لاشك ان العالم اليوم يعيش هاجس الارهاب الذي افرز موجات تكفيرية واصولية سريعة الانتشار والتمدد وفي قلب الانظمة السياسية والاقتصادية معاً، لاسيما بعدما سيطرت هذه الجماعات الارهابية على حقول النفط والغاز .

وفي مواجهة هذا الواقع الجديد المستجد بدأ بعض الدول ينتهج سياسات جديدة في السياسة وفي الاقتصاد خصوصا وان تكلفة الارهاب بدأت تحط رحالها في العديد منها وهي مضطرة الى تحت ضغط ضرورة محاربة الإرهاب، الى جعل تطوير الجيش والمؤسسات الأمنية أولوية قصوى، لان محاربة الإرهابيين تقتضي الإنفاق ودون حساب من أجل كسب المعركة. وغالبا ما يكون هذا الانفاق على حساب القطاعات التنموية والمقدرة الشرائية للمواطن.

دون تجاهل تداعيات الإرهاب على قطاعي الاستثمار والسياحة، وهو ما يعمق الأزمة الاقتصادية ويجعل التكلفة الاقتصادية للإرهاب ليست فقط باهظة، بل إنها في تزايد لا يمكن ضبطه في ظل ما يعرفه الواقع من تعقيد .

ما هي تداعيات الارهاب على الاقتصاد العالمي والمنطقة وخصوصا لبنان بعد ما اضطر بعض الدول الى اعطاء التسليح وتطوير معداته الدفاعية الاولوية وبالتالي الى  تغيير السياسات تحت ضغط ضرورة محاربة الإرهاب؟

واذا كانت الدول تعدّل في موازناتها المالية لمصلحة رصد الاموال اللازمة في مواجهة الارهاب المتمدد ما هي النتائج في لبنان الذي يفتقر الى التسلّح اللازم؟

رئيس تجمع رجال الاعمال اللبنانيين د.فؤاد زمكحل يقرأ "للاقتصاد" مسار الامور ويقول :نستطيع القول  اننا في  لبنان بدأنا  نشهد  التغيير الجغرافي والسياسيلتداعيات ا لارهاب  منذ 4 سنوات الى ان  تفاقم  الامر مؤخراً. وطبعاً لا يمكن ربط  ذلك الا بالحرب السورية التي لها ارتدادات كبيرة ومباشرة.

لقد  لاحظنا ان التحركات والثورات بدأت  بالمطالبة  بالحرية والديمقراطية  ، ومن  ثم تحوّلت كل الشعارات الى عنوان آخر وهو الحرب ضد الارهاب  بعدما كانت ضد  النظام  الداخلي. وفي كل الدول  التي شهدت  الصراعات السياسية  مثل اليمن ، ليبيا، نيجيريا وغيرها لاحظنا ان المشاكل انتقلت  من بين  الفرقاء  السياسيين الى حرب ضد الارهاب.

اما في اوروبا ، فقد شاهدنا التكاتف الدولي  الذي ظهر جليا في المسيرة التي نظمت في فرنسا  تحت شعار :Je suis Charlie ، حيث جميع الدول اتحدت في موقفها الرافض للارهاب . وفي المقابل ، لاحظنا كيف ان السلطات العسكرية الحاكمة في بعض الدول حاربت الارهاب بكل قدراتها كما حصل في مصر .

وكان من الطبيعي ان يتم تدّفق الاموال الى انظمة تحاول محاربة الارهاب، وبالتالي  ان يتحوّل   الاقتصاد الى اقتصاد ارهاب ، علماً انه في هذه المعركة الدولية لا احد يستطيع  اغفال  الانقسام في المواقف؛ فهناك  دول تدعم بطريقة مباشرة  او غير مباشرة الارهاب ،فيما  ان هناك  دولاً اخرى تتصدّى له. فالبلدان الداعمة تؤمن استمرارية هذهالموجة الارهابية من خلال شراء البترول، بعدما وضعت عناصر داعش يدها على آبار النفط  في بعض  المواقع فضلاً عن مدها بالسلاح.

اما في لبنان، فنحن دخلنا مرحلة عدم الاستقرار الفعلي منذ النصف الثاني من العام 2014. وقد برزت مشاكل امنية متلاحقة على الحدود  حيث تصدّى  الجيش لعدة عمليات ارهابية وانتحارية. وقد انعكس ذلك على حركة الاستثمار حيث ان المستثمرين اللبنانيين وغير اللبنانيين بدأوا يترّقبون الاحداث ويراقبونالاوضاع  بحذر شديد.

