حولت الموهبة التي ورثتها من والدتها الى عمل تجاري، فاحتضنت صناعة الحرف في سن مبكرة. وهذا الامتياز كبّر فيها الشعور بالواجب الأخلاقي تجاه المجتمع، وقادها الى دمج الحرف اليدوية المصممة من قبل أناس أقل حظا، الى تصاميمها.

ومن خلال العاطفة، والقوة والسحر تجاه التراث العربي، وقاعدة زبائنية وفية، وسعت خطوط الانتاج من الهدايا التذكارية الأساسية، الى قطع راقية وفريدة من نوعها.

"الاقتصاد" التقت مع المصممة الاردنية، المستقرة في لبنان، مارلين عبدالله، ودار الحوار حول مسيرتها المهنية، والصعوبات التي تواجهها في هذا المجال، اضافة الى واقع المرأة العربية اليوم، وأهمية دعم العائلة لتحقيق النجاحات.

- أخبرينا عن بداياتك المهنية، وكيف قررت الانخراط في هذا المجال؟

أنا لم أتخرج من أية جامعة، لكنني عملت على صقل موهبتي، وواظبت على التعلم، ولا أزال مستمرة حتى اليوم.

ورثت موهبتي في تصميم الحرف من والدتي وجدتي، اذ تربيت يضج بالطموح، ووالدتي تمكنت من افتتاح حضانة صغيرة، كما كانت تعلم الأمهات وربات المنزل على الفنون الحرفية، مثل تحويل القطع القديمة الى ألعاب محشوة، وبالتالي كانت تساهم في اعادة التدوير.

عندما كبرت اكتشفت أنني أمتلك هذه الموهبة، وبعد أن كبروا أولادي، بدأت بمتابعة الدورات في الرسم والنحت، ودرست الهندسة الداخلية عبر المراسلة، وبالتالي حاولت أن لا أضيع وقتي، ولو كنت أما لأولاد صغار. وعندما رأى الناس أعمالي، طلبوا مني أن أعلمهم.

اشارة الى أنني عندما كنت أسكن في الخليج، انخرطت في الحرف التقليدية، اذ شعرت أن هناك نقصا في هذا المجال. وعندما عدت الى لبنان، عام 1996، بدأت بتطوير العمل، ودخلت في مجال الاكسسوارات النسائية، الهدايا الترويجية للشركات والمؤسسات.

- كيف تقيمين المنافسة الموجودة في هذا المجال؟ وما الذي يميزك عن غيرك؟

لا  بد من القول أن المنافسة كبيرة، لكنها تحدد جمال العمل، فبدونها لا يسعى الشخص الى المزيد من التقدم. فعلى العامل أن يحافظ على التواضع، ويسعى التقدم. شرط أن تكون المنافسة شريفة، فعندما نرى نجاح غيرنا، نسعى بكل قوتنا للتقدم وتقديم الأفضل. لكن في الوقت نفسه، ما يزعجني، هم هؤلاء الذين لا علاقة لهم بالمجال ولا يتمتعون بالخبرة، ويأخذون أفكار غيرهم، ويطبقونها بشكل مبتذل. انما في النهاية، البقاء هو للشخص المبدع والذي يحافظ على الاستمرارية في عمله.

أما ما يميزني فهو أنني أقدم التصاميم المشتقة من كلمات عربية من تراثنا، والمتطابقة والترابطة، أي الحزام مثل الحقيبة مثل السترة... وفي الوقت نفسه، أركز على استخدام مواد من أصالتنا وتراثنا. فأنا لا أسعى الى اتباع صيحات الموضة، بل أعمل على تقديم اكسسوارات نسائية بطريقة مميزة، تتوجه الى المرأة التي تحب أن تتميز وتكون مختلفة. كما أن تقديم الأفكار جديدة على الدوام، هو ما يميز الانسان المبدع عن الانسان العادي.

- ما هي الصعوبات التي تواجهينها في هذا المجال؟

أكبر صعوبة تتمثل بالطبع بالوضع الاقتصادي، الذي يؤثر بشكل كبير على سير العمل. علما أن الاستقرار الأمني والسياسي يعطي مجالا للتقدم والابداع أكثر.

ولا بد من القول أنني انتقلت من الفنون الحرفية التقليدية في مرحلة ما، لأنني شعرت بتراجع الاقبال عليها بسبب تراجع السياحة. وبالتالي توجهت الى الاكسسوارات النسائية من أجل تخطي تلك الظروف الصعبة.

- هل واجهت يوما أي تمييز لمجرد كونك امرأة؟

لا بل على العكس. فأنا أعتبر زوجي الداعم الأكبر لمسيرتي. والرجل الذي يدعم زوجته يعطيها فرصة أكبر كي تكبر وتنجح. فعندما تكون المرأة مرتاحة نفسيا في منزلها وتعرف أن أولادها يشعجونها، تقدم أفضل ما لديها في عملها.

