يعاني منتجو الحليب في ​لبنان​ وأصحاب المعامل المنتجة للألبان والأجبان، من مشكلة لم تكن موجودة على الساحة اللبنانية، وفي معترك الأزمات المحلية سابقاً.

لكن تشرين الثاني من السنة المنصرمة حمل في طياته أصوات منتجي الحليب الذين بدأوا بالشكوى من ضعف القدرة على تصريف إنتاجهم.

تأخروا بالاعتصام  لإيصال أصواتهم، لكن أن تأتي متؤخراً خير من أن لا تأتي أبداً.

إعتصامهم مؤخرا  كان سلمياً، إنما جاء بحلة جديدة، فبدلاً من إقفال الطرقات بإشعال الإطارات، أفرغوا ما تيسر لهم من الحليب أمام وسائل الإعلام.

أوصلوا صوتهم إلى الجهات المعنية، ليتحرك المسؤول لإيجاد حل للمشكلة يرضي الطرفين.

عقد نهار الثلاثاء الفائت إجتماعا بين وزير الزراعة أكرم شهيب وممثل عن المصانع الكبيرة التي تشتري كميات كبيرة من الحليب المنتجة، وممثل عن المزارعين الذين يملكون أبقارا وتم التداول في تراجع إستهلاك الألبان والأجبان المحلية بسبب بدء الصوم عند الطوائف المسيحية من جهة ،حملة  سلامة الغذاء من جهة ثانية الذي أدى إلى تراجع الطلب على الحليب الذي دفع المنتجين إلى تخفيض الإنتاج.

انطلاقا من ذلك أصبحت المعامل تفرض أسعارا متدنية جدا على المزارع لشراء منتجاته، مما دفع اولئك إلى تقديم شكوى بأن هذه الأسعار تتسبب عليهم بالخسارة.

وأسفر إجتماع نهار الثلاثاء 24 الجاري على اتفاق يقضي بتخفيض سعر ليتر الحليب من 1100 ل.ل إلى 1000 ل.ل مشروطة بشراء كامل الإنتاج من المزارع.وللمزيد من الايضاحات وللمزيد من المعلومات أجرت الـ"إقتصاد" مقابلة مع مستشار وزير الزراعة ، نبيل أبو غانم الذي صرح أن   بعض المصانع على ما يبدو لم تتجاوب مع المسألة ، أي أنه وبسبب ضعف الإنتاج لا تستطيع أخذ الإنتاج كاملا حتى ولو قدم المنتج ليتر الحليب بليرة واحدة فقط.

وبالتالي فإن الضعف بالإستهلاك الذي أدى إلى الضعف بالإنتاج أسفر عن تدني كميات الحليب المطلوبة من المنتجين.

كذلك أشار  إلى أن ضعف الطلب على الإنتاج المحلي يعود إلى حليب البودرة المتوافر بكميات كبيرة ، إضافة إلى تهريب الألبان والأجبان على الحدود التي وصفها أبو غانم بـ"السايبة".

وبالتالي فإن من يدفع الثمن فهو اللبناني إن كان منتجاً للحليب أو صاحب مصنع.

و أكد ابو غانم  أن التواصل مستمر مع المنتجين ، وهناك إجتماع من المقرر أن يجرى في الايام المقبلة  بين المنتجين وأصحاب المصانع مع الوزير للتوصل إلى حل بشأن هذا الموضوع.

كما أعلن عن تشكيل هيئة ناظمة للعلاقة بين الطرفين بالوزارة لافتاً إلى أنه مرحليا السعر هو1000ل.ل على أن تأخذ المعامل كامل الإنتاج.

واللجنة التي تشكلت تضم شخصين ممثلين للمصانع و آخرين عن المزارعين، والوزارة هي التي تتابع يوميا هذا الموضوع.

واوضح ابو غانم  أن المعابر الرسمية مضمونة بمعنى أنها أصبحت خالية من التهريب لافتا الى ان الوزارة  فرضت  إجازة مسبقة على استيراد أي نوع من الجبنة البيضاء لضبط هذه الكميات حيث تحتوي هذه العملية على تنظيم آلية الإستيراد أي الإستيراد بالكلغ وليس بالبرميل والكميات الضخمة، ذلك بهدف تخفيض كميات المنتجات البيضاء المستوردة وتسويق المنتجات في الداخل ما يعني أنها لعبة توازن

كما تأمل أبو غانم من هذه اللجنة -التي يشكل طرفاها المنتجين وأصحاب المعامل- أن تتوصل إلى أي حل أو اتفاق مشيراُ إلى أن الوزارة تدعمها في كل ما تتفق عليه

كذلك أعلن أن الوزارة تتجه إلى دعم قطاع الأعلاف بهدف تحسينه والعمل على تطوره لا تراجعه.