ايجابيات الارهاب

ويتابع د.زمكحل: الا انه في المقابل، لا بد من الاشارة الى عوامل ايجابية افضت عن الارهاب وهي تتلخص بالآتي:

1- التفاف شامل حول الجيش اللبناني وتأمين الغطاء السياسي اللازم له من قبل كل الفرقاء وفي كل المناطق اللبنانية. وقد شكّل ذلك وحدة وطنية لافتة ومؤازرة للجيش اللبناني والقوى الامنية .

2- دعم اقليمي لافت ترجم بتقديم المساعدة المالية والاسلحة الى جانب تقديم  المساعدة  في المجال المخابراتي. وقد تجلى هذا التعاون نجاحاً في عملية المداهمات والتوقيفات التي نفذتها القوى الامنية والعسكرية.

3- دعم دولي لتسليح الجيش اللبناني سواء من قبل الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والسعودية.

ولا شك ان ما يتم  التداول به في الاعلام من نوايا وقرارات لتسليح الجيش اللبناني  انما يصب  في مصلحة الدعم الكلي للبنان في مواجهة الارهاب على الحدود  وفي الداخل.

اذاّ سلبيات الارهاب تحوّلت الى ايجابيات في 2014 في بعض النواحي دون القطاع الاقتصادي. فرياح الربيع العربي فرضت ركوداً اقتصاديا حيث وصل النمو الى 1،5% ولولا  النشاط المصرفي والحركة  العقارية المقبولة لكان بحدود الصفر.

وهناك مؤشرات تم تسجيلها وفق التالي:أ- على صعيد الاستثمار:

1- تراجع ثقة المستهلك من 90 نقطة عام 2009 الى 30 نقطة عام 2014. وهذا الانحدار هو نتيجة المشاكل الامنية المتلاحقة.

2- تراجع الاستثمار الخارجي من 4،85مليارا عام2009   الى 2،5 مليار دولار في 2014 اي بتراجع اكثر من 40%. فالمستثمر الاجنبي لم يجد المناخ الاستثماري المناسب ما جعله في موقع المراقب.

ب- على صعيد الاستثمار الانتاجي: فقد انخفض بدوره من 200مليون دولار في 2013 الى 100 مليون دولار في 2014  اي بنسبة 50%.

وعلى صعيد السياحة، الحرب على الارهاب تركت ذيولها بشكل دراماتيكي حيث تراجع عدد السياح . ومن المعلوم ان 60% من السياح  يأتون الى لبنان عن طريق سوريا . الا ان مع دخول لبنان حلبة الصراع السوري ضربت كل المواسم السياحية. واقتصرت السياحة  على مجيء  بعض اللبنانيين  المقيمين في الخارج لتفقّد اهلهم.

اما بالنسبة  للكلفة  فالشركات المنتجة تكبدت اكلافا  تخطّت طاقتها مع ارتفاع حدة المخاطر في لبنان حيث انه  يتم  تسديد  كل الفواتير بشكل مزدوج  مقابل  تراجع ملحوظ في الارباح.

وذكر زمكحل ان اليوم بعض قطاعات الاقتصاد اي اقتصاد البترول يموّل اقتصاد الارهاب. ورغم المعايير الصارمة التي تفرضها المصارف لحماية القطاع من عمليات  تبييض الاموال وتمويل الارهاب فان تمويل الارهابيين الذين نجحوا في السيطرة على آبار النفط  يتم  بشكل سري  وعبر قنوات مخفية ، بعيداً  عن السلطات الرقابية الدولية . واليوم هناك  نقاط  استفهام حول هذا الموضوع .

باختصار، الحرب الارهابية تركت آثاراً  ايجابية كما تم ذكرها وابرزها ان لبنان ليس بيئة حاضنة للارهاب مهما  تم تصدير اليه من عناصر ارهابية.

ويبقى القول ان لبنان يمر باصعب الفترات في جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وهو يعاني من ركود جميع المؤسسات العامة التشريعية، الدستورية والتنفيذية، كما ان مركز رئاسة الجمهورية ما يزال يشهد فراغا منذ ايار 2014، مما يطعن بصدقيته الدولية تجاه المستثمرين محليا، اقليميا ودوليا.

ولكن  للبنانيين نقاط قوة عدة ابرزها السمعة والقدرة على تجاوز الازمات، بفضل ميزات تنافسية اقتصاديا وثقافيا، فضلا عن القدرة على التكيف مع الأزمات، لمعالجة المخاطر، ومواجهة المشكلات في جميع أنواعها.