واتفاقاتها وعلاقاتها . ومن الاقتصاد التقليدي الذي يركز على النظر الى السوق والاسعار باعتبارهما اساس العلاقات الاقتصادية الى اقتصادات  اخرى متنوعة يأخذ الاقتصاد الابداعي الذي هو جزء ثابت فيه حيزاً هاماً في معظم الدول المتطورة خصوصا، رغم رحلة الصراعات الطويلة بين المدارس الفكرية الطويلة  التي تستنبط الهندسات الجديدة، طبقاً للاقتصادات الرأسماية الحرة تارة، والاقتصادات الاشتراكية  طوراً.

ومن المعلوم ان  الاقتصاد التقليدي ينظرإلى عملية الإنتاج على أنها "نظاما مغلقا" تقوم من خلاله الشركات ببيع السلع والخدمات، ثم توزع العائد على عناصر الإنتاج من ارض ويد عاملة ورأس مال. ومثل هذه المعادلة لا تتضمن عوامل أخرى غير مباشرة تدخل في صميم العملية الإنتاجية.

ومن أسس الاقتصاد التقليدي أيضا أن الناتج القومي الإجمالي يعتبر مؤشرا لقياس أداء الاقتصاد والرفاهية على المستوى القومي.

ويشار هنا الى انه ضمن الاقتصاد التقليدي تم التعارف على الاقتصادالكلي كمصطلح في سنة 1933 على انه مجموعة حلول نظرية تتعامل مع الاقتصاد كتلةً واحدةً، وتلامس النظرية مواضيع عدّة منها الناتج المحلي الإجمالي (GDP) ومعدلات البطالة والأرقام القياسية للأسعار، وذلك بهدف فهم الاقتصاد المحلي والعالمي والعمل على تطوريهما.

ومن الأدوات التي يستخدمها الإقتصاديون في هذا المجال تتمثل في الدخل القومي للدولة والناتج المحلي، والاستهلاك المحلي، ومعدلات البطالة، والإدخار، والاستثمار، والتضخم.

اما الاقتصاديات التقليدية المحدثة فهو مصطلح تم استخدامه بطرق مختلفة في مناهج الاقتصاديات التي تركز على تحديد الأسعار والمخرجات وتوزيع الدخل في الأسواق من خلال العرض والطلب، وغالبًا ما يتم إدخاله من خلال تحقيق الحد الأقصى الافتراضي للمنفعة التي يحصل عليها الأفراد محدودي الدخل و للأرباح التي تحصل عليها الشركات أصحاب التكلفة ، باستخدام المعلومات المتوفرة وعناصر الإنتاج طبقًا لنظرية الاختيار العقلاني. ويسيطر الاقتصاد التقليدي المحدث على الاقتصاد الجزئي اليوم.وبالرغم أن الاقتصاد التقليدي المحدث قد حظي بقبول واسع من قبل الاقتصاديين المعاصرين، إلا أنه تعرض للعديد من الانتقادات وغالبًا ما تُدمج في الإصدارات الأحدث للنظرية التقليدية المحدثة بسبب الوعي بالتغييرات الطارئة على المعايير الاقتصادية.

الاقتصاد الابداعي

اما في ما يتعلق بالاقتصاد الابداعي ويطلق عليه ايضا  الاقتصاد المعرفي فهو يستند الى كيفية تحويل المعرفة إلى سلعة. وبالطبع، فإن الاستهلاك سوف يتحوّل إلى علاقة. وبذلك، فإن التجارب، كما يقول ريتشارد فلوريدا، تحل مكان  البضائع والخدمات، لأنها تشحذ الإبداع وتدعم القدرات الإبداعية. ويرى في الخبرة مثيرا أساسيا للاقتصاد الإبداعي، إذ إنه يرى طريقا ذات اتجاهين بين المستهلك والمستثمر، لأن الاتصال يمرّ بالاقتصاد عبر إلابداع. ويتم  اتباع أشكال تسلية وثقافة. فالعمل الذي ينجزه المستهلكون للمعرفة من المشاهدة والتشجيع والقراءة يضيف قيمة إلى السلعة الإبداعية، وممارسة الاستفتاء تحوّل إلى سلعة تباع للمعلنين.

