ملف الدواء متشعّب ومتشابك في آن. ومع اصرار وزير الصحة العامة وائل ابو فاعور على تطبيق الوصفة الطبية الموحدّة في الآونة الأخيرة، تفجّر مجدّداً ملفّ الدواء، كونها ليست المرّة الأولى التي يروّج فيها عن مافيا الدواء في لبنان.

أراد الوزير تخفيض فاتورة الدواء بنسبة 50% كما قال. فهل تمّ له ما أراد؟وهل أفلح بكسر العلاقة التجارية بين الطبيب ووكيل الدواء في حال وجدت؟

شكّك رئيس نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات ارمان فارس خلال حديث خاص لـ"الاقتصاد " بما أشيع عن تخفيض فاتورة الدواء بنسب تتراوح بين 30 و 40%، نتيجة اعتماد الوصفة الطبية الموحدة، لأن تلك الأرقام تتجاهل كلياً أن " عدداً كبيراً من الأطباء يصفون الأدوية الجينيريك منذ سنوات عدة، وبأعداد أكبر بكثير مما يتوقعه المسؤولون والاعلاميون".

ولدى البحث في تحديد الجهة المخوّلة وصف الدواء البديل الـ "Generic" الأقلّ ثمناً، وقع الخلاف المباشر بين وزارة الصحة العامة ونقابة الأطباء في بيروت، على آلية تطبيق الوصفة الموحّدة، في ظلّ وجود أطراف معنيّين آخرين في هذا النزاع،ولا يقلّ دورهم شأناً في هذه القضية، وهم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ونقابة الصيادلة، ونقابة مستوردي الأدوية، وأصحاب مصانع الدواء.

وبعد أخذ وردّ، سجّلت نقابة الأطباء انتصاراً بالنقاط، لناحية حصر وصف الدواء الأساسي الـ originatorواستبداله بالجينريك بالطبيب المعالج، وليس بالصيدلي.

عن هذا الموضوع اوضح  رئيس نقابة الأطباء في بيروت البروفسور انطوان البستاني "للاقتصاد" قائلا: "مع تبني التعديلات الأخيرة التي أجراها مجلس ادارة الضمان الاجتماعي على المادة 47 من القانون رقم 367 تاريخ 1/8/1994 ( مزاولة مهنة الصيدلة )، عادت الأمور الى مجاريها. الطبيب هو الذي يصف الدواء، فلم نزع صلاحياته؟ وطالما يعرف الطبيب أسماء أدوية الجينيريك، فهو الذي يعمد الى وصفه عندما يقتنع بفاعليته وجودته. "

وهنا يؤكد مراقب متابع لهذه القضية من بداياتها " للاقتصاد "، صحّة توقّعاته حول تشابه الضجّة المثارة في شأن هذا الملف، مع ما سبقه من ضجيج حول حملة سلامة الغذاء، ومع ما رافقه من اعلان وزارة الصحة العامة وقف تعاقدها مع اوتيل ديو، ومن ثمّ تراجعها عن هذا القرار، مبرّرة بأن المستشفى أعاد التزامه بشروط التعاقد!!!.

بالعودة الى ملف الدواء، يوجد ثلاثة أنواع منه: الأساسي originator، والجنريك  generic، والجينيريك المسوّق تحت اسم تجاري خاص branded generic .

90% من الدواء المستعمل في لبنان ( سواء أكان أساسياً أو جنريك ) مصدره من الخارج. وتغطي مصانع الأدوية اللبنانية الـ 10 % المتبقية لسدّ حاجة السوق الاستهلاكي المحلي. ويقال ان حجم سوق الدواء في لبنان المصرّح عنه يصل إلى حدود الـ 1.3 مليار دولار سنوياً.

تسيطر بضعة شركات كبرى على مجمل هذا السوق، وتستورد الدواء الأساسي والجنريك، وتقوم بتوزيع الاثنين على الصيدليات.

لا يمانع أصحاب هذه الشركات إذاً من وصف أي دواء، طالما أنهم قادرون على تأمين الحاجتين، وبالتالي فان مصلحتهم في البيع لن تتأثر، ولن تتراجع أرباحهم. ولكن هؤلاء سوف يعارضون بشدّة دخول شركات جديدة على خطّ المنافسة، سواء أكانت صاحبة وكالات لأدوية أساسية، أو جنريك، لا فرق.

وكما توجد الشركات المستوردة، توجد مصانع الأدوية اللبنانية. فضلاً عن وجود رجال أعمال ومستثمرين لبنانيين، يجمعون بين الاستحواذ على الوكالات الحصرية وعلى عملية التصنيع معاً.

ويصف مرجع طبّي " للاقتصاد " هذا العرض بأنه " يعطي صورة واضحة عن الناحية التجارية لهذا القطاع، من دون التطرّق إلى فاعلية أي دواء وجودته. إذ يمكن للمريض أن يشكّك حتى بالدواء الأساسي والغالي الثمن، إذا لم يلمس نتيجة من تناوله".

وبالتزامن مع اثارة هذا الملف، أطلقت نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات حملة دعائية متلفزة لهولوغرام النقابة. وتوجهّت " الاقتصاد " إلى رئيس النقابة ارمان فارس بسؤال عن توقيت الحملة، وإذا كانت مرتبطة بما أثير من كلام عن الدواء بشكل عام، وعن الوصفة الطبية بشكل خاص؟

فأجاب: "إن توقيت الحملة الاعلامية لهولوغرام نقابة مستوردي الادوية هو التوقيت السنوي الذي اعتمدته النقابة منذ  سنوات عدة.  وتقع هذه الحملة في نطاق التوعية التي تقوم بها النقابة تجاه الرأي العام لتسليط الاضواء على اهمية الهولوغرام الذي اعتمدته النقابة منذ سنة 2004 وهو علامة فارقة مميّزة، متطوّرة الكترونياً وغير قابلة للتزوير – Hologram – وتحمل اسم النقابة واسم المؤسسة الصيدلانية المستوردة، وتعطي ضمانة اضافية للأدوية المتداول بها في الأسواق اللبنانية. تشمل هذه الضمانة شرعية الاستيراد واخضاعه لسلسلة غير منقطعة من المسؤوليات مترابطة الحلقات بدءً من المُنتِج ووصولاً الى المواطن".

ولدى سؤاله عمّا يتردّد في الاعلام عن مافيا الداوء؟

فأجاب: "يجب طرح السؤال على من يستعمل مثل هذه العبارات للايحاء أن قطاع الدواء يسوده مافيا اومافيات، والأكيد أننا نرفض الكلام عن وجود مافيات. واذا وجدت، فهي جهات خفية ومقنّعة تقوم بأعمال لا تقدر على ضبطها اي جهة حكومية او ادارية.أما الواقع فهو إن المؤسسات الصيدلانية المنتمية الى نقابتنا هي وبتصرفها الشفاف- الحصن المنيع ضد التصرّف المافيوي الذي لا يعترف لا بسلطة ولا بنظام ولا بمراقبة ولا بمحاسبة. واننا مع كل من يريد محاربة الفساد شرط أن يعترف بأن هناك مؤسسات محترمة تقوم بدورها بشفافية مطلقة وهي تحت المجهر وفقاً لقواعد وانظمة واضحة ودقيقة على اساسها يستطيع المسؤول أن يراقب ويحاسب".