يستمر سباق فتح الملفات الغذائية والصحية وسط خلافات وزارية وتضارب صلاحيات وتحميل مسؤوليات حيث  "كل  يحوّل مجرى  الساقية نحو طاحونته" وابداء الحرص على مصلحة المواطن الذي بات في حيرة مستدامة   بمن سيصدق وهو كبش  المحرقة  في كل تأزم سياسي او اقتصادي.

وفيما لم تغب  اجواء السجالات الكلامية والاتهامية بين وزير الصحة العامة وائل ابو فاعور من جهة، وكل من   نقابتي الاطباء واطباء  الاسنان اللتين  شنتا  هجوماً  معاكساً على ما  وجهه اليها من اتهامات ظهر موضوع  الوصفة  الطبية  الموحدة  وشكّل  احد  فصول  مسرحية  هذا  الشجار ليسجّل  وزير العمل سجعان قزي   مبادرة حسم فيها  الجدل  معلناً  "ان  صندوق  الضمان الاجتماعي سيطبّق  الوصفة الطبية  الموحدة   بدءاً من اول آذار" لينزع  اي ذريعة  تسمح  للاطباء   بالتهرّب  من  هذا  الالتزام.

لماذا لم يتم  اقرار التزام الضمان بالوصفة الطبية الموحدة  في الجلسة الاخيرة لمجلس الادارة ؟

نائب رئيس مجلس ادارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي غازي يحيى قال "للاقتصاد" ان هناك موافقة  مسبقة للضمان على الوصفة الطبية الموحدة ، ولكنها ستدخل حيذ التنفيذ بعد التصويت عليها  بالغالبية  المطلقة  في جلسة مجلس الادارة بعد اسبوعين،وذلك   سنداً لاحكام قانون  الضمان الاجتماعي ، بعد تعذّر تأمين نصاب  هذه الغالبية القطاعية في آخر جلسة . و لفت الى ان مدير الصندوق سيعدّ  الدراسة الكاملة بهذا الشأن بعد ادخال  التعديلات  اللازمة وفقاً لملاحظات اللجنة الفنية تمهيدا لاقرارها  وبالتالي تحويلها الى وزير الوصاية اي العمل للمصادقة .

وكشف ان صندوق الضمان الاجتماعي يعتمد اليوم على لائحة تتضمن 4 الاف دواء من  بينها  نسبة20  % ادوية "جنيريك " المعنية بالوصفة الطبية . و ان ادارة الضمان لا تبحث عن تحفيض  كلفة فاتورة الادوية  وتقليص باب الانفاق عليها بقدر تأمين العلاج اللازم والسليم لجميع المضمونين . وتوقع ان ترتفع نسبة ادوية "الجينيريك " في اللائحة  المعتمدة في الصندوق لافتاً الى ان معظم المستوردين والتجار الذين يتعاطون بادوية ال brand    سيتجهون نحو "الجينيريك" مع ارتفاع الطلب وسيعملون على تسويقها.

وقال ان الملاحظات التي رفعت من قبل الصندوق حول هذه الوصفة ركزّت على تعزيز هذه الوصفة من حيث الشكل، وقد تم التفاهم عليها في الاجتماع المشترك الذي عقد  بين مديرعام صندوق الضمان ومديرعام وزارة الصحة العامة.

كما  ان الضمان استكمل تعديل المادة 42 من النظام الطبي فيه وقد اصبحت على الشكل التالي:

"لا يدفع الصندوق إلا ثمن الدواء والمواد الصيدلانية التي يصفها طبيب متعاقد مع الصندوق،و يحق للصيدلي وخلافا لأي نص آخر أن يصرف الى حامل الوصفة الطبية دواء تحت إسم"جنيسيgenerique or brand generique"غير المذكور فيها وذلك ضمن الشروط المحددة في المادة 47 من قانون مزاولة مهنة الصيدلة في لبنان".

ويقول يحيى: "بموجب هذه المادة  اعطي الصيدلي حق الأمر بالوصفة اذا تعذر على الطبيب ذلك. و نحن كمجلس وكادارة صندوق ضمان اجتماعي لا دخل لنا اذا رفض الطبيب الالتزام بهذه الوصفة ، مع العلم انه باستطاعته حسم الموضوع دون الرجوع الى الصيدلي او تحميله المسؤولية. وانما علينا انجاز كل الترتيبات اللازمة والفواتير الخاصة بها لتطبيقها".