وهناك مجالات وحقول من العمل والاقتصاد تقوم على الإبداع؛ مثل النشر، والأبحاث، والموسيقى، والسينما، والرواية، والثقافة، والفنون التشكيلية، والاستشارات، والتصميم، والتطوير، والعمل في مجالات الملكية الفكرية، والإعلان، والعمارة، والإعلام، والبرامج الإلكترونية، وصناعة المحتوى الفكري في المتاحف والفنون والموسيقى والكتب والألعاب الإلكترونية وتخزين المعلومات...حيث يتم تقدير قيمتها السوقية والاقتصادية.

لقد أصبح مصطلح "الصناعات الإبداعية" و"الاقتصاد الإبداعي" يأخذ حالة ملموسة ومعترفا بها، ويمكن أيضا تعريفها، وملاحظة الإحصاءات والأرقام المتعلقة بها، بل أصبحت تخصصا يدرّس في الجامعات.

وها هو الاقتصاد الابداعي ثورة تماشي العصر الحديث فهل لبنان قادرعلى الاعتماد عليه ؟

مصدر اقتصادي  يقول لـ"الإقتصاد" ليس هناك من قوانين ترعى ما يعرف بالاقتصاد الابداعي ، وانما ذلك مرتبط بالمقاول، بنوعية التعليم في لبنان ، وبوجود مراجع للتكنولوجيا  مثل الـ"polytechnic" الى جانب الدراسات الاكاديمية التقليدية.

وكل بلد يتمتع بمقومات تجعل منه مبدعا. في الماضي اجريت دراسة في لبنان استندت الى استطلاعات رأي حول ما اذا كان هناك من مجالات للابداع. فنسبة الابداع  في المجال الفني في لبنان هي اهم منها في المجال الصناعي.

فمثلا هناك سلسلة قطاعات تجمع موارد مالية هامة مثل الفضائيات التي تجمع الاعلانات، شبكة التواصل الاجتماعي، تصميم الازياء والمجوهرات ،برمجة الكومبيوتر، الهندسة، الطباعة،الاعلانات، وسائل الاعلام المرئي والمسموع،المسرح والسينما، كل ما يتعلق بوسائل الترفيه والتسلية والتثقيف  وغيرها من الامور الفكرية... اذاً ليس المقصود فقط ما ينتجه الاقتصاد من امور مادية وملموسة. ومن المعلوم ان ثمة بلدان في العالم اليوم عندها هذا الابداع مثل بريطانيا. 

وكذلك الولايات المتحدة الاميركية حيث يستند الاقتصاد على ما يتم تحقيقه من موارد من صناعة الافلام والسينما، وكتب الروايات  والتكنولوجيا وغير ذلك. ويعتبر هذا النوع من الاقتصاد الاكثر اسهاماً في تحقيق المداخيل.

ويتابع : لبنان ليس بعيداً عن هذا النوع من الاقتصاد . صحيح ان عنده نقاط ضعف كثيرة في بعض المجالات مثل الـ" Robotic" ولكن في المقابل ثمة مجالات اخرى يمكن الاعتماد عليها.

ولفت الى وجوب ربط الاقتصاد الابداعي بمسألتين اساسيتين:

1- تطبيق جدي وصارم لقوانين حماية الملكية الفكريةكما هو معمول به في الولايات المتحدة الأميركية، اذ انه بغياب هذا الاجراء يضيع جزء كبير من المداخيل المحققة والتي تعتبر مورداً لافتا للاقتصاد برمته.

2-  توافر عدد كبير من المعاهد والجامعات والمؤسسات التعليمية  الابداعية والخلّاقة .ومن المعروف انه  اليوم في لبنان معظم هذه المعاهد هو اكاديمي ، فيما ان معاهد وجامعات العلوم التقنية  هي المشجّعةللاقتصاد الخلّاق.

3- ايجاد وتشجيع قيام نشاطات ابداعية وخلاقّة في مختلف  المجالات.

ووفق الاحصاءات ثمة في لبنان اليوم نسبة 5% فقط من الناتج المحلي مصدره الاقتصاد الابداعي بينما في بريطانيا هذه النسبة هي بحدود 20%وطبعا مصدرها الفنون والاختراعات.

باختصار ان هذا الباب الابداعي في  الاقتصاد الوطني هو موجود ولكنه بحاجة الى كل مقومات  الدعم لتحقيق المرجو منه في  النمو المحلي.