أعلن وزير المالية علي حسن خليل مؤخراً عن واحد من أهم وأكبر الإصدارات التي حصلت منذ تاريخ دخول الدولة اللبنانية الأسواق المالية منذ التسعينات حيث تبلغ قيمته الإجمالية 2.2 مليار دولار أميركي. وتوزع هذه الإصدارات الى شطرين : الأول بقيمة 800 مليون دولار استحقاق العام 2025 بمعدل عائد 6.2% ، والثاني بقيمة 1400 مليون دولار أميركي استحقاق 2030 بمعدل عائد 6.65% .

وشهد الإصدار حجم طلبات كبيرة على الاكتتاب فاق كل التوقعات ووصل الى 4.900 مليون دولار أميركي وهو رقم استثنائي بما نسبته 233 % من حجم الطلب.

مع الإشارة إلى وصول ديننا العام في نهاية العام 2014 الى 66.5 مليار دولار أميركي موزعاً 62% دين بالعملة المحلية و38% دين بالعملات الاجنبية ولفت إلى أن الزيادة في الدين العام بلغت 5% مقارنةً بالعام 2014 بالمقارنة مع 10% زادت عليه في العام 2013.

ولمعرفة تداعيات هذا الإصدار من إيجابية وسلبية، وللإطلاع على سبب هذا الإقبال الكثيف عليه من قبل المستثمرين، كان لـ"الإقتصاد" هذا الحوار مع نائب رئيس الجامعة الأنطونية وعميد كلية ادارة الأعمال فيها البروفسور جورج نعمة.

- علام يدل حجم الإقبال غير المسبوق، كما قال الوزير علي حسن خليل، على إصدار اليوروبوند الأخير؟

اليوم للأسف أصبحنا عندما نبيع إصدارات بالعملة الأجنبية ونرى إقبال من المستثمرين في لبنان او الخارج، نعتبره إنجازاً. المشكلة ليست إن بعنا سندات نحن بحاجة لها، بل المشكلة هي أننا دخلنا في دوّامة لن نخرج منها هي حلقة مفرغة والخروج منها يتطلب إصلاح كبير في عدة قطاعات عامودياً وأفقياً وللأسف لا نرى أي جهد في هذا الموضوع.

لإصدار السندات بقيمة قياسية (مرة واحدة فقط جرى إصدار بقيمة أعلى بقيمة 2.3 مليار دولار) دلالات إيجابية وسلبية، الدلالات الإيجابية هي أن شهية المستثمر إن كان شخصاً أو مؤسسة أو مصرف وإن كان من الداخل اللبناني أو خارجه، لازالت موجودة من ناحية شراء السندات، ما يعني أنه لا يزال هناك ثقة بالقطاع وهذه الثقة ليست بالقطاع الحكومي بل الثقة آتية من ناحية أن الأمور لا تزال مضبوطة ومستقرة.

أما الدلالات السلبية في هذا الموضوع هو أن إصدار سندات بهذا الرقم الضخم ليس إنجازاً بل هو يعني ان الدولة تغرق في عجزٍ أكبر، والأسباب التي تجعلنا نلجأ إلى إصدارات من هذا النوع هي العجز في الميزانية، لذا فنحن لا زلنا في المشكلة نفسها. منذ اتفاق الطائف وحتى اليوم لا تزال موازناتنا في عجز ولا زلنا نلجأ إلى الدين لنموّلها، واليوم وصلنا إلى قيمة دين تخطت الـ66 مليار دولار، لذا هذا يدل على أننا في لبنان طالما أننا نقوم بإصدارات بهذه الكميات ولتغطية نفقات جارية وليس نفقات استثمارية، والنفقات الجارية لا تأتي بعائدات يعني أنه ليس لدينا أي خطة لاستثمار هذا الدين في مجالات تأتي بعائدات، ما يشير إلى أننا ذاهبون إلى المجهول.

- ما هي الأسباب التي أدت إلى هذا الإقبال؟

السبب الأول والأهم الذي أدى إلى هذا الإقبال هو الفائدة على هذه السندات بقيمة 6.2%، فالمستثمر لا يمنح تبرّعاً للدولة بل يشتري سنداً لأنه يحصل على الفائدة فهو ببساطة ليس جمعية خيرية.

كما أنه لا يوجد ما لا يشجعه على الإقبال، المستثمر يتردد عن شراء السندات فقط في حال كانت الأوضاع في لبنان أو في الخزينة في خطر الإنفجار، وهذه الحالة غير موجودة والدليل هو أنهم يكتفون في سندات العشرة أو خمسة عشر سنة، من هذه الناحية ليس هناك خطر، ولكن ما يدفع المستثمر إلى شراء السندات هو الفائدة.

- بعد اقتراح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة استغلال انخفاض أسعار النفط لتمويل سلسلة الرتب والرواتب، هل لازال هذا المقترح قابل للتنفيذ اليوم مع عودة ارتفاع هذه الأسعار من جديد؟

في البداية انا لست داعماً لهذا المقترح، وذلك لأنه لا يؤمن الإستدامة. اليوم إذا أردنا أن ندفع سلسلة الرتب والرواتب بناءً على أسعار النفط العالمية، فهذا يعني أنه إذا عاود سعر النفط الإرتفاع لن ندفع السلسة؟ هذا غير منطقي.

تمويل السلسلة يحتاج إلى إصلاح بنيوي للدولة لا بد أن يأتي عبر نقطتين أساسيتين: أولاً الإصلاح المالي في الدولة وخاصةً المالية العامة وثانياً الإصلاح الإداري من ناحية موظفي الدولة لنرفع انتاجية القطاع الحكومي ونخفف العبء من ناحية "انفلاش" الموظفين والمتعاقدين مع المؤسسات العامة والإدارات. أما انخفاض سعر النفط العالمي في أواخر العام 2014 وبداية الـ2015 كان له إيجابيته من ناحية تخفيف الكلفة الحرارية على المواطن الذي انعكس إيجاباً على دخله وساعده على الإدخار واستخدام ما وفره في أمور بحاجة إليها، بينما الدولة التي وفرت حوالي 400 مليون دولار من ناحية عجز "كهرباء لبنان" فلا نرى لديها أي خطة أو استراتيجية لاستخدام هذه الأموال في زيادة إنتاج الكهرباء وتحسين التغذية للمناطق، وهذا ما يؤكد مرة جديدة أن لبنان هو بلد "الفرص الضائعة".

- ما هي توقعاتك للعام 2015، وهل سينجح لبنان في تحقيق نسبة النمو التي توقع "البنك الدولي" تحقيقها (2 إلى 2.5%)؟

حتى الآن، وبناءً على المعطيات، المؤشرات الماكروإقتصادية والمالية والمصرفية ليست مختلفة جداً عن مؤشرات العام 2014 لأنه ليس هناك متغيرات بنيوية واضحة حتى اليوم لا لناحية الإصلاحات المالية ولا في القطاع المصرفي الذي لا يزال في حالةٍ إيجابية، وحتى الوضع الأمني والسياسي لا يزال نفسه، لذا ليس هناك ما يشير إلى التغير، وهذا شيء جيد لأن عام 2014 كان أفضل من عام 2015، وإذا جرى انتخاب رئيس للجمهورية وجرت انتخابات نيابية يمكن أن نحقق نسبة نمو تتخطى توقعات "البنك الدولي".