وفي ما يخص المصانع الصغيرة التي هي  غير مرخصة أعلن  عن بدء عمليات الرصد لهذه المصانع على أن تعطى فترة زمنية للتسجيل، وفي حال لم يسجلوا .

وأسندت الوزارة   للجنة المشكلة دور في تحديد مكان تواجد هذه المصانع، لأن الوزارة وإن دعتهم إلى التسجيل لضبط إنتاجهم، فمن المتوقع أن لا تستجيب كل المصانع الصغيرة.

أما بخصوص إمكانية رفع الرسوم الجمركية على المنتجات المستوردة فقد ذكر  أن كل شيء ممكن ضمن القوانين المرعية الإجراء مثل اتفاقية التسيير العربية، والإنفتاح الإقتصادي مع أوروبا- فسوف ينجز كل ما يخدم الإنتاج اللبناني ضمن الإتفاقيات المتاحة.

في ظل كل ما يحصل من تشاورات للوصول لاتفاق بدأ فريق وزارة الزراعة بالكشف على المصانع لمراقبة ما إذا كان كل ما يكتب علييه حليب طازج هو فعلا كذلك.

إضافة إلى ذلك، وعلماً بأن المتابعة للمصانع كانت قائمة ، إلا أنها تكثفت ابتداء من نهار الثلاثاء كذلك البارحة بدأ العمل بغرفة الشكاوى .

من جهته في مقابلة للـ"إقتصاد" أكد  عضو الإتحاد الوطني لإنتاج الحليب جوزيف عبدالله ،  أن المشكلة الأساسية ليست بالإنتاج ولا حتى بمنتجي الحليب، فالمشكلة الأساسية تكمن بوجود حليب البودرة في السوق اللبنانية.

وقال انه بعد أن تم الإتفاق بين المنتجين وأصحاب المعامل على تحديد سعر ليتر الحليب بـ1000 ليرة، لم يلتزم أصحاب المعامل بالكمية المتفق عليها. ففي اليوم الذي تلى الإتفاق على السعر والكمية لم يستلم المنتجون من الـ250 طن المتفق عليهم سوى 50 طنا.

كذلك أشار عبدالله إلى مشكلة السعودية التي تورد 7 مليون ليتر حليب بسعر 1200 ليرة للحليب المصنع أي الموجود على الرفوف، ذلك لأن هذه البلاد تدعم المنتج في بلادها لناحية الكهرباء والمياه والأعلاف، على عكس بلادنا.

وللوقوف على رأي  أصحاب المعامل الكبيرة فقد أجرت "الإقتصاد" مقابلة مع صاحب شركة "أبناء جابر جابر" للألبان والأجبان وسام جابر، الذي أعلن عن التزام شركتهم دائماً بالتسعيرة التي تحددها الدولة.

مشيراً إلى أن مؤسستهم تعمل على أساس النوعية لا الكمية والربح، فمن وجهة نظره أن تشتري المؤسسة ليتر الحليب بـ1300 ليرة وتربح 10 آلاف دولار أفضل من أن تشتريه بـ600 ليرة لتربح 100 ألف دولار.

وفي السياق عينه أكد جابر أن شركتهم لا تلجأ أبداً إلى حليب البودرة لأن تاريخهم عريق في مجال تصنيع الألبان والأجبان، إضافة إلى أن عملهم لا يقتصر على السوق المحلي فقط إنما على السوق الإقليمي.

بلد يستقيم فيه قطاع على حساب قطاع آخر، أي أنه من الشبه المستحيل أن تزدهر كل قطاعاته في الوقت نفسه.

"أزمة الحليب ومشتقاته" ليست إلا واحدة من الأزمات اللبنانية، التي تسلب المواطن اللبناني لقمة عيشه. منتجون للحليب يتوجهون إلى ذبح أبقارهم، ومصانع صغيرة قد تقفل في حال عدم ترخيصها، وأصحاب معامل كبيرة يشكون ضعف الطلب على منتجاتهم.

في ظل هذه التناقضات، تتوجه الأنظار كلها إلى وزارة الزراعة، حيث ناشد المنتجون وأصحاب المعامل وزيرها بإيجاد حل في أسرع وقت ممكن. فهل من الممكن الخروج بحل يرضي كافة الأطراف؟