لذلك أقول الحمد لله، لأن زوجي وأولادي لطالما قدروا موهبتي، ودعموا مسيرتي المهنية.

- هل تمكنت من ايصال تصاميمك الى خارج لبنان؟

أنا لا أعرض تصاميمي في لبنان بل في الدول العربية، ولقد طورت مجال الفسيسفاء وقدمته بطريقة مميزة من خلال الخرز.

كما أنني شخص اجتماعي وأحب خدمة الناس والمجتمع، لذلك أطلقت مبادرة في لبنان عام 2005، هي بمثابة تعهد بحس المواطنة، يوقع عليه التلميذ في المدرسة أو الجامعة، على أساس أن سيسير بحسب بنوده، وفي المقابل عليه التبرع بمبلغ 5000 ليرة لبنانية ويساعد تلميذ آخر في المدرسة بغض النظر عن دينه أو جنسه... لكن الظروف لم تساعدنا على الاستمرار، لذلك نقلت المبادرة عام 2010، الى الاردن وقدمناها بطريقة مختلفة وفنية أكثر. وفي 2013 أطلقناها تحت اسم "هيك أحلى"، من أجل العبور الى مجتمع أفضل. وفي السنة الماضية نظمنا برنامج، برعاية الأميرة ريم علي، التي ساعدتنا على اطلاق المبادرة وكان لها دور كبير ومهم، من خلال ايمانها بالطاقات الشابة. كما عرضنا لفكرة جديدة مفادها أنه عن طريق الفن يمكن الوصول الى تغيير المجتمع، وأطلقنا مسابقتين في التصوير الفوتوغرافي والقصة القصيرة، وحصلنا على مشاركات عالمية.

- ما هي برأيك الصفات التي ساعدتك على النجاح؟

أنا شخص مثابر، وأحب عملي كثيرا. لكن لا بد من القول أنه يجدر على الانسان أن يلاحق ويحدد أولوياته في الحياة، والحفاظ على ترابط عائلته، والاهتمام بالعمل وبطريقة تطويره. كما لا يكفي مجرد الحصول على شهادة أو التعلم لفترة من الزمن، بل يجب التعلم بشكل مستمر، ومن المهم جدا أن يبحث الانسان دوما عن أمور جديدة كي يتعلمها.

- ما هي مشاريعك المستقبلية؟

أنا أسعى الى دعم الشبان والشابات الموهوبين، وتوجيههم نحو طريق النهوض في موهبتهم، وتنظيم ورش العمل، وتعليمهم تقنيات العمل ومساعدتهم، وتبني أعمالهم.

- كيف تمكنت من التنسيق بين عملك ودورك كزوجة وأم؟

يمكن القول أن ظروفي كانت أفضل من غيري، لأنني حظيت بالكثير من أوقات الفراغ، وتمكنت من عدم التقصير مع أولادي، فأنا كنت أوصلهم في المدرسة وأساعدهم في دروسهم. لكنني اقتنعت في النهاية أنه من المهم جدا على الأم أن لا تساعد أولادها كليا في فروضهم، بل متابعتهم فقط، لأن هذه الطريقة تعطيهم الثقة بالنفس، وتحثهم على تحمل المسؤولية. وأنا سعيدة جدا اليوم برؤية أولادي ناجحين، وبالتالي أشعر أنني لم أقصر أبدا تجاه عائلتي أو عملي.

- كيف تقيمين وضع المرأة العربية اليوم؟

من خلال تجربتي مع عائلتي وزوجي ومحيطي، أشعر أن "لسه الدنيا بخير". لكن بالطبع هناك العديد من النساء المعفنات والمسلوبات أبسط حقوقهن في العيش، ومن الضروري جدا معالجة هذا الموضوع، وذلك من خلال الثقافة والتوجيه المعنوي. للعلم دور أساسي في تمكين المرأة وحصولها على حقوقها. ومن المهم أن تتعرف على حقوقها الكاملة، كي تتمكن من التقدم والنجاح في حياتها.

ولا بد من القول أنه من غير المقبول أن نرى في عصرنا نساء معنفات. فالرجل والمرأة يكملان بعضها البعض في هذه الحياة، ولا يجوز الكلام عن حقوق المرأة ونيسان الرجل. فالحياة مبنية على التفاهم والتسامح، وتقدير واحترام الآخر. لذلك لا بد من توعية النساء، والتعامل بانسانية مع بعضنا البعض.

- نصيحة الى المرأة.

"آمني بنفسك وبقدراتك، واعملي على صقل موهبتك، وأحبي عملك". فالشغف تجاه العمل هو أمر أساسي. كما أقول للمرأة: "نحن نربي أجيال المستقبل، لذلك لا يجب أن تقصري أبدا تجاه أولادك!".