وذكر ان الضمان بانتظار تعميم ثقافة استعمال ادوية "الجينيريك "وتعزيز ثقة المريض المضمون بتناولها دون ان ننسى مصداقية الصيدلي الذي تم تزويد ه بهذه الصلاحية الجديدة. وطمأن الى دور الضمان الواعي والحريص على صحة  المريض المضمون، وذلك من خلال ما تقوم به الهيئة الطبية الاستشارية العليا التي تسهر وتحقق في اي مستورد جديد يدخل السوق. 

ولكن ما  ما هي  الوصفة  الطبية  الموحدة؟

الوصفة الطبية الموحدة تفتح باب الخيارات لاستخدام ادوية "الجينيريك" التي هي اقل كلفة على المواطن والدولة. ويؤكد الوزير ابو فاعور انه  ليس صحيحاً أن أدوية "الجينيريك" ليست في مستوى الجودة نفسها للادوية الاصلية.  فهي ادوية مسجلة وخاضعة لكل الفحوص.  ويرى ان هذه الخطوة تمنع بعض الإفادات غير المشروعة من بعض الأطباء وبعض شركات الدواء، التي هي جزء كبير من الفساد المستشري في القطاع الصحي.

ويؤكد الوزير أبو فاعور أن الوزارة لا تقبل بأي دواء "جنيسي" إلا بعد فحصه والتأكد من مطابقته للمعايير، معتبراً أن المعركة الحالية هي معركة المواطن وخزينة الدولة، وبالتالي الممانعة متوقعة من أصحاب المصالح. ويطمئن الى  إن هناك خطة لتفعيل المختبر المركزي وللبحث بموضوع المكتب الوطني للدواء.

مفهوم  واستخدام  ادوية  "الجينيريك"

اما ما هي ادوية "الجينيريك "؟ وهل  يمكن التسويق  لها؟

إن دخول أدوية "الجينيريك" (Generics) الى لبنان يعود الى الثمانينات من القرن الماضي. ولقد تم تشجيع استيراد واستعمال تلك الأدوية بعدما اعتمدت وزارة الصحة العامة اسساً علمية واضحة ودقيقة لتسجيل تلك الادوية مقارنة بالدواء- المرجع (Reference Drug) لكل مجموعة أدوية جنيسية (Generics). اذ إن الدواء المرجع هو الذي تم تصنيعه من المصنع الأم/الأساس صاحب الملكية الصناعية وبراءة الامتياز، ولكل إسم علمي، عشرات بل مئات الأدوية الجنيسية المحتوية لنفس الإسم العلمي.

وإن المقاييس العلمية والتقنية والصناعية المعتمدة في اعتبار دواء جنيسي معيّن قابل للمقارنة مع الدواء-المرجــع (Reference Drug) تشمل طريقة التصنيع، والمواد التي تدخل في التصنيع والتحقق بطريقة غير قابلة للتشكيك بالتعادل الحيوي (Bio-Equivalence) لكل دواء جنيسي مع الدواء المرجع.

أما نسبة تلك الادوية فهي تشكل ما يفوق الـ 35% في السوق اللبنانية.

ووفق بعض  المصادر المعنية  بقطاع  الدواء ، فان عملية تشجيع استعمال ادوية "الجينيريك" ليست سهلة خصوصاً وان الدواء المرجع يعمل على تخفيض سعره مع الوقت. والتحدي يكمن في توفير الجودة المقبولة في نوعية الدواء طبقاً للمعايير العالمية  الموثوقة مع الفارق  الملحوظ في السعر.

وفيما تحدث البعض عن  تسجيل اللجنة الفنية في وزارة الصحة 617 دواء "جينيريك" في العام 2014 وحده فيما انه سجّل في أميركا 41 دواء فقط في العام نفسهنفى  مدير عام الصحة وليد عمار هذا الرقم معتبراً أن النيل من سمعة أدوية "الجينيرك" يصبّ في مصلحة شركات الأدوية، ليؤكد أنه تم تسجيل 120 دواء جنيسياً فقط خلال العام الماضي، متحدياً أي شخص أن يأتي بدواء مسجّل وغير مطابق للمواصفات.

