استضاف برنامج "المجلة الإقتصادية" في الحلقة الـ22 الخبير الإقتصادي د.إيلي يشوعي وتم التحدث عن المعاهدة الجمركية الموقعة بين لبنان والإتحاد الأوروبي والتي دخلت حيز التنفيذ في 1 أذار 2015.  ما هي تداعياتها وتأثيرها على واردات الخزينة؟

بداية، تحدث الخبير الإقتصادي د. إيلي يشوعي عن تداعيات المعاهدة الجمركية التي وقعها لبنان مع الإتحاد الأوروبي موضحاً أنه في لبنان، هناك مدرسة حفظ الإستهلاك على حساب الإنتاج مسيطرة تجعل من لبنان مساحة واسعة للإستهلاك لا مكان فيها للإنتاج والإبتكار والتجدد والتطوير.

وأكد يشوعي سيطرة هذه المدرسة عند تخفيض الرسوم الجمركية من متوسط 30% إلى متوسط 5% إلى 7% في عام 2000 وتقدم لبنان بطلب الإنضمام إلى "منظمة التجارة العالمية" قائلاً أن الدول الأخرى كانت تقوم برفع الرسوم الجمركية قبل طلب الإنضمام إلى المنظمة وليس خفضها للمحافظة على قدرتها التنافسية عند فتح حدود الأسواق، إلا أن لبنان كان "ملكياً" كثيراً في تعامله مع فتح الحدود وعولمة الأسواق.

وتابع أن هذه المعاهدة الموقعة مع الإتحاد الأوروبي تقضي بتحرير التجارة الخارجية ومحو كافة الحواجز الجمركية بين لبنان والإتحاد الأوروبي مضيفاً أن لبنان يستورد من الدول الأوروبية بقيمة 8 مليار دولار، وبالإجمال يستورد لبنان سنوياً سلع بقيمة 15 مليار دولار ويتم تصدير سلع بقيمة 2 مليار دولار فقط وبالتالي هناك عجز في الميزان التجاري السنوي يفوق الـ16 مليار دولار سنوياً ومع ذلك هناك توجه اقتصادي متمثل بالإستمرار في انتهاج الثقافة الإستهلاكية فهذه المعاهدة تقضي زيادة الإستيراد من دول الإتحاد الأوروبي الأمر الذي سيعمق الثغرة التجارية والعجز في الميزان التجاري مؤكداً أن القطاعات الإنتاجية في لبنان لم تعطى فرصة لتحضير نفسها للمنافسة الشرسة في ظل هذه المعاهدة وعملية فتح الأسواق ولذلك لا يوجد أية إيجابيات على الإقتصاد اللبناني إثر هذه المعاهدة بل ستكرس الفكر الإستهلاكي وتزيد منه على حساب الإنتاج.

ورداً على سؤال للمعدة والمقدمة كوثر حنبوري حول فرض ضريبة على الشركات والتي واجهت معارضة من قبل الهيئات الإقتصادية، قال يشوعي أن هذه الضريبة تعتبر خوّة تفرض على أصحاب المهن الحرة والمؤسسات والشركات بمختلف أنواعها مؤكداً أن هذه الضريبة لا تندرج تحت أي عنوان معين وليست ضريبة على أي شيء، ويرافق بالتالي المدرسة الإستهلاكية، التي تعمل على تعزيز الإستهلاك في وجه الإنتاج، مدرسة ميليشياوية على الصعيد الضريبي تهدف إلى محاربة العلم الضريبي والقواعد الضريبية واللجوء إلى الخوات وبالتالي إفلاس في الفكر الضريبي والمعرفة المالية والإقتصادية لأنه لو كان هناك فكر مالي أو اقتصادي أو نقدي في الحكومة الحالية لما كانت ستسمح لمثل هذه الخوّات أن تفرض على المؤسسات والشركات مضيفاً أن لبنان اكتفى من الأشخاص من خارج إطار المسائل الإقتصادية والذين يقومون بالسيطرة على المواقع التي لا يستحقونها .