الجدير ذكره ان ادوية "الجينيريك" تشكّل نسبة 80% من الاستعما ل في الولايات المتحدة الاميركية الا ان هذا  يتم  وفق شروط معيّنة اهمها  المراقبة  المتشدة  لنوعية وتركيبة هذه الادوية بشكل مستمر.

وفي مجال آخر ،  في كانون الثاني الفائت،  طلبت الوكالة الأوروبية للأدوية تعليق بيع عشرات الأدوية الجينيريك في أوروبا اثر عمليات تلاعب في البيانات من جانب شركة هندية مكلفة المصادقة على جودة هذه الأدوية.

وأوضحت الوكالة ان هذه التوصية تستند إلى نتائج عملية تفتيش تثير شكوكاً إزاء الطريقة التي كانت شركة "جاي في كاي بيوساينسز" تجري على أساسها دراساتها للحصول على التراخيص اللازمة لبيع هذه الأدوية في الأسواق لحساب مصنعين.

وأشارت الوكالة التي تتخذ من لندن مقراً إلى ان هذا القرار لا يؤدي إلى إعادة النظر في فاعلية أو سلامة الأدوية التي شملها قرار التعليق. وفي المحصلة، يمكن ان يتأثر نحو 700 دواء     "جينيريك "بهذا القرار الذي طالبت به لجنة الأدوية المخصصة للاستخدام البشري التابعة للوكالة الأوروبية للأدوية.

ولم يشمل قرار التعليق الأدوية الجينيريك المصنفة "مهمة جداً للمرضى" والذين لا تتوافر لهم أدوية بديلة بأعداد كافية لتلبية حجم الطلب. وسيتعيّن على كل دولة في الاتحاد الأوروبي تقدير هذه الأوضاع الخاصة، وفق الوكالة. وجاء طلب التعليق نتيجة تفتيش أجرته الوكالة الفيديرالية الأميركية للدواء في موقع شركة "جاي في كاي" في حيدر أباد بالهند، وفق الوكالة الأوروبية للأدوية. وخلص التفتيش إلى حصول عمليات تلاعب ببيانات صور التخطيط الكهربائي للقلب خلال تجارب على أدوية "جينيريك " على فترة لا تقل عن خمسسنوات، وفق الوكالة الأوروبية.

من جهتها، توقعت مؤسسة البحوث والدراسات الاقتصادية Business Monitor International    BMIان تنخفض حصة الانفاق على الأدوية الحائزة براءة الاختراع الى 58,4% من اجمالي الانفاق على الأدوية الموصوفة طبياً، والى 43,8% من اجمالي الانفاق على المنتجات الصيدلانية في 2018، وان ترتفع حصة الأدوية المبيعة باسمها العلمي بنسبة 41,6% و31,2% تواليًا.

وتبقى المنافسة بين الأدوية الحائزة براءة الاختراع (patented) والأدوية المبيعة باسمها العلمي (generic)، هي على النوعية والسعر في آن واحد، اذ ان هدف اصحاب  الادوية الـpatented ان تكون اسعارها قريبة من اسعار ادوية الـgeneric في حين يسعى اصحاب ادوية الـgeneric الاتكال على النوعية واقناع الجسم الطبي والصيادلة والمواطنين ان ادويتهم ذات نوعية جيدة وبأسعار مخفضة.

اما اليوم  في  لبنان فان الكرة  اصبحت  في ملعب  الطبيب اولاً الذي يكسب  ثقة  المريض ،  وثانياً  الصيدلي  الذي اعطي  صلاحيات  جديدة  فيها الكثير من المسؤوليات  لمعرفة  امكانية  نجاح  دواء  " الجينيريك " من غزو الاسواق وتقليص  الفاتورة الصحية  التي يشكّل فيها الدواء في لبنان بنحو 970 مليون دولار سنوياً. اي ما بين 190 دولارا و240 دولارا للفرد لمجموع السكان في لبنان في ما بين 4 و5 ملايين.

كما ان الشكوك ستبقى قائمة  في مدى  فعالية  هذه الادوية  وسط فلتان مستشر  وغياب الرقابة اللازمة، سيما وان المرجع الرقابي والفاصل اي المختبر المركزي مقفل ولا من يريد اعادة فتحه بصورة جدية.