أما بالنسبة لإصدار الـ"Eurobonds"، لفت مجدداً إلى مدرسة أخرى تسيطر على الفكر اللبناني وهي تفضيل الدولة اللبنانية مسائل الإقتراض على القطاع الخاص خاصة المنتج، فدائماً ما كان أصحاب المصارف يحذرون الدولة من الإقتراض وإقتران الإقتراض مع فرض مجموعة من الشروط على الدولة منها الإصلاحات وتخفيف الهدر وإقرار قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص وإقرار موازنة متوازنة يحدد فيها سقف للدين العام، إلا أن كافة هذه الأمور لم تتحقق وقام القطاع المصرفي بمنح قروض وشهادات إيداع مجدداً ليعلق لبنان في هذه الحلقة المفرغة الخطرة على الودائع مستغرباً استمرار القطاع المصرفي بتقديم القروض للدولة من دون الحصول على ضمانات في المقابل الأمر الذي يضع الودائع ومصالح المواطنين والدولة والخزينة في خطر.

وتابع أنه يجب على القطاع المصرفي أن يتوقف عن منح القروض للدولة إذا كان فعلاً يهتم بسلامة الودائع قبل أن تقوم الدولة بتطيبق الإصلاحات التي يجب أن تقوم بها وتوقف الهدر في الإنفاق العام وتقر قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص في كافة المجالات التي فشلت الدولة في إدارتها والذي يجب أن يترافق مع اللامركزية الإدارية الأمر الذي يؤدي إلى خلق المزيد من فرص العمل وزيادة في النمو والإنتعاش الإقتصادي حتى في ظل الإضطرابات وغياب الإستقرار في الدول المجاورة،  ويضع الإقتصاد بالتالي على السكة الصحيحية، سكة الإنتعاش والتطور.

وأشار يشوعي إلى أنه لا يمكن تعريض سلامة ودائع المواطنين إلى مزيد من الأخطار، فالمصارف تحقق أرباح حقيقية إلا أن الودائع أصبحت وهمية وتحولت إلى إقراض للدولة اللبنانية مؤكداً وجود تفريط في ثروات لبنان الطبيعية والمالية وبمصالح اللبنانيين مثل مسألة النفط وغياب العقود والتعاملات وترسيم الحدود مع إسرائيل التي سبقت لبنان إلى الإستفادة واستخراج النفط، فذلك الإفراط يقود إلى هدم الهيكل الذي تستند عليه الدولة والذي سيزيد من الدين العام ليلامس الـ70 مليار دولار.

وتطرقت حنبوري إلى قرار جمعية المصارف خفض الفائدة على الودائع، فرّد يشوعي أن ما يهم في الإقتصاد هي الفائدة المدينة أي الفائدة على الإقتراض وليس الفائدة الدائنة لأن الفائدة المدينة هي التي تبني الإقتصاد، فكلفة الإقتراض في لبنان مرتفعة والحكومة اللبنانية متمسكة بسياسة التجميد النقدي والتي كانت وجدت واعتمدت خلال فترة الحرب العالمية الثانية وتخلت عنها الأسواق والدول الخارجية والتي أصبحت تعتمد على فكرة أن المؤشرات الإقتصادية هي التي تتحكم بسعر الصرف وبتوقعات المتعاملين والمستثمرين، ولذلك فإن هذه السياسة المتخلفة كلفت لبنان تعميق  العجز في الميزان التجاري من 2 إلى 16 مليار دولار.

وبالنسبة لأسعار النفط، ذكر يشوعي أن أسعار النفط مسألة دقيقة، فصادف أنه خلال الفترة الماضية تجاوز المعروض العالمي الطلب بسبب عدة أمور مما أدى إلى انخفاض في أسعار النفط العالمية، إلا أن المعروض سوف ينخفض مجدداً لأن شركات النفط الكبرى اضطرت إلى خفض إنتاجها بسبب الخسائر التي تكبدتها، ولذلك سوف يرتفع سعر النفط إلى معدله الطبيعي وهو 90 أو 100 